كي تعرف أن نظام الرئيس مبارك الذي يستمر منذ 28 عامًا فشل في أن يصنع من مصر شيئًا كبيرًا وعظيمًا بين الأمم، وكي تدرك أن ما نعيشه من ظروف اقتصادية بائسة إنما هي بفعل فشل هذا النظام في إدارته للبلد، تعال نذهب معًا إلي الفيل والتنين أو الهند والصين وكيف نجحت هاتان الدولتان في الصعود إلي قمة العالم الاقتصادية والانتقال بشعبيهما من درك الإفلاس والفقر الدكر إلي أن يتحولوا إلي ذكور العالم الاقتصادية، كيف تغير الهند والصين مصيريهما؟ وكيف تغيران - بفضل هذا كله - مصير العالم، وتنتقلان من بين صفوف بلدان العالم النامي لتحتلا موقع القوي العظمي؟ هذه ليست قصة نجاح الصين والهند بقدر ما هي ملحمة فشل مصر، ففي خلال أقل من عشرين عامًا حدثت المعجزة الآسيوية في الهند والصين!
سأستند في معلوماتي هنا إلي كتاب (الفيل والتنين) لكاتبة أمريكية متخصصة هي روبين ميريديث (صدر عن سلسلة عالم المعرفة من ترجمة الكبير شوقي جلال) لم ترد فيه كلمة واحدة عن مصر لكن في كل سطر فيه يقفز في وجهك السؤال: إشمعني إحنا؟ لماذا لم نصبح في عصر مبارك الطويل مثل هاتين الدولتين، لقد كسر (أو بالأحري حطم) الصعود الصيني والهندي كل الأوهام التي يروجها لنا نظام الرئيس مبارك كمبررات للوضع الاقتصادي الهزيل والمخجل الذي تجد مصر فيه نفسها بين دول العالم؛ حيث تقبع في قاع الدول المصدرة والمصنعة أو المكتفية ذاتيًا أو المؤثرة اقتصاديا، فضلاً عن وجود 44% من الشعب المصري تحت خط الفقر، ناهيك عن الانتشار الهائل للبطالة والتي تصل نسبتها حسب بعض الخبراء إلي 18% ويمكن لأي قارئ كريم أن يتكرم ويضيف لهذا المقال مزيدًا من الأمثلة علي حال الشعب المصري، فالكاتب ليس أعلم من المكتوب له. لكن لنركز الآن في الأوهام التي عاش عليها النظام المصري، الوهم الأول الذي ضربه النجاح الهندي والصيني وَهْم أعملكوا إيه وأجيب لكم منين؟وهذا الكلام الذي تسمعه من كبير مسئوليك، فالدرس الصيني هو أنك يمكن أن تنجح! نعم، فالفشل ليس قَدَرًا والتأخر والتدهور الاقتصادي ليس قضاء محتومًا ونقدر نعمل حاجة وحاجة كبيرة مش علي طريقة أجيبلكوا منين؟.. الوهم الثاني الذي تحطم هو أن التقدم والنجاح الاقتصادي المذهل حِكْرٌ علي الغرب سواء أوروبا أو أمريكا. أبدًا أي بلد عفي في أي مكان في العالم يمكن أن يفعلها. الوهم الثالث الذي تم نسفه نسفًا هو التحجج الملح والمخجل بأن الزيادة السكنية هي سبب استنزاف الثروة؛ حيث الهند والصين أعلي بلاد العالم كثافة وزيادة سكانية. الوهم الرابع هو الجملة الرزلة والممجوجة التي يرددها كل مسئول من عام 81 وحتي الآن وهي عنق الزجاجة التي يمر بها اقتصادنا، أو سخف الحديث عن إصلاح اقتصادي لمدة 28عامًا، فهل يصدق عاقل أو حتي مخبول أن اقتصادًا يتم إصلاحه 28عامًا ولا ينصلح أبدًا، إلا إذا كان الذين يصلحونه إنما هم مفسدون؟ في الهند والصين يتحقق إصلاح وتطور ونقلة هائلة في أقل من عشرين سنة تجعل من دولة نامية موشكة علي الإفلاس تتحول إلي دولة عظمي اقتصاديًا. الهند تحركت ببطء لكن في ثبات مطرد، علي عكس الصين التي صعدت بسرعة الصاروخ. ومع ذلك الهند بدأت نهضتها سنة 1991وهوب في السما، أما الصين فقد بدأت من 78 وسبقت أسرع وارتفعت أعلي، رغم أن الهند والصين، من نواح أخري كثيرة، متعارضتان؛ الهند ديمقراطية والصين تتبع نظام حكم ديكتاتوري، والهند أمة فيها مائة مِلَّة ويتحدث شعبها أكثر من ثلاثين لغة مختلفة، بينما الصين لغة واحدة وملة واحدة لكن ثمة شيئًا واحدًا فقط مشتركٌ بين البلدين الآن؛ الهند والصين أسرع الاقتصادات الكبري نموًا علي ظهر الكوكب، وفجأة أصبح كل منهما أرضا خصبة لأصحاب الأعمال والعاملين والعملاء والمنافسين، واستطاع المديرون التنفيذيون في مجالس إدارات الشركات من نيويورك إلي طوكيو ومن لندن إلي فرانكفورت التقاط حمي الهند الآن مثلما التقطوا منذ عقد مضي حمي الصين، وها هم كبار أصحاب مشروعات الأعمال يتحركون جيئة وذهابًا في سفريات مكوكية حول العالم؛ لأن الأمتين الصاعدتين تحققان نموًّا سريعًا للغاية، بحيث جعلتا اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تبدو كأنها اقتصادات راكدة، وفجأة أيضًا أصبحت إقامة مشروعات الأعمال في الهند والصين الأمل الوحيد للشركات الغربية التي قررت الإسراع لكسب عملاء جدد.. مرة أخري تخيل أن الصين بدأت كل هذه النهضة منذ عام 1978فقط حيث كانت وقتها مبددة وضائعة تقريبًا، بينما الهند بدأت صعودها المدوي منذ حوالي 17عامًا فقط.. إزاي؟