موضوع: الانهيار القادم فوق رؤوس الغلابة (جبل العرب) الخميس 13 نوفمبر - 23:13
البيوت مكدسة بالسكان.. والجدران متصدعة ومعرضة للانهيار.. والصخور تهدد الناس في كل لحظة
تحتل منشأة ناصر، بعد كارثة الدويقة، مركز الصدارة بين المناطق العشوائية في مصر، ولكن هذا إجمال يتبعه تفصيل، والتفاصيل دائما أكثر إيلاما.. والتفاصيل هذه المرة منطقة جبلية تدعي "جبل العرب". جبل العرب منطقة عشوائية كانت إلي وقت قريب تابعة لمجلس محلي مدينة نصر - غرب، الذي ظل محلولا طوال السنوات الماضية، فجبل العرب هو الجزء الخلفي للجبل الأخضر أو المقاولين العرب، يعيش عليه آلاف السكان منذ أكثر من 20 عاما ولم يلتفت إليه أحد، بنوا مساكنهم عليه واستوطنوه، معظمها بيوت بسيطة لفقراء دفعتهم الحاجة إلي النزوح إلي القاهرة بحثا عن فرصة جديدة للحياة. تقول الحاجة فاطمة إنها وزوجها جاءا من المنيا منذ أكثر من 20 سنة ولم يجدايا مكانا لهما في القاهرة سوي هذا الجبل فقررا السكن عليه واشتريا غرفة صغيرة من أحد الأشخاص الذي يضمن ملكيتهما لها، وبمرور الوقت اتسعت الغرفة لتصبح بيتا مكونا من 4 غرف وحمام ومطبخ تعيش فيه مع أولادها الستة المتزوجين وأحفادها، ومنذ ذلك الوقت لم تعرض عليهم الحكومة ترك الجبل والذهاب إلي أي منطقة أخري لذا رضوا بما هم عليه علي الرغم من صعوبة المعيشة. هذه البيوت التي بنوها من الأسمنت دون أساس ثابت، تتكون من غرفتين وأحيانا 4 غرف، يعيش في كل بيت منها ما لا يقل عن 3 أسر تتكون كل أسرة من 7 أفراد بحد أقصي. الجبل كما وجدناه مقسم إلي 3 طوابق، الأول والثاني يملؤهما بيوت مبنية فوق بعضها، مائلة بشكل ملحوظ علي حافة الجبل وهو ما ينذر بانهيارات جديدة لكنها هذه المرة ستكون كارثية. شهدت المنطقة منذ عدة شهور انهيار احد منازل جبل العرب، فقد سقط المنزل ليس فوق رءوس أصحابه فحسب، وإنما فوق رؤوس سكان البيوت الموجودة أسفله، فالجبل مائل وإذا ما سقطت صخرة من قمته فسوف تأخذ كل ما بطريقها حتي تستقر في أسفل الجبل، وهو الشارع العام لمنشية ناصر. ويبدو أنها ليست الحادثة الأولي من نوعها ولن تكون الأخيرة. تلك البيوت كما يقول أصحابها قانونية ومسجلة في الشهر العقاري، يدفعون العوائد التي قد تصل إلي 130 جنيها في السنة وبها كهرباء وصرف صحي ومياه وهواتف وكل الخدمات والمرافق. دخلنا بيوتهم ورأينا أين يعيشون، جدران المنازل جميعها بها صدوع وشروخ خطيرة، فقد تري أشعة الشمس والنور من خلالها. منزل أم سلامة المكون من طابقين، كل طابق عبارة عن غرفتين وحمام ومطبخ تعيش فيه 6 أسر أي ما يزيد علي 25 فردًا من بينهم 15 طفلا، يميل البيت للأمام بشكل واضح، وجدرانه متصدعة خاصة الدور الأرضي والحمام والمطبخ بالإضافة إلي سقف البيت الذي تملؤه شروخ عديدة، لدرجة أن كل أهل المنطقة تحدثوا عن هذا البيت الذي يتوقعون انهياره في أي لحظة ليأخذ في طريقه ما تحته من بيوت. تقول هبة حفني إنها ووالدتها صار لهما سنة كاملة قدما فيها العديد من الشكاوي للحي والمحافظة وأنهما حاولا الوصول إلي وسائل الإعلام التي جاءت لتصوير ما حدث في الدويقة لكن الحي وعساكر الأمن المركزي منعوهما من ذلك. مفرح عبدالباسط أحد سكان الجبل تشبث بنا آملا أن ننقل كلامه ومعاناته إلي المسئولين ليجدوا له حلا في منزله الصغير الذي شارف علي الانهيار بعدما رأينا عددا كبيرا من الشروخ فيه، وقال مفرح إنه توجه كثيرا للحي ولم يلتفت إليه أحد، وأضافت زوجته :" من كتر الشروخ اللي في البيت لما بنيجي ندخل الحمام لازم الجيران اللي جمبنا يقفلوا النور، لأنهم ممكن يشوفونا من الشرخ". أسماء، ربة منزل، قالت لنا إن حي منشأة ناصر قام بتوفير شقق في مساكن سوزان لثلاث أسر جاءوا للجبل منذ وقت قريب جدا، ومازالت بيوتهم التي بنوها بالطوب الأحمر موجودة وقد استغل الحي ذلك ليثبت انتقال الأهالي إلي المساكن الجديدة لكن الحقيقة هي انتقال 3 أسر فقط لا غير. وقالت: "الناس دي مسنودة جاءوا من كام شهر تقريبا ودفعوا للحي علشان ياخدوا شقق في مساكن سوزان". وعندما حصل هؤلاء علي الشقق البديلة قام الحي بهدم منازلهم علي الجبل فسقطت أجزاء منها علي البيت الذي يقع أسفلها، فانهار سقفه وجزء من جدرانه. وتقول عزة صاحبة ذلك المنزل إنهم عندما ذهبوا لتقديم شكوي ضد ما قام به الحي قوبلوا بالشتائم والسباب وطردهم الحي، وأنهم لم يجدوا حلا سوي وضع سقف خشبي للبيت الذي تصدعت جدرانه وأصبح مهددا بالانهيار علي رؤوسهم وعلي ما يقع تحته من بيوت. وأضافت قائلة :"هي مساكن سوزان دي لناس وناس ولا الغلابة ملهمش حظ في البلد دي". وبعد خروجنا من أحد المنازل داهمتنا رائحة كريهة للغاية تنتشر بطول الجبل فسألنا لنعرف أنها رائحة صهر الألومنيوم في المسابك التي توجد في الأعلي، عدد من مسابك الألومنيوم والنحاس ومصانع إعادة تصنيع المواد الصلبة وهي جميعا غير قانونية، كما يؤكد الأهالي تعمل في هدوء تام دون أي اعتراض، تبدأ عملها بعد الساعة الثالثة عصرا حتي ساعات الصباح الأولي، حيث تملأ الجو بأدخنة سوداء كريهة الرائحة. معظم شباب جبل العرب يعمل في تلك المسابك مقابل ما لا يزيد علي 100 جنيه في الأسبوع، ليس لديهم تأمين صحي ولا تضمن لهم هذه المصانع أيا من الحقوق الطبيعية للعامل، وإذا أصيب أحدهم بأي مرض ناجم عن العمل داخلها يجعله يقصر في مهام عمله فمصيره الطرد والتنكيل، أما إذا حاول سكان الجبل تقديم شكوي ضد ما ينبعث من تلك المصانع، سواء الأدخنة المميتة والمسرطنة أو النفايات الصلبة والسائلة التي تلقي بها علي حافة الجبل وأحيانا علي أسقف بيوته فلن يجدي ذلك نفعا. تقول زينب، إحدي سكان الجبل، أن تلك الأدخنة التي تنبعث من مسابك الألومنيوم في أعلي الجبل تدفعهم كثيرا إلي ترك المنزل والخروج منه بسبب رائحتها الكريهة وعندما تبدأ في حرق نفاياتها فإنهم غالبا لا يرون بعضهم البعض بسبب الدخان. أما شيماء، فقالت لنا إن ابنها البالغ من العمر 5 سنوات تم حجزه في مستشفي الصدر بالعباسية مدة 23 يومًا بسبب التهاب رئوي حاد وحساسية شديدة علي الصدر، وهذا ما تكرر كثيرا مع أطفال آخرين فتقول أم محمد إن ابنها وابنتها تم حجزهما 20 يومًا في المستشفي وتسبب ذلك في إصابتهما بالربو الشعبي والحساسية. وقال عدد كبير من الأمهات إنهن اشتكين تلك المصانع للحي والمحافظة دون جدوي، فقد اكتفت المحافظة بإرسال دورية شرطة وقفت مكتوفة الأيدي ولم تفعل شيئا، لأن أصحاب تلك المصانع من الناس "الواصلة والمسنودة بالفلوس" علي حد قولهم، ولا يستطيع الحي ولا المحافظة إغلاقها أو نقلها لأي مكان آخر، وأكد الأهالي أن مصلحة هؤلاء هي تركهم يعيشون علي الجبل، هم من جهة يسدون النظر عن المصانع ومن جهة أخري يمنعون صعود الغرباء إليها. طه الطالب بالصف الخامس الابتدائي قال ببراءة شديدة نفسي أسكن هناك وهو يشير إلي مساكن سوزان الجديدة: "المكان هناك نضيف ومفيهوش مصانع"، التف حولنا أطفال آخرون وعيونهم تطالبنا بتحقيق حلمهم البسيط بالسكن في بيوت نظيفة دون أدخنة ولا زبالة ولا معاناة الوصول إلي بيوتهم فوق الجبل. يقع جبل العرب خلف الجبل الأخضر أو "المقاولون العرب" ولا يتبع حي منشأة ناصر علي الرغم من قربه الشديد من مبني الحي بل يتبع حي مدينة نصر غرب وهو ما لا يعلمه أهالي الجبل الذين لم ييأسوا من التردد يوميا علي حي منشأة ناصر الذي قدموا إليه مئات الشكاوي للحصول علي شقق بديلة خاصة بعد انهيار أحد بيوت الجبل مما أسفر عن تهدم البيوت الواقعة أسفله فوق رءوس أصحابها، وقد أكد عدد كبير من السكان أن رئيس حي منشأة ناصر قال لهم "لما البيوت تقع فوق نفوخكم نبقي نطلعكم جثث"! ذهبنا مرارا وتكرارًا إلي حي منشأة ناصر ولم نجد من يجيب عن أسئلتنا أو حتي شكاوي المتضررين من سكان المنطقة بالكامل، فرئيس الحي لا يجلس علي مكتبه إلا نادرا،هكذا يقولون لنا في الحي، رغم وقوف الأهالي أمامه يوميا منذ الصباح وحتي انتهاء أوقات العمل الرسمية حاملين كل ما يثبت أحقيتهم في الحصول علي الشقق البديلة مطالبين المسئولين في المحافظة والحي بسرعة إنجاز إجراءات تسليمهم الشقق قبل أن تقع كارثة جديدة تودي بحياتهم وحياة أطفالهم إلا أنهم دائما ما يغادرون الحي دون فائدة، فرئيسه غير موجود ولا يرد علي هاتفه الخاص تاركا أهالي منطقته غارقين في همومهم. وفي حي مدينة نصر غرب الذي توجهنا إليه لمعرفة موقفه من الجبل والأوضاع القانونية لسكانه وحقوقهم علي الحي، كان رئيس الحي اللواء محمد حسن عبد اللطيف مشغولا في مجموعة من الاجتماعات المتتالية..أو غير موجود علي مكتبه أو يقولون إنه في المحافظة أو "عنده مرور" وهو الرد الذي كان يصلنا دائما من سكرتيرة المكتب لكن الرد الذي لم نكن ننتظره من مكتب رئيس الحي طلبه أن نثبت كوننا صحفيين وقالت السكرتيرة:" افرضوا انتوا من الناس العاديين؟ رئيس الحي وقته ضيق ومش فاضي يقابل الجمهور". يظل أهالي "جبل العرب" حائرين بين المسئول عما وصلت إليه أحوالهم متسائلين، هل تتوقف وظيفة الحكومة علي توصيل الكهرباء والماء والصرف الصحي غير المكتمل فقط ولا يوجد من يلتفت لشكواهم، حيث لا توجد معلومات رسمية حول عدد سكانه ولا معاناتهم، لكن الأهالي أكدوا لنا أن مصورين صحفيين وصلا إليه بعد حادثة الدويقة الشهر الماضي، تعرضا للضرب والاعتداء وتكسير كاميرتهم من قبل أصحاب وبلطجية المصانع الذين يلفون أنفسهم فوق الجبل بحواجز من الصمت والتعتيم في ظل غياب القانون، لا يهمهم هؤلاء الفقراء الذين أغرقتهم ظروف الحياة وأسقطتهم الدولة من حساباتها
سمر سيناتور
عدد الرسائل : 8530 تاريخ التسجيل : 06/08/2008
موضوع: رد: الانهيار القادم فوق رؤوس الغلابة (جبل العرب) الأربعاء 15 أبريل - 23:38