الذى أعرفه عن فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوى أنه رجل شجاع لا يهتز ولا يضعف فى أن يقول كلمة الحق.. لذلك شجعنى أن أعاتبه فى موقف رأيته فيه ضعيفاً، مع أن الضعف ليس من صفاته.. فقد كان مطلوباً منه ألا يضعف فى التصدى لقضية النقاب فيقف فوق منبر الأزهر وفى صوت عال يعلن أن النقاب مرفوض، لأن فضيلته هو مرجعنا وإمامنا وعالم فاضل فى موقعه عليه أن يحسم الجدل فى هذه القضية ويتبنى رفض المجتمع لها.. لكن للأسف تركنا نتخبط بين هذا وذاك حتى تعددت الآراء حول ظاهرة صبغوها بالصبغة الدينية واعتبروها واجبة للزى الإسلامى للمرأة المسلمة..
الموقف الذى لم يعجبنى فى فضيلته أن يفصل بين المجتمع.. وبين الجامعات والمعاهد الأزهرية والمدن الجامعية التى تدخل فى حوزة الأزهر وكأنه يعيش فى مجتمع آخر ومسؤوليته تنحصر فقط فى مؤسسات الأزهر الشريف.. منذ أيام خرج علينا يطالب بمنع النقاب فى هذه الأماكن على اعتبار أنه لا فريضة.. ولا سنة..
وقد كان من باب أولى أن يطالب بمنعه من المجتمع كله.. فمثلاً يطالب بمنع المنتقبة من قيادة السيارة أو الاشتغال فى التمريض.. أو العمل فى المصالح والمؤسسات الحكومية.. أو الخروج إلى الأماكن العامة مادام النقاب ظاهرة غير مستحبة لا فى الرؤية ولا فى الشكل، ثم إنه ليس فريضة أو سنة ولا نستطيع أن نساوى بينه وبين الحجاب.
الذى أدهشنى أن يعلن مجلس الشورى عن تشكيل لجنة مشتركة من لجان التعليم والبحث العلمى والشؤون الدينية والشباب والثقافة والإعلام والسياحة لاستعراض قرار المجلس الأعلى للأزهر الذى يقضى بمنع ارتداء النقاب فى الفصول الدراسية للبنات وفى المدن الجامعية الخاصة وفى قاعات الامتحانات، وستقوم اللجنة المشتركة بعرض تقريرها على مجلس الشورى فى جلسته القادمة.. وكان فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى قد أرسل كتاباً بطلب العرض على مجلس الشورى..
ولا أعرف هل فى نيته أن يتراجع عن فتواه إذا وجد أصواتاً تعارضه داخل الشورى.. أم سيكون صلباً عنيداً فى عدم تراجعه عن موقفه؟!.. وإذا كان كذلك.. فلماذا لجأ إلى الشورى وهو يعلم أن فتاويه لا تحتاج إلى تحصينها بقرار من الشورى.. بعض الفقهاء لمحوا بأن الإرهاب النفسى والحملة الظالمة التى تعرض لها فضيلة شيخ الأزهر كانت سبباً فى لجوئه إلى الشورى..
فأنا شخصياً انزعجت من الأقلام التى هاجمت فضيلته لمجرد أنه نهر طفلة ترتدى النقاب.. ما كنت أتوقع أن تتبنى هذه الأقلام لسان حال جماعة الإخوان، التى يميل غالبية الأعضاء إليها التعصب مع خلط الدين بالسياسة.. للأسف صبوا هجومهم الظالم على عالم له مكانته ووقاره.. من حقه على ابنته أو حفيدته أن ينهرها لينير لها الطريق وهو يصحح مفاهيمها التى تربت عليها فى بيت المفترض أن تكون البداية الصحيحة منه.
لقد أعجبنى وزير التعليم العالى الذى استخدم عضلاته دون الرجوع إلى الشورى وقرر منع النقاب داخل المحاضرات وداخل المدن الجامعية.. أما وزير التربية والتعليم فقد التزم الصمت ولا نعرف هل لأنه غارق فى أنفلونزا الخنازير، أم لأن قضية النقاب أصبحت أكبر من حجمه بعد أن سيطر الحجاب على الزهور الصغيرة فى فصول المرحلة الابتدائية.. وأصبح من الطبيعى أن يستسلم لظاهرة النقاب وترك لأولى الأمر القرار.
الشارع المصرى يعرف أن الحكومة ضعيفة، وتتحاشى عملية المد والجزر فى قضايا الرأى العام فلم يعد يهمها إن كانت المرأة تخرج إلى الشارع بمايوه.. أو ترتدى النقاب.. على اعتبار أنه حق من حقوق الإنسان، فى حين أن منظمات حقوق الإنسان لا تقر هذا ولا ذاك، وهى لن تعترض على أى إجراء يدخل فى المظهر العام الذى يحافظ على وقار المواطن واحترامه.. والوقار ليس بالنقاب الذى يصيب الآخرين بالتلوث البصرى أو الإرهاب العصبى..
فلك أن تتخيل طبيبة أو ممرضة منتقبة توقظك من نومك من أجل قرص دواء أو حقنة فى العضل وهى موشحة بالسواد.. ثم ما هو الفارق بين إحداهما وبين متخف تحت النقاب جاء لتصفيتك وأنت على سرير الفراش.. فقد ثبت أن معظم الجرائم الذكية هي التى يستخدم فيها النقاب.. ثم ما هو موقف المنتقبة التى تقود السيارة وفى لمح البصر تختفى عندما ترتكب حادث قتل برىء على الطريق.
والكلام عن النقاب أو الجرائم اللاأخلاقية والجنائية التى ترتكب تحت ستار النقاب يجعلنا نلفظه، ونطارد كل من يدعو إليه.. فقد ظهرت داعيات له داخل عربات »الستات« فى قطارات المترو وداخل الميكروباصات.. فى محاولة نشره.. ومع ذلك لم نسمع أن أجهزة الأمن تدخلت لمنع هذه الحوارات أو تصدت للداعيات.. فى حين أن قيامهن بالدعوة إلى النقاب هو عمل يتعارض مع أمن البلد كما لو كنت توزع منشورات سرية.
لقد أعجبتنى الأخت شمس البارودى.. فقد اعتزلت الفن فى هدوء، وعلى حد تفكيرها- عندما ارتدت النقاب- أنها ستكون أكثر قرباً إلى الله عن غيرها.. وبعد ١٥ عاماً خلعته وكشفت عن وجهها مكتفية بحجابها الذى أكسبها وقاراً بين المسلمات..
فقد أخذت برأى إمامها المرحوم الشيخ محمد متولى الشعراوى عندما أفهمها أن النقاب لا فرض ولا سنة. ومن يقترب من الأخت شمس البارودى الآن يعرف أنها عنوان للهداية، ورمز للدعوة الصحيحة.. فالإسلام يدعو إلى الحجاب ولا يدعو إلى النقاب.
هذا الكلام يعرفه شيخنا وعالمنا الجليل شيخ الجامع الأزهر الذى نكن له كل محبة واحترام، فكلامه هداية.. وفتواه حجة.. لذلك نطالبه بأن يتبنى قضية مجتمع وليس قضية جامعة أو مدرسة أزهرية.. ولا إيه يا مولانا؟