حمدى رزق يكتب.. المحلة العظمى! رزق يواصل كتاباته فى معالجة القضايا الحديثة
إن كان الحديث عن النهوض يشغلنا، وإن كانت أولى شروط النهضة التى تعلمناها من التاريخ، هى توافر الأدوات الأساسية لهذه النهضة والأراضى التى تصلح للاخضرار، والأيدى التى تصلح للعمل الجاد الدءوب، فالعجيب أن تتوافر هذه الأدوات وتلك الأرض الخصبة للنهوض ولا يتم، وتتوقف قاطرته فى ظروف غير مبررة ولا مفهومة! انظروا إلى هذه البقعة من أرض مصر لتعذرونى فيما أقول! عن المحلة الكبرى أتحدث.. وياله من حديث عجيب!
فهنا أكثر من مليونى مصرى لمن يبحث عن الأيدى العاملة.. وهنا عاصمة صناعة الغزل والنسيج فى مصر لمن يقول إن النهوض بالصناعة فى أى مدينة يقتضى أن تكون لديها قاعدة صناعية محدودة مستقرة.
هنا واحدة من أكبر مدن الدلتا بل مدن مصر على وجه العموم.. عشرات من المساجد الأثرية والكنائس والمعابد اليهودية أيضا، إن كان من شروط النهضة أن يكون ثمة تحضر، وحول المحلة آلاف مؤلفة من أخصب الأراضى الزراعية التى تفخر بها الدلتا قاطبة، لمن يقول إن النهضة الزراعية تتطلب أرضا خصبة.
من المحلة الكبرى أيضا خرج للحياة المصرية المعاصرة عدد من نجوم الفكر والأدب والفن والعلم.. من هنا جاء الراحل د.سمير سرحان والناقد الكبير د.جابر عصفور ود.نصر أبو زيد، ومن المحلة جاء أهم رجال الدين فى مصر فى القرنين الماضيين، ومن الفنانين صلاح ذو الفقار والسيد راضى وزهرة العلا وأحمد مرعى وصفية العمرى وصولا إلى جيل مطرب الشباب محمد حماقى، ناهيك بالرياضيين والعلماء والبرلمانيين.
كل هذا فى المحلة.. تلك المدينة التى لا يزال البعض فى القاهرة يتصورها "أريافا".. ويعتبر أن القاهرة أفضل لكونها العاصمة.. المحلة فى قلب الدلتا قاهرة جديدة ولكنها معطلة عن البريق الذى تستحقه.. صحيح أننى من أبناء المنوفية المخلصين لكن الدعوة للنهوض بالمحلة لا يتعارض مع انتمائى الأصلى لمنوف والمنوفية.
فى المحلة الكبرى، يمكن أن تقوم مشروعات صناعية هائلة، البطالة التى بدأت تهدد الشباب المحلاوى – والمعروف بعدائه القديم المتجدد للقعود عن العمل – يمكن أن يزول خطرها إذا أخذت المحلة فرصتها كمدينة صناعية هى الأكبر فى شمال مصر.. لا تقل عن فرانكفورت أو هامبورج فى ألمانيا من حيث قدراتها الطبيعية ولا مواردها البشرية عددا وخبرة..
وفى المحلة الكبرى والأراضى المحيطة بها، يمكن أن تتوسع الزراعة وتتحول إلى قلعة للصناعات الغذائية التى تغمر الداخل ويصدر فائضها – من أجود الصناعات الغذائية – للخارج.
إننا بصدد مكان ناهض بطبيعته ينتظر اليد التى تمتد إليه بالعون، لكى يتحول إلى واحدة من أكبر مدن الشرق الأوسط فى مردوده الاقتصادى وبعده الاجتماعى.. المحلة الكبرى بلا مبالغة مشروع قومى "مكتوم" إن جاز التعبير، فالنهضة شروطها قائمة بلا استثناء لكن القاطرة لا تجد العربة التى تجرها.
بالعكس.. نجد أصواتا تسربت لداخل المحلة تدعو للفوضى وتعطيل العمل والرزق والتلاعب بمصالح الشعب، أصواتا دعت للإضراب.. أو بتعبير أدق لضرب الوطن مثلما صور لها خيالها المريض، وبكل أسف فإن هذه الأصوات قد تجد مكانا لها فى مدينة الإنتاج الأولى فى مصر.. المحلة الكبرى، لأن الإحباط بدأ يتسرب للنفوس هناك، أيضا القبح والعشوائية التى باتت تحاصر المحلة الكبرى اليوم، تشيع مناخا من الغضب وضيق الصدور.
إن أجيالا كاملة من المتعلمين – والمحلة ضربت أرقاما قياسية فى أوائل الشهادات فى سنين كثيرة – ستخرج للحياة العملية فى غضون سنوات قليلة، وهذه الأجيال لا يجب أن نتركها عرضة للفشل والإحباط.. والمدينة الجميلة المحتشدة بالآثار والفيلات العريقة والجمال الذى بات يعلوه تراب الزمن، لا يجب أن نتركها نهشا للقبح والعشوائية، ومدينة العقول الكبيرة الراجحة لا يجب أن تتحول لمدينة للتطرف والهدم والفوضى ودعاوى الظلام.
أنا أقترح أن تتبنى السيدة "سوزان مبارك " مشروعا متكاملا للنهوض بالبشر والمكان فى المحلة الكبرى، لأن هذا هو الضمان المؤكد لتذليل الصعاب أمام هذه الفكرة، لاسيما أن السيدة سوزان مبارك قدمت الكثير للنهوض بمصر فى مواقع متعددة، ولديها من القدرة والصبر والرؤية والخبرة الطويلة فى العمل الأهلى المنظم، ما يكفل لهذه الفكرة – الحلم أن تتحول لواقع ملموس يفخر به كل مصرى.
ساعتها.. ستكون المحلة الكبرى.. المحلة العظمى، وسينتقل هذا النموذج الناهض فى الفكر والعمل والبشر والمكان لمدن مصرية أخرى، فهذه هى التجارب التى نتمنى أن تشيع فى مصرنا، لا تجارب الهدم والفوضى والتراجع.