قبل أن أقول لك لماذا لم تصبح مصر مثل الهند والصين؟
لماذا لم تتحول مصر خلال عشرين عاماً أو أقل مثلما تحولت الهند والصين من دولة نامية يأكل الفقر نصف سكانها ومفلسة تقريباً إلي دولة عظمي تتصدر العالم في التصنيع والتصدير وتشكل قوة اقتصادية كبري تغير موازين الكون ويعمل لها العالم ألف حساب؟
قبل أن أقول لك لماذا؟ (علي الأقل من وجهة نظري) تعال نتأمل الرموز التي يتم استخدامها في جميع أنحاء الدنيا لوصف تلك الدولتين، أما الهند فهي الفيل، وكما نعرف فالهند دولة تعيش وتنتشر فيها الأفيال ولكن قارة أفريقيا كذلك تشتهر بالأفيال لكنها لم تستخدم في وصف أفريقيا اللهم إلا في لقب فريق كوت ديفوار في كرة القدم، ويبدو السبب أن الأفيال وسيلة نقل في أماكن كثيرة بالهند في وقت من الأوقات ولم تكن حيواناً للترفيه أو للعيش في الغابات، ثم هي استطاعت ترويض هذه الأفيال وتحويلها إلي حيوانات صديقة وأليفة ولها كذلك احترامها الواجب بين أفراد الشعب كما أن في الهند شبهاً بالفيل فعلاً فهي ضخمة العدد واسعة المساحة ثقيلة وقوية وبعيدًا عن الهزار السخيف الذي يردده المصريون عن المهراجا والفيل الأزرق والألماظة وهذا الحشد من البلاهات فإن الفيل رمز صادق للهند.
أما التنين الذي يرمزون للصين به فهو كائن أسطوري كما حضارة الصين الأسطورية القديمة كما أنه أخطبوطي التكوين كما الصين المترامية والغامضة، ثم هي دولة تمكنت من مزاحمة وممازحة الوحوش الكامنة في تاريخها، ما يشكل التنين جزءاً أصيلاً من تراثها في الحكايات والمهرجانات الشعبية!
ومن ثم يأتي السؤال منطقياً ومفاجئاً في الوقت نفسه : بماذا يمكن ان نشبه مصر؟ ما الحيوان أو الطائر الذي يمكن أن نرمز به لمصر؟
ممكن يبقي النسر؟ حيثيات هذا الاختيار هو ان النسر أهم شيء في التعامل اليومي والإداري في مصر فلا أعرف من أين استوحي الموظف المصري النسر علي علم مصر الوطني (قبل أن يصبح الصقر) وكيف تحول النسر إلي ختم وشعار الجمهورية الذي لا تتم مكاتبة ولا تصدر وثيقة إلا ممهورة ومختومة بختم النسر؟ فالحقيقة أن 99%من المصريين لم يشاهدوا نسراً في حياتهم ولا مصر معروفة بالنسور ولا تجد في ثقافتها حكاية واحدة عن نسر ولا في حواديت الجدات، فضلاً عن أن مصر بلد لا يشتهر بعلاقة كبيرة بالطيران مثلا حتي يكون النسر بطلاً أو رمزًا وأقرب الطيور إلينا هي الحمامة وسيجد المصريون عيباً كبيراً في وصف مصر بالحمامة علي اعتبار أن مصر لا يمكن أن تبيض فهي بلد ولادة وليست بلداً بياضة!
أو ربما يكون رمز مصر هو الجمل حيث إن الجمل هو رمز الحزب الوطني الحاكم في الانتخابات وهو الذي تمارس حكومتنا أكبر عملية تزوير من أجل إنجاحه وفوزه بالانتخابات، ومن هنا فهو الحيوان الأهم والمتحكم في مصيرنا وأمورنا وهو كذلك سفينة الصحراء وأنت تعرف أن مصر في هذا العصر سفينة غارقة فهي في أمس الحاجة إلي سفينة أخري، ثم إن البلد كله يعاني الأمرِّين بين الجمل والجمَّال.
إذا لم يكن النسر أو الجمل هو نظير الفيل والتنين عندنا فما البديل؟ هل هو الحمار؟ فالحمار هو أشهر حيوان في مصر وهو جزء أصيل من منظومة العمل اليومية وهو صديق الفلاح ورأسماله وهو وسيلة النقل الأشهر وله في ثقافتنا عشرات القصص والحكايات وهو كذلك مثل ومسبة وطرفة ونكتة في حياتنا، فضلاً عن أن شبهاً ما يحوم بين الحمار وواقعنا فنحن نصف العامل بهمة بأنه حمار شغل، ويصف بعضنا بعضاً بالحمير التي تعمل وهي راضية بقليل من الطعام والغذاء والتي تشقي دون أن تحصل علي مكافأتها من الدنيا وهي صبورة وغلبانة وهي طيبة وربما غبية وهي حمولة وحمالة وهي تأخذ علقة لم يأخذها حمار في مطلع، ثم إن شعار مصر كلها «اربط الحمار مطرح ما عايزه صاحبه»، ونحن شعب لا يفعل في الحياة شيئاً أكثر من ربط الحمار مطرح ما صاحبه عايزه