مفتي الجمهورية: كثرة الاستفتاء شهوة .. وليس كل إمام مسجد مفتيا دكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية - رويترز
7/7/2009
- أعلن الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أن واقع الفتوي الآن مليء بالخطأ والخطر، وأن كثرة الاستفتاء والسؤال إنما تدل على شهوة لدى المستفتي وليس تقواه، وأن الحال التي تمر بها الفتوى الآن حال مزرية تستدعي علاجها بتغيير ثقافة الناس حولها.
وأرجع خلال لقاء مع برنامج "مدارك" على قناة "أنا" الفضائية حال الفتوى المزرية الي سؤال غير المتخصصين، وانتشار وسائل الإعلام من فضائيات وإنترنت وافتقادها لعامل التوثيق الذي هو من أهم العوامل التي من المفترض أن يقوم عليها الإعلام وخاصة في هذه الأمور الحساسة والمؤثرة.
وقال ان هذا ما جعل الفتاوى مثلها مثل الإشاعات تتناقل وتنتشر دون علم مصدرها الحقيقي، يخرج بها المتصدرون مختلفو المشارب والاتجاهات، يتهم بعضهم بعضا ويسفه بعضهم رأي بعض.
وأشار جمعة إلى أن للفتوى ثلاثة أركان: السائل والمسئول والسؤال، وأنه إذا اختل أي ركن من الثلاثة فقد اختل المعنى، ولا نستطيع أن نطلق عليها اسم "فتوى".
ليس كل امام مسجد مفتيا
وشدد مفتي الديار المصرية على أن المسلم إذا أراد أن يسأل عن أمور دينه، فإنه يجب عليه التحري لذلك، وعدم سؤال أي شخص، فليس كل إمام مسجد يصلح أن يكون عالما أو مفتيًا، ومؤهلات الفتوى ليست مجرد زي معين يلبسه المرء، ولا حتى مجرد حفظ القرآن، فالفتوى غير الدعوة التي قد يستطيعها الكثيرون.
ووصف بعض الفتاوى بالمضحكة ومنها فتوى حرمت ركوب السيارات التي تسير بالكحول على اعتبار أن الكحول خمر محرم، وفتوى بوجوب تغطية عورات الحيوانات لأنها فتنة!!.
الاسلام علمنا كيف نسأل
وبيَّن المفتي أن الإسلام علمنا كيف نسأل، وألمح إلى تسمية سورة البقرة بهذا الاسم وذلك لما في قصة البقرة وسلوك بني إسرائيل فيها من عبر وعظات في آداب السؤال، وكيف أن بني إسرائيل لما أكثروا من الأسئلة وفتشوا وراجعوا شدد الله عليهم، وقد جعلت هذه السورة في بداية المصحف إشارة إلى أن هذا هو المدخل الحقيقي لتعاملنا مع الدين.
كما أشار إلى تأييد السنة لهذا المبدأ، ذاكرًا قوله – صلى الله عليه وسلم - : "اتركوني ما تركتكم، إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم لأنبيائهم" وأن الصحابة رضوان الله عليهم فقهوا ذلك، فلم يسألوا النبي – صلى الله عليه وسلم - سوى ثلاثة عشر سؤالاً، مذكورة في القرآن مسبوقة بقوله عز وجل (يسألونك).
وأوضح أن الفلسفة هنا تتلخص في أن قلة السؤال تعفي المؤمن من الكثير من التفاصيل التي لو علمها فسوف يحاسب عليها، فكثرة الأسئلة ليست معبرة عن تقوى كما يعتقد البعض، ولكنها مجرد شهوة إنسانية للمعرفة غير الضرورية.
وكذلك بيَّن أن المفتي أيضًا يجب عليه ألا يتعجل في الفتوى، وألا يتحرج من قول: "لا أدري"، وإلا أوتي في مقتله، مشيرًا إلى أن بعض دعاة الفضائيات يتسرعون في إفتاء الناس في مسائل لو عُرضت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – لجمع لها أهل بدر ليستشيرهم فيها!!.
واوضح أن هناك فروقًا بين كل من البحث العلمي والمقال والموقف الشخصي والفتوى، وأنه لا ينبغي أن نعتبر البحث أو المقال فتوى يجب اتباعها، ونتعامل معها على ذلك النحو.
فتاوي التعذيب
وفي سؤال حول تمترس البعض خلف المفتي والاحتماء به في قضايا معينة، واعتباره الملاذ الوحيد لهم من أصحاب السلطة، أوضح مفتي الديار المصرية أن المفتي لا حرج عليه أن يفتي الناس في مثل هذه الأمور، ولكن بشكل عام، فلا يقف موقف القاضي ويحكم على أناس بأعينهم؛ لأن هذا يتطلب تحقيقًا وتحققًا من صحة الدعاوى، وهذه مهمة القاضي لا المفتي.
وكان معتقلون مصريون قد طلبوا رأي المفتي في مشروعية قيام الحكومة باعتقالهم لفترات طويلة وقيام بعض جهات التحقيق بممارسة التعذيب.
وقال جمعة في هذا الصدد إنه عندما يتلقى سؤالا حول التعذيب مثلا يعطي فتوى عامة أن التعذيب محرم، ولكن عندما يسأله أحد الناس سؤالا حول ماذا تقول في واقعة قيام فلان الفلاني بتعذيب شخص ما، فأنه يرى انه عند هذه المرحلة يأتي دور القاضي الذي يحقق في الواقعة ويصدر حكمه.
وأضاف أن الفتوى تشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالعدل، والنصيحة، وأيضًا تضميد الجراح، ونصرة المظلوم.
وقلل الدكتور علي جمعة في نهاية حديثه من إمكانية نجاح تقنين الفتوى وقصرها على مؤسسات بعينها، خاصة في عهد السموات المفتوحة، وضعف السيطرة على وسائل الإعلام، وعدم إمكانية التحكم فيها بقوانين أو غيرها.