حجم إنتاج شركة قها من علب الأطعمة المحفوظة سنوياً سر من الأسرار تشكل إذاعته خطرًا علي الأمن القومي في مصر؟
هل تصدق هذه الجملة؟ وهل تصدق أن عدد علب الفول أو البسلة المحفوظة في شركة قطاع عام سر يهدد الأمن القومي؟ أغلب الظن أنك لا تصدق بل ستسخر من الجملة وصاحبها، لكن الغريب أنها جملة حقيقية تماماً، وكانت صائبة كلية فقط من أربعين عاماً، قبل حرب أكتوبر ومنذ الخمسينيات مروراً بمرحلة الستينيات وحتي ما بعد حرب أكتوبر، كانت إذاعة مثل هذه المعلومة تشكل خطراً فعلياً، لماذا؟ لأننا كنا في حالة حرب مع إسرائيل وكانت لدينا شركة أو اثنتان فقط متخصصتان في الأطعمة المحفوظة وزيادة الإنتاج في أي توقيت أو التخزين معناه أن البلد يخطط لحالة حرب ومن ثم يزيد إنتاجها من الطعام المحفوظ حتي يمد جنوده في الجبهة ويخزن كميات أكثر وأكبر استعداداً لاحتمال توقف الإنتاج في فترة الحرب أو أي اضطراب أثناءها في سوق الأغذية، إذن عندما يعرف العدو هذه المعلومة سوف يدرسها ويستنتج منها معلومات أخطر وأهم قد تؤثر في مستقبل الوطن! شفت علب الفول ممكن تعمل إيه!
لكن هذا تغير الآن.. وتغير كثيراً وجداً.. كما تغير مفهوم الأمن القومي!
في الفترة الأخيرة ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي النازي والعنصري علي شعبنا الفلسطيني في غزة بدأ الجميع في مصر يلوك هذا المصطلح في فمه وقلمه، حتي بات المرء يخشي أن يفتح الحنفية أو يشغل السخان أو البوتاجاز يلاقيهم بيتكلموا عن الأمن القومي، ومن فرط الدروس التي سمعناها من السادة الخبراء التابعين للحزب الوطني وحكومة أمانة السياسات عن أهمية الأمن القومي لمصر وأن القرارات التي اتخذها الرئيس مبارك كلها نابعة من حفاظه علي الأمن القومي لمصر أصبحنا في أمس الحاجة لتعريف هذا الأمن القومي الذي غلبنا وراءه في القنوات والفضائيات!
لا سبيل بطبيعة الحال لإنكار أهمية الأمن القومي لمصر ولابد علي سبيل اليقين من احترام هذا المفهوم ولكن فقط نحب نتعرف عليه حتي نحبه أكثر ونفهمه أعمق!
فلا أستطيع أن أفهم أن الأمن القومي لمصر مفهوم سري وإلا كيف تلتزم بشيء سري لا تعرفه وكيف تدرك ما يمسه أو يخرقه وأنت لا تعرف حدوده ولا تفهم معاييره؟! المشكلة هنا في تعريف الأمن القومي لمصر وسوف تقول لي إنه موجود في الكتب، سأرد: أي كتب؟ فالكتب تتغير حسب كل رئيس وحسب كل مبادرة وتتبدل بالمزاج السياسي، ثم الكتب تقول إن الخطر علي الأمن القومي المصري هو إسرائيل، بينما لم نسمع بني آدم في الحكومة أو في لجنة السياسات وخبرائها أن إسرائيل خطر علي الأمن القومي بل سمعنا العكس أن إسرائيل حليف أو صديق وأن الخطر يأتي من وجود إمارة إسلامية علي حدود رفح هي إمارة غزة، وبصرف النظر عن هل غزة تحت حكم حماس هي إمارة إسلامية أو لا! لكن السؤال هل الإمارة الإسلامية أخطر علينا من دولة صهيونية يهودية (إسرائيل تعرف نفسها بأنها دولة لكل يهود العالم )؟ مين أخطر علي الأمن القومي إمارة إسلامية تهرب سلاحاً كي تقاوم محتلاً أم دولة صهيونية محتلة؟ ما رأي الأمن القومي في هذا السؤال؟
ثم إذا بنا نسمع أن إيران دولة إقليمية لها طموحاتها التي تشكل خطراً علي الأمن القومي المصري ولا نعرف إزاي وليه ومِن إمتي؟ فالثورة الإسلامية في إيران تدخل عامها الثلاثين، ومع ذلك تذكرت شلة الحكم في مصر أنها صارت خطراً علي أمن مصر القومي عندما اختارتها أمريكا في محور الشر، وعندما وضعتها إسرائيل في مقدمة أعدائها يعني عدو عدوي بقي عدوي أيضاً، ثم لو مصر تخشي القنبلة النووية الإيرانية التي لم تمتلكها إيران حتي الآن وبينها وبين امتلاكها لو مشيت الأمور علي هواها بين سبع وعشر سنوات، طيب لماذا لا تخشي مصر علي أمنها القومي من مفاعل نووي إسرائيلي يقع علي حدود مصر بكام كيلو ويملك حوالي مائتي أو ثلاثمائة قنبلة نووية؟ مين أجدر يبقي أخطر!
هل تريد - لامؤاخذة - معرفة رأيي، أنا - وأعوذ بالله من كلمة أنا - أعتقد أن وجود 44%من الشعب المصري تحت خط الفقر خطر علي الأمن القومي المصري وأن سيادة الاستبداد وسيطرة الفساد واحتكار رجال الأعمال للسلطة ولصناعة القرار خطر علي الأمن القومي المصري.. ده لو أنا فاهم يعني إيه أمن قومي.. ومصري