هل لديك تفسير واضح للاحتفاء الإعلامى الرسمى بتصريحات مستشار الرئيس الجزائرى محمد كمال بارة، لدى تواجده فى القاهرة لحضور أعمال الملتقى الأول لمنتدى الحوار العربى الأفريقى حول الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
الرجل أعرب عن «أسفه» لما حدث عقب مباراة مصر والجزائر، دون أن يدين أحداً أو يحمل المسؤولية لطرف، وعبر بدبلوماسية شديدة عن أزمة شارك فيها الجميع، والمسؤولية عنها فى رقاب الجميع، وفجأة خرجت الوكالة الرسمية وخلفها صحف قومية وقنوات محلية بعناوين عريضة مضمونها: «الجزائر تعرب عن أسفها».. سبق ذلك جنوح واضح نحو التهدئة من الجانب المصرى، ونبرة أقل حدة لدى وسائل الإعلام والتليفزيون الرسمى تتحدث عن القلة المسيئة للشعب الجزائرى الشقيق، بما فى ذلك تحذيرات من خطأ الوقوع فى التعميم، وكأن ٤٠ مليون جزائرى كانوا فى «أم درمان» ليلة ١٨ نوفمبر الماضى.
قليل من التدبر سيكشف لك أن الجهاز الإعلامى المصرى بوسائله المتعددة، فى إطار بحثه عن أى كلمة يمكن أن «يشم» فيها الرأى العام معنى الأسف أو الاعتذار، وتلاعبه بالمفردات فى سبيل ذلك، يحاول أن يكفر عن «خطيئة» كبرى ارتكبها فى حق النظام الذى يرعاه قبل أن يرتكبها فى حق الجماهير، فما حدث عقب مباراة «أم درمان» أن «عقلاً أهوج وغير مسؤول» تولى التفكير للنظام، فساق مشاعر الجماهير إلى الذروة، فباتت مقتنعة أن لها حقاً لدى الجزائر، وأن خلفها نظاماً سيجلب لها هذا الحق، لأنه ــ حسب ما تم طرحه ــ نظام يرعى كرامة المصريين فى الداخل والخارج.
الآن خفت وهج الأزمة، ولم يأت الحق الموعود، تم استدعاء السفير ولم يتحرك أحد فى الجزائر، هددنا بالويل والثبور وعظائم الأمور، قلنا سنقاطعهم رياضياً، عايرناهم وفتحنا أهوسة الردح على مصراعيها، تظاهرنا والتهبت الحناجر بالهتاف والغضب، حولنا الجزائر إلى عدو نرفض التطبيع معه «قبل السلام العادل والشامل» قلنا إننا لن نقبل اعتذار أحد حتى لو اعتذر، لكن الحقيقة أن أحداً لم يعتذر، لم نقدم دليلاً واحداً يحمل درجة اليقين والحياد على ما حدث، ولم نعرف من الأصل هذا الحق الذى نطالب به، ولم يعترف الآخر بأن هناك خطأ يستوجب الاعتذار.
لذلك كان من الطبيعى أن نتمسك بحديث بروتوكولى لرجل يحمل صفة استشارية ولا يمثل الدولة ولا أياً من مؤسساتها، وأن نلوى حديثه، وكأن الجزائر رئيساً وحكومة وشعباً، نابت وأنابت واعتذرت، وجاءت جاثية على ركبتيها،
هذا أفضل من أن يظل الرأى العام معتقداً أن لديه حقاً لدى الجزائر، وأن حكومته عجزت عن استعادته، وعجزت كذلك أن تعترف للناس بأنها لا تعرف ماهية هذا الحق وكيف تطالب به، لأن هناك من ورطها فى الأزمة ودفعها للتسخين إلى أقصى درجة، وصعد بها إلى قمة جبل الغضب، دون أن يجهز وسيلة للنزول بهدوء بلا خسائر. هذا «العقل الأهوج» الذى أطلق العفريت هو الذى تشبث بتصريحات مستشار الرئيس الجزائرى ووجه بترويجها وهو يتنفس الصعداء صارخاً بفرحة «أرشميدس»: اعتذار.. أحمدك يا رب...!