قد تكون المرة الألف التى نشير فيها إلى تدنٍ واضح فى أداء الإعلام المصرى فى تغطية أحداث مهمة، مثل ما يجرى فى غزة، وللأسف كل ما جاء به هذا الإعلام هو التركيز فقط على أخبار الرئاسة ومجلس الوزراء والوزارات المختلفة، فى الوقت الذى جاءت أخبار غزة باهتة فى التغطية والأداء، وأيضاً فى أسلوب وطريقة تقديم الأحداث، وهو ما يمكن وصفه بالاستخفاف بعقلية المصريين الذين انصرفوا سابقاً وينصرفون حالياً ومستقبلاً عن إعلام بلادهم الذى أصبح غائباً عن الوعى الخبرى، وكلاسيكياً أزيد من اللازم فى متابعة تلك الأحداث.
ومنذ عملت فى مهنة البحث عن المتاعب لم أسمع يوماً أن التلفزيون المصرى انفرد بخبر ما أو قام بتغطية جيدة لحدث ما خارجياً أو داخلياً، وعندما استهلت فضائيات عدة تغطية الأحداث فى غزة كانت مصر وبجدارة القاسم المشترك فى أى خبر، لكن من الناحية السلبية، وتم اتهام مصر بأنها وراء تلك الأحداث وهى وافقت لإسرائيل على القيام بما تقوم به وسهلت الأمور - بجدارة - للعدو الإسرائيلى لاستباحة الدم الفلسطينى.
الغريب أن الرد المصرى جانبه الكثير من الصواب فى الأسلوب والأداء حتى من الشخص الذى تولى الدفاع عن الموقف المصرى، فوزير الخارجية كان أداؤه سلبياً أكثر منه إيجابياً، وجميع المؤسسات فى سبات عميق، فى الوقت الذى كان إعلامنا موجهاً للداخل أكثر من الخارج، ولم نستطع أن نقنع الآخرين بموقفنا الذى هو فى الأساس شبه مخجل، يعنى ببساطة لم نكن عند مستوى الحدث بأى طريقة كانت، ولم تشفع لنا حضارة 7 آلاف عام فى تبرير هذا الخجل الإعلامى وتراجع الدور السياسى لنا فى هذا الوقت العصيب، وأصبح المصريون بين شقى رحى إعلامى (الجزيرة والعربية)، فيما التلفزيون المصرى فى حالة توهان.
من هذه النقطة، تظهر الحاجة ملحة إلى أن يكون لنا إعلامنا الذى يتبنى وجهة نظرنا خارجياً وداخلياً، وليس هذا عيباً، فبدلا من ألا يكون لنا وجهة نظر على طول الخط، فعلى الأقل يكون لنا خط يسير عليه الآخرون ليعرفوا وجهة النظر، بالتالى الموضوع يحتاج إلى أن يكون لمصر بثقلها السياسى والاقتصادى إعلام ذو نفوذ إقليمى على الأقل، إلى جانب نفوذه المحلى، أما أن يستمر الحال على ما هو عليه حالياً، فتلك مأساة متراكمة منذ نشأ التلفزيون مطلع الستينيات وحتى الآن.
لقد أصبح المشاهد المصرى ممسكاً بـ "الريموت" تارة إلى الجزيرة وأخرى إلى العربية، وثالثة إلى الـ (بى.بى.سى)، ورابعة إلى الـ (سى.إن.إن)، حتى قناة الحرة أصبح بعض المصريين يفضلونها أحياناً على إعلامهم المحلى حتى فى أدق الأخبار المحلية التى تغيب عنها الأمانة المهنية عند تغطيتها.
مطلوب من الدولة أن تولى وجهها شطر تأسيس إعلام قوى بمشاركة القطاع الخاص أو بدونه، فوجهات النظر المصرية تصل بأكثر من طريقة إلى الخارج "حسب رؤية كل مؤسسة إعلامية"، وبالتالى تفقد المعنى الحقيقى الذى من أجلها تحصد البلاد المكاسب. لكن للأسف دائماً فى الأحداث المهمة يكون غياب الإعلام المصرى بأيدينا وليس بأيدى الآخرين، لأننا لا نملك الأدوات التى نرغم بها الآخرين على قبول وجهة نظرنا، أو على الأقل ندافع عن وجهة نظرنا أمام وجهات النظر الأخرى التى تغلبت علينا.
نعرف جميعا أن هناك قنوات أحيت دولاً، ونحن مازلنا بقنواتنا فى "عداد الأموات"، رغم العدد الهائل من الفضائيات الخاصة المحلية والقنوات الحكومية. ومن هنا نسأل: متى يكون لمصر "جزيرتها" و"عربيتها"؟