يدور الحديث هذه الأيام في أروقة الصحافة والدوائر السياسية عن تعديل وزاري شامل أو جزئي خلال أسابيع، بمعني استقالة د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء وحكومته وتكليف شخصية أخري من المجموعة الحاكمة يختارها رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة، أو بقاء نظيف في موقعه مع إجراء تغييرات محدودة أو كبيرة في الوزراء. بل ونشرت بعض الصحف الخاصة والحزبية تقارير عن احتمالات التغيير، وتوقعت تكليف أشخاص بعينهم بتشكيل الوزارة الجديدة وخروج بعض الوزراء الذين تعرضوا لأزمات لسبب أو آخر.
وبصرف النظر عن صحة هذه التوقعات أو خطئها، فالمشكلة أن هناك من يحاول إقناع الرأي العام بأن التعديل الوزاري الشامل أو الجزئي يعني تغييراً في السياسات ـ أو في بعضها علي الأقل ـ يستجيب لمصالح الناس ورغبات الرأي العام الرافض للسياسات التي تطبقها الحكومة والتي يطلق عليها تجاوزاً «حكومة الحزب الوطني». وهناك قطاع كبير من المواطنين يصدقون هذه الأكذوبة، ويستبشرون مع كل تعديل وزاري ـ خاصة مع تولي شخصية جديدة مجهولة لهم رئاسة مجلس الوزراء ـ خيراً، وينتظرون تعديلاً في السياسات لا يأتي أبداً.
والحقيقة أن أي تعديل وزاري في ظل النظام السياسي القائم في مصر لايتجاوز تعديلاً في الأشخاص وليس في السياسات. فدستور 1971 الذي صدر في ظل نظام الحزب الواحد والسلطات المطلقة لرئيس الجمهورية، كرس الواقع القائم منذ ثورة 23 يوليو 1952 وهو أن رئيس الجمهورية هو صاحب القرار الوحيد في مصر.
فدستور 1971 الذي أصدره الرئيس الراحل أنور السادات في 11 سبتمبر 1971 والمعمول به حتي الآن يدور في إطار السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية فهناك 45 مادة من مواده (211 مادة) مخصصة لمنصب رئيس الجمهورية، اختصاصاته وصلاحياته وطريق انتخابه.. الخ. وتمثل هذه المواد خمس مواد الدستور (3.21%) . وطبقاً لهده المواد فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، و«يسهر علي تأكيد سيادة الشعب وعلي احترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية ، ويرعي الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها في العمل الوطني»، أي أنه فوق السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحكم بينها!. ويتولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ويضع ـ بالاشتراك مع مجلس الوزراء ـ السياسة العامة للدولة، ويعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم ويعفيهم من مناصبهم، وله حق دعوة مجلس الوزراء للانعقاد وحضور جلساته ويرأس الجلسات التي يحضرها ويعين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين ويعزلهم، ويصدر اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين ولوائح الضبط والقرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة، ويعلن حالة الطوارئ، وحق العفو عن العقوبة أو تخفيفها، ويبرم المعاهدات.
ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلي للقوات المسلحة ورئيس مجلس الدفاع الوطني ورئيس مجلس رؤساء الهيئات القضائية ورئيس المجلس الأعلي للشرطة.
ورئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم، سواء في ظل نظام الحزب الواحد الذي عرفته مصر طوال 23 عاماً (1953 ـ 1976) تحت أسماء مختلفة، «هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي»، في ظل حكم محمد نجيب أو جمال عبدالناصر أو أنور السادات، أو في ظل نظام التعددية الحزبية المقيدة ـ وعلي الأصح نظام الحزب الواحد في قالب تعددي ـ الذي بدأ عام 1976 بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات نتيجة لضغوط داخلية وخارجية مازال معمولاً به حتي الآن، ويحتكر فيه السلطة حزب واحد هو حزب رئيس الجمهورية أي «حزب مصر العربي الاشتراكي» في الفترة من 1976 إلي 1978 والذي تحول الي الحزب الوطني الديمقراطي بقرار من السادات من 1978 وحتي الآن. وانفراد هذا الحزب بالحكم طوال 32 عاماً لا يعود إلي شعبيته أو قبول الناس لسياساته، فالعكس هو الصحيح، وإنما إلي تزوير الانتخابات لصالحه في ظل الدمج بين الحزب وأجهزة الدولة، وهيمنته علي الصحافة القومية التي تحتل أكثر من 90% من سوق الصحافة رغم صدور الصحف الحزبية والصحف الخاصة، وهيمنته علي الإعلام المملوك للدولة الذي يحتكر القنوات الأرضية الأكثر انتشاراً ومشاهدة، وكذلك محطات الإذاعة وموجاتها جميعاً كذلك استناد الحكم إلي القوات المسلحة التي أصبحت القوة الأساسية للحكم في مصر منذ عام 1952، يخرج منها رؤساء الجمهورية «محمد نجيب- جمال عبدالناصر ـ أنور السادات- حسني مبارك»، وكذلك الوزراء في فترة سابقة، والمحافظون ورؤساء مجالس إدارات مؤسسات وشركات الدولة والسفراء ورؤساء المدن.. إلخ حتي الآن واعتماده علي منظومة من القوانين المقيدة للحريات موروثة ومستحدثة، وإعلان حالة الطوارئ منذ 6 أكتوبر 1981 وحتي عام 2010 علي الأقل وما يصاحبها من اعتقالات وتعذيب، وتجريم العمل السياسي الحزبي ومنعه في المصالح الحكومية والمصانع والجامعات ومطاردة المنتمين لأحزاب المعارضة الجادة وحصار الأحزاب في المقار والصحيفة، وحصار المجتمع المدني والتدخل الأمني والإداري في انتخابات النقابات العمالية والنقابات المهنية.
لذلك لم يكن صدفة ما قاله د. يوسف والي عندما كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء وأمينا عاما للحزب الوطني، من أن جميع الوزراء لا يعدو كونهم «سكرتارية لرئيس الجمهورية» وما يعلنه رئيس مجلس الوزراء والوزراء دائماً بأن كل ما يقومون به «بفضل توجيهات السيد الرئيس» أو تنفيذاً لبرنامج الرئيس الانتخابي أخيراً وهذه الحقائق تفسر لماذا لم تختلف السياسات المطبقة في مصر في ظل تولي سبعة شخصيات مختلفة رئاسة مجلس الوزراء -حتي الآن- في حقبة الرئيس مبارك، وهم د. فؤاد محيي الدين وكمال حسن علي ود. علي لطفي ود. عاطف صدقي ود. كمال الجنزوري ود. عاطف عبيد ود. أحمد نظيف.
وتؤكد أن التغيير يبدأ بتغيير دستوري تفرضه الأحزاب والقوي الديمقراطية يحول مصر إلي دولة ديمقراطية وجمهورية برلمانية تلغي في ظلها جميع القوانين المقيدة للحريات والتي تنتهك الدستور والحريات العامة وحقوق الإنسان، ويوضع نظام جديد للانتخابات العامة يضمن حريتها ونزاهتها طبقا للمعايير الديمقراطية ويفتح الباب أمام تداول السلطة، باختصار البدء بإصلاح سياسي ودستوري طبقا للبرنامج الذي أعلنته الأحزاب والقوي الوطنية في ديسمبر 1997 ثم من خلال لجنة الدفاع عن الديمقراطية في 2002، وأخيراً من خلال أحزاب الائتلاف الديمقراطي، الأربعة «التجمع- الوفد- الناصري- الجبهة الوطنية» في فبراير 2008