القاهرة- جاءت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة بعد يومين من زيارة قامت بها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى القاهرة توعدت خلالها بشن عملية عسكرية على قطاع غزة؛ ما أثار انتقادات حادة لمصر في العالم العربي تتهمها بالموافقة على العدوان الإسرائيلي.
يأتي ذلك فيما أدان الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، العدوان الإسرائيلي الذي بدأ ظهر اليوم على قطاع غزة، وأصدر أوامره بفتح معبر رفح الحدودي مع القطاع وإرسال عشرات سيارات الإسعاف باتجاه المعبر وفتح المستشفيات لاستقبال الجرحى الفلسطينيين.
وفي بيان وزعته رئاسة الجمهورية بعد ساعات قليلة من العدوان، قال مبارك: "إن إسرائيل تتحمل المسئولية عن سقوط مئات الشهداء والجرحى".
ومن جهته، دافع مصطفى الفقي النائب في البرلمان عن الحزب الوطني الحاكم في مصر والمستشار السابق للرئيس حسني مبارك عن الموقف المصري، قائلا إن مصر "رئيسا وحكومة وشعبا" تدين العملية الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، واصفا العدوان الإسرائيلي بـأنه مجزرة غير مسبوقة.
وكانت ليفني قد لمحت، إثر لقائها الخميس الماضي في القاهرة مع الرئيس حسني مبارك وعدد من المسئولين المصريين، إلى شن عملية عسكرية ضد قطاع غزة ، قائلة "هذا يكفي.. سنغير هذا الوضع"، مضيفة "يؤسفني القول إنه لا يوجد سوى عنوان واحد للوضع في غزة، مفاده أن هذه هي حماس، وهي التي تسيطر على القطاع، وهي من قرر استهداف إسرائيل، ومن ثم فإن هذا أمر يجب أن يتوقف فورا وهذا ما سنفعله".
ولم يصدر أي رد من قبل وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع ليفني، على هذا التصريح ما أثار انتقادات حادة للجانب المصري، من حركة حماس ومن جهات شعبية عربية اتهمتها بـ"التواطؤ" مع إسرائيل و"الموافقة" على عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة، خاصة أن ليفني قد أشارت إلى ذلك بالقول "نحن نتفهم حاجات مصر، وما نفعله هو تعبير عن حاجات المنطقة".
وفي افتتاحيتها تحت عنوان "إسرائيل تستجيب لمصر" قالت صحيفة "الأخبار" الحكومية المصرية اليوم: إن "الجهود المكثفة التي بذلتها مصر مع إسرائيل، وتوجت بمحادثات بين الرئيس حسني مبارك ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في القاهرة أسفرت عن استجابة إسرائيلية لمصر تمثلت في إعادة فتح ثلاثة معابر إلى قطاع غزة، هي: كيرم شالوم (كرم أبو سالـم) وكارني (الـمنطار) وناحل عوز (الشجاعية) لإدخال مساعدات إنسانية ووقود للفلسطينيين المحاصرين في القطاع".
وأضافت الصحيفة أن الرئيس مبارك حث إسرائيل خلال المباحثات على التعاون مع الجهود الرامية لتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، كما طالب بوقف الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة على البلدات الإسرائيلية.
وحتى مساء اليوم أسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة عن استشهاد 225 فلسطينيا وإصابة أكثر من 700 آخرين بجروح.
"حرج"
وأشار الكاتب "داوود الشريان"، في مقال له بصحيفة الحياة اليوم السبت، إلى ما وصفه بالحرج الذي أصاب الموقف المصري من تصريحات ليفني، قائلا "ليت الحكومة المصرية أجلت أو رفضت استقبال وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الخميس الماضي".
ويعلل ذلك بأن الزيارة "تبدو في الظاهر محاولة إسرائيلية لحماية التهدئة والرغبة في تأمينها، لكن الواقع أن الدولة العبرية استخدمت القاهرة كجزء من الغطاء الدولي الذي سعت إلى ضمانه قبل اجتياحها الوشيك لقطاع غزة".
ويضيف الشريان أن "الوزيرة الإسرائيلية لمحت إلى أن الحرب على غزة رغبة مصرية مثلما هي حاجة إسرائيلية، حين قالت: "نحن نتفهم حاجات مصر، وما نفعله هو تعبير عن حاجات المنطقة".
ورغم أن القاهرة، كما يقول الشريان، تسعى فعليا إلى تثبيت التهدئة ورأب الصدع الفلسطيني، وأن "جهودها هي التي منعت، حتى الآن (المقال كتب قبل بدء إسرائيل الهجوم على غزة) قيام إسرائيل بعملية عسكرية في قطاع غزة، فإن استقبال القاهرة لليفني في هذه الظروف، والسكوت عن تصريحاتها المؤذية لحقيقة الدور المصري ودوافعه الوطنية، عكسا حالا من الارتباك، وكشفا حجم الغضب المصري من حركة حماس".
وسبق أن تعرضت مصر الرسمية لموقف "محرج" مماثل حينما نفذ الطيران الإسرائيلي ضربة جوية لمفاعل أوزراك النووي العراقي عام 1981، بعد يومين فقط من زيارة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن إلى مصر؛ ما سبب حرجا بالغا للرئيس السادات آنذاك.
إدانة رسمية
من جانبه أدان الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري (الغرفة الأولى بالبرلمان) العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرا إلى أن مصر "رئيسا وحكومة وشعبا" تدين العملية الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، ووصفها بـ"المجزرة غير المسبوقة" و"الجريمة".
واعترف بفشل الجهود المصرية في وقف التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين.. وردا على سؤال لقناة "الجزيرة" حول أسباب عدم نجاح القاهرة في إقناع إسرائيل بعدم ارتكاب هذه المجزرة، قال الفقي إن مصر أجرت اتصالات بالطرفين، وسعت إلى تمديد التهدئة، "إلا أنها فشلت في ذلك".
وقال إن مصر حاولت ممارسة ضغوط على إسرائيل من خلال الاتصال بواشنطن والمنظمات الدولية، إلا أن هذا لم يحل دون وقوع هذه "المجزرة غير المسبوقة".
وانتقد د. الفقي إسرائيل بشدة، ووصفها بأنها "بلد عدواني له أطماع توسعية"، وقال إن إسرائيل تحاول تصفية القضية الفلسطينية "عبر تصدير غزة إلى مصر، والضفة (الغربية) إلى الأردن".
وردا على الاتهامات الموجهة لمصر بالمشاركة في حصار غزة، بإغلاق معبر رفح، قال إن مشكلة المعابر بدأت بعد (ما وصفه بـ)"الانقسام" الذي وقع بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وأضاف أن لكل بلد الحق في ممارسة الإجراءات التي يراها ضرورية لضبط الحدود.
على الصعيد نفسه، أعلنت مصادر مصرية مسئولة بعد قليل من بدء العدوان الإسرائيلي أن مصر قد فتحت معبر رفح لاستقبال الجرحى الفلسطينيين جراء الغارات الإسرائيلية، وأخلت مستشفيات شبه جزيرة سيناء تمهيدا لنقل الجرحى إليها، في خطوة ينظر إليها من قبل مراقبين على أنها وسيلة لرفع الحرج عن مصر.