كما يسيطر علي الدوائر الأمريكية والأوروبية مرض الإسلامو فوبيا حيث خوفهم من الإسلام وتوجسهم منه يدفعهم إلي تصرفات وسياسات تخلو من العدل والمنطق وتمتلئ بالهجوم الغبي والهمجي علي كل ما هو إسلامي، فإن الواقع المصري يعاني من نفس المرض ولكنه هنا يلبس الجلابية المصرية فيصبح مرض «الإخوان فوبيا»، هناك قلق ينهش عقل النظام المصري رعبًا من وصول الإخوان للحكم وهذه الفوبيا تعبر أول ما تعبر عن هشاشة ثقة النظام في نفسه وفي قوته وجماهيريته، وإحساسه بأن الإخوان قادمون يجعله كمريض الهلاوس الذي لا يمكن إقناعه بأن ما يراه محض ضلالات لا صلة لها بالحقيقة إنما هي أوهام خياله المريض بالإخوان، وفي محاولة لإفاقة المريض بالإخوان فوبيا لدي كل الأطراف، سواء رجال الأعمال والأقباط والمثقفين وطبعا رجال الحكم والأمن قلت إن الإخوان لن يصلوا أبدا لحكم مصر لا بصناديق الانتخابات ولا بصناديق الذخيرة (لا ديمقراطيًا ولا انقلابيًا) وأسبابي هنا تكمن في طبائع الأطراف الثلاثة، الإخوان والدولة والشعب:
الإخوان تنظيم مغلق وليس حزبا مفتوحا للعضوية التي تشبه نظم الشبيبة السوفيتية حيث تربية الأعضاء من المهد إلي اللحد، وحيث شرط العضوية أن تكون طفلا ثم تكبر معهم لتصبح إخوانيًا ومن ثم فهو تنظيم مغلق العضوية ومنغلق علي نفسه، ومثل هذه التنظيمات تعتمد علي التربية لا علي البرامج، وعلي النشأة وليس علي الفكرة والاقتناع وهذه الطبيعة تطرد إمكانية الانفتاح علي الجماهير ومن ثم الاتساع والانتشار والفوز، ثم هذه الطبيعة أيضًا تجعل الإخوان حريصين علي بقاء التنظيم أكثر من حرصهم علي أن يفعل التنظيم شيئًا، وهم جماعة محافظة لا تغامر، والدخول في محاولة للفوز بالحكم مغامرة تهدد التنظيم من جذوره خصوصا أن حكم مصر ليس شأنا مصريا فقط بل شأن تتداخل فيه المصالح الكونية وتتقاطع عنده الموازين الدولية، والوصول له خطر حتمي علي تنظيم الإخوان لا يمكن أن يُغامروا به أبدا وهم يرفعون شعار المشاركة لا المغالبة وطبعا لا أحد يصدقهم، لكن الحقيقة أنه شعار معبر عن طبيعتهم التي تريد جزءًا من الكعكعة خوفا من أكلها كلها فتقف في زورهم وتخنقهم، هي جماعة متحفظة وحذرة ومغلقة وليست ذات طبيعة ثورية انقلابية مثل الجماعات الإسلامية الأخري، ستقول لي: ولكنهم وصلوا إلي حكم غزة وحصلوا علي أغلبية المقاعد هناك عبر الانتخابات، وسأرد بأن حصول الإخوان علي أغلبية المقاعد في محافظة الشرقية وارد جدا لكن هذا لا يعني قدرتهم علي الأغلبية في غيرها، وغزة مثل الشرقية، جزء وليس كل، إقليم وليس دولة، ستقول لي: إن التيار الإسلامي وصل للحكم في تركيا أقول لك: ليس الإخوان الذين نجحوا في تركيا بل هي صيغة أخري مغايرة أبعد ما تكون عن العقلية الإخوانية في مصر ولا تنفع معها دبلجة المسلسل التركي بالعربي!
أما طبيعة الدولة في مصر فهي تنفي تماما إمكانية فوز الإخوان بالحكم، فالدولة لدينا بيروقراطية ورتيبة وغير ثورية ولا يمكن أن تشهد تغييرًا دراميًا كبيرًا وجذريًا، ثورة يوليو لم تكن ثورة طبعا بل كانت انقلابا كامل الأوصاف ومع ذلك ظل بناء وبنية الدولة فيها كما هو في عصر الملكية، المصريون يتغيرون ويغيرون ببطء شديد، فالطبيعة المملة للدولة تأبي أي تغيير حقيقي أو عميق، ثم هي دولة أجهزتها أهم منها وهذه الأجهزة تعطل أي تحولات أو تحويلات في الدولة، هي دولة يلعب فيها الفرد دورًا لكن لا تلعب فيها التيارات ولا التنظيمات الجماهيرية شيئًا، وهذا ما يقودنا إلي طبيعة الشعب المصري فهو متدين قطعا لكن تدين المظهر لا الجوهر، ومن ثم تسمع منه كلاما مؤيدا للحكم بالدين وشرع ربنا لكنه مجرد فهلوة لا يؤمن به حقا، فهو شعب يحب أن يصلي الظهر حاضرا وجماعة في الشغل لكنه يفتح درجه للرشوة بعد أن يختم الصلاة، وشعب هذه طبيعته يسرح بالإخوان لكن لا يمكنهم منه أبدا، ثم هو شعب سلحفائي التغيير وحربائي التعايش ولا يمكن أن يفاجئ نفسه بأي شيء ولديه عقيدة اجتماعية تعبد الاستقرار السائد وتفزع من التجديد المغاير، ومن المستحيل أن يقامر أو يغامر بإيصال الإخوان للحكم أو بطرد الحكم من عرشه، هذه أعمال انقلابية قد يقوم بها عسكر (أو مماليك) لكن الشعب لا يفعلها أبدا ومن هنا تبدو الانتخابات البرلمانية 2005 أبرز دليل علي أن الإخوان لن يحكموا مصر أبدا فلقد دخلوا بمائة وخمسين مرشحا من بين 444 مقعدًا ثم حشدوا أقصي قدراتهم للفوز فحصلوا علي عشرين في المائة من الأصوات التي صوتت في الانتخابات والتي كانت تمثل عشرين في المائة ممن لهم حق التصويت، وبحسبة بسيطة نكتشف أنهم حصلوا علي خُمس أصوات خُمس المصريين!
طبعا كان هناك تزوير وكانت هناك إمكانية أكبر لفوز الإخوان بأكثر من مائة مقعد لكن هذا لا يعني الأغلبية ولا يعني الوصول للحكم أبدًا، فضلا عن أن فساد الحزب الوطني هو المسئول عن التصويت للإخوان، وتذكر أن الإخوان قبل يوليو 52 لم ينجحوا أمام حزب الوفد (حين كان حزبا وحين كان وفدا) كما أن استبداد الحزب الوطني هو الذي جعل الساحة صحراء خالية إلا من الإخوان فهم وحدهم الآن القادرون علي التضحية في وطن ضحية!