إذا سألته عن النظريات الوجودية تجده "علاّمة" وإذا فتحت له باب الحديث عن العلمانية أفاض في الكلام وانتفخت "أوداجه" من شدة الانفعال فهو أحد مناصريها أو ما يطلقون علي أنفسهم "التقدميين".
هذه الثقافة واللباقة كانت وراء اعجاب "نسمة" به فهو "دودة" كتب وسليل اسرة من المثقفين الذين أدارو ظهورهم للقيم القديمة وفتحوا عقولهم وقلوبهم للحضارة الغربية المادية ولأنها ايضا تعشق الحرية والانفتاح علي العالم الذي لا يقول علي الفتاة المتبرجة "ماشية علي حل شعرها" فقد وجدت فيه فارس أحلامها الذي يفهمها وتفهمه وطالما انهما يلتقيان في الرؤي فسوف تصبح الحياة وردي.
لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما فقد كان الرجل يخفي وراء "ثقافته" أمراضا نفسية واجتماعية مخزية والحياة معه لم يكن فيها وجود لأي نوع من الألوان الفاتحة.. كانت كلها قاتمة وسوداء!!
في المرحلة الجامعية.. كانت نسمة تهتم بكل ما يبرز جمالها وانوثتها هذه الثقافة تشربتها من أمها التي تعود أصولها إلي بلاد الانجليز وكانت حقا مشروع فتاة جميلة خاصة في تلك الملابس الضيقة والقصيرة ولكن تلك الحرية لم تكن مقرونة بسوء خلق أو أخلاق كل ما هنالك انها فتاة "لاهية" لا تعرف شيئا عن أمور الدنيا الذي لم تتلق أية اشارات عنه في بيت العائلة.
بعد عدة اسابيع من التحاقها بالجامعة سافرت في رحلة ترفيهية نظمتها احدي الاسر الجامعية.. في ذلك اليوم التقت "باسم" الطالب في الفرقة الرابعة بكلية الآداب فبهرها بحيويته وجاذبيته والأهم ثقافته.. كان شابا يتشدق بشعارات الحرية ويشن هجوما عنيفا علي التخلف والرجعية التي يري انها سبب كل البلاوي التي حلت علي هذا الوطن.
الارستقراطي
كان "باسم" سليل اسرة ارستقراطية أكل عليها الدهر وشرب وفقدت كل ثروتها ولم يبق لها الا البريق والماضي الذي يجعله "لبانة" في فمه يلوكها ليل نهار.. هذا الجو ايضا كان مبهرا بالنسبة لها ففارس أحلامها شاب "جنتل" ومن أسرة لارج.. تعددت اللقاءات وتوطدت بينهما عري الصداقة والمودة.. كانت لقاءاتهما في الكافيتريا أو علي سور الجامعة يأكلان ساندويتشات ويتحدثان في الثقافة الغربية التي تشربتها هي بالوراثة واكتسبها هو من القراءة.
بعد ان تخرج في الجامعة تبدلت الأحوال واصبحت لقاءاتهما يغلب عليها جو من العاطفة التي تعودت إلي الحديث عن المستقبل والتخطيط له.
كانت نسمة شديدة الاعجاب بمظهر فتاها وشياكته في التعامل معها والأهم انه دائم الاطراء لحسنها وجمالها وملابسها المثيرة بعكس اصحاب النظرات الغاضبة من هيئتها وهندامها.. إذن معه سوف تكمل مسيرة حياتها بهدوء وعلي نفس المنوال الذي تعيش في منزل اسرتها التي تتيح لها حرية الحركة والانطلاق.
وعود براقة
كان الطريق ممهدا له عندما تقدم لخطبتها وضوحه وصراحته نالت اعجاب اسرتها فالرجل لم يطلق وعودا براقة مخادعة ولم يقل انه سوف يأخذها بحقيبة ملابسها أو يأتي لها بنجمة من السماء لتزين بها عنقها بل اعترف انه "علي الحديدة".
قالوا مش مهم كل ما نبحث عنه هو سعادة ابنتنا التي اختارك قلبها وكل شيء بعد ذلك يمكن تدبيره .. قررت أسرة نسمة أن تمد يد المساعدة لعريس ابنتها بدون ان تجرح مشاعره فقد رأت فيه شابا حساسا ذو مباديء وان كانت علمانية لكنها مناسبة.. عرضت عليه الزواج في شقة تمتلكتها الأسرة وحررت له عقد ايجار صوري وساهمت في فرش الشقة تحت مزاعم انها حاجات زائدة عن حاجته.
حاجة غلط
بعد الزفاف.. اكتشفت العروس الجميلة ان الشعارات "حاجة" والواقع العملي حاجة ثانية.. كان زوجها رقيقا أكثر من اللازم وكأنه دخل جماعة الرجال "غلط" فقد كان يستحق أن يكون أقرب في نعومته للأنثي كانت تصرفاته غريبة جدا وشاذة ومع ذلك فقد كانت هذه مجرد بداية.. أما الخطر الحقيقي فقد كان في انتظارها بعد شهر العسل وجدت الزوجة نفسها عضوة في شلة "رقيعة" تعيش حياة علي الهامش بدون أن يأخذ أحد رأيها وجاءت لحظة الاصطدام بالقيم الغربية الحقيقية تلقت دعوة هي وزوجها بالمشاركة في رحلة سفاري نظمها اصدقاء زوجها الاثرياء.. كانت تجربة جديدة ومغامرة لذيذة رحبت بها فلأول مرة ستبتعد عن جو العاصمة الصاخب وتعيش الايام مع الطبيعة في الصحراء البكر التي لم تلوثها اضواء المدنية الحديثة وضجيجها.
تجهزت لهذه الرجلة التي قال عنها زوجها انها ممتعة.. سارت سيارات الدفع الرباعي فوق الصحراء.. في المساء قرروا التخييم واقامة معسكر سمر علي أضواء النيران التي اشعلوها.
بعد أن أكلوا المشويات وشربوا المرطبات والمسكرات بدأت المغامرة الحقيقية التي لم تكن تتوقعها.
خلطبيطة
وجدت ان ثنائيات بدأت تتشكل بطريقة الخلطبيطة وجاء عليها الدور فقد اختارها أحدهم لتكون رفيقته في الخيمة تلك الليلة نظرت إلي زوجها مستفسرة ومستنجدة لكنه لم يهتم فقد كان برفقة شاب آخر اسرعت إليه غاضبة.. قالت له: ايه اللي بيحصل ده؟
رد: عادي.. دي حرية شخصية.. عيشي حياتك واستمتعي بالدنيا..
انفجرت صارخة: الحرية لا تعني الانفلات والرذيلة.. قضت ليلتها منفردة بينما الآخرون يعيثون في الأرض فسادا وفي الصباح وبعد ان أفاق من السهرة.. عاتبها لأنها افسدت جو المرح واضفت عليها لونا من الكآبة لم يكن يتوقعها منها وهي الفتاة المنطلقة المرحة ابنة الثقافة الغربية.
تأكدت انها يلتقيان نظريا فقط لكنه وصل من الانحطاط الخلقي لا يمكن أن تجاريه فيها فعملت بمبدأ الخسارة القريبة أفضل من المكسب البعيد وخلعته قبل ان تتورط معه في "عبادة الشيطان"!!
-------------------------------
الجمهوريه 9/10/2008