مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68

فيلم "الجار الارهابي" تميز بالتوازن في أفكاره

أفلام وأعمال درامية كثيرة عرضت في الدورة الثانية من مهرجان روما للدراما تناولت، على نحو أو آخر قضايا معاصرة، منها ما يتعلق بالهجرة من الجنوب إلى الشمال، وموضوع الإرهاب الدولي وما يحيط به من مخاوف امتدت لتجعل عالمنا أكثر كآبة وانعداما للثقة.
ولمست الأعمال المعروضة أيضا مفارقة كيف أن العالم لم يعد أكثر أمانا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبعد أن استهلكت البشرية مئات المليارات في سباق التسلح خلال حقبة الحرب الباردة.
من الأفلام التي تناولت موضوع الإرهاب بشكل متوازن وجيد الفيلم الكندي "الجار الإرهابي" Terrorist Next Door للمخرج جيري سيكوريتي.
والمقصود بـ "التوازن" هنا أن الفيلم لا يقسم الشخصيات المتصارعة إلى أشرار وطيبين على غرار ما نشاهد في أفلام اخرى، أي أنه لا يصور الشباب المسلم في مونتريال باعتبارهم أشرارا إرهابيين بالسليقة او بحكم تكوينهم الاجتماعي والنفسي، حاقدين على الغرب وحضارته، بينما يظهر رجال الأمن الذين يسعون لمنع وقوع عمليات إرهابية في صورة الأبطال.
الأمر ليس مقسما على هذا النحو من البساطة أو التبسيط. فهناك مساحة رمادية دائما بين الصورتين. بعيدا عن النمطية
ورغم حساسية الموضوع وما يكمن فيه من عوامل قد تثير رؤية مسبقة "مستفزة"، ورغم أن الفيلم يعتمد على أحداث حقيقية وشخصيات لها وجود في الواقع، إلا أنه جاء خاليا من التبسيط والنمطية التي تشوب عادة هذا النوع من الأفلام.
يروي الفيلم قصة الشاب الجزائري أحمد رسام الذي اعتقل وهو يعبر من كندا إلى الأراضي الأمريكية عام 1999 وفي حوزته متفجرات أعدها وأخفاها بعناية في سيارته، بهدف تفجير بعض الأهداف في مدينة سياتل في ليلة رأس السنة (ولذا فقد عرف باسم مفجر الألفية).

مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68 _44917316_terrorist3

الفتاة التي اعتنقت الاسلام ترفض تغيير قناعاتها

هذا الشاب رسمت ملامحه في الفيلم بطريقة رصينة ، وبذل كتاب السيناريو جهدا واضحا في تتبع مسار حياته في الجزائر، قبل أن يهاجر استجابة لنصيحة من والده الذي أراد ابعاده عن التطرف الأصولي، ثم تعرضه للمتاعب في كندا مما يؤدي إلى وقوعه في شباك التطرف.
ويصورالفيلم كيف يفشل في الالتحاق بالدراسة والعثور على عمل ويصبح مهددا بالترحيل، إلى أن يجد مأوى في مسكن يقطنه عدد من الشباب العرب المسلمين الذين كونوا خلية نائمة من خلايا تنظيم القاعدة، ثم كيف يستغلون حاجته للعمل والمال والحصول على جواز سفر (ولو مزور) وينجحون في تجنيده.
ويركز الفيلم على فكرة أن رسام شاب عادي تماما، يرغب في الانطلاق في الحياة والعثور على الحب إلا أنه يواجه برفض من جانب المجتمع الكندي بسبب الصورة المسبقة المحفورة في الأذهان عن "الآخر".
ويصور الفيلم علاقة حب تربط بين فتاة كندية اعتنقت الاسلام، وشاب جزائري تزوجته إيمانا منها بأنه شاب مخلص، لكن يتضح فيما بعد أنه قائد الخلية النائمة، ويعرف رجال الأمن أنه سافر إلى أفغانستان وأنه يقوم هناك بالتدرب على القيام بأعمال عنف، لكن الزوجة ترفض حتى اللحظة الأخيرة تصديق حقيقة أن الزوج الذي أحبته ضالع في الارهاب. ويشير الفيلم إلى أنه رجل عادي تماما في حياته الشخصية، رقيق، حنون، يرعى أطفاله، يحب زوجته.
غير أن الفيلم يظهره مع مجموعة الشباب من أعضاء الخلية خاضعا لأفكار متطرفة تجد بيئة صالحة لها بسبب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي يراها الشباب "غير عادلة" ويسهل بالتالي تفسيرها على أنها "معادية".
والفيلم بشكل عام مصنوع في إطار النوع المشوق الذي لا يكشف كل شئ لك من البداية بل يقدم مفاجأة تلو أخرى، كما يسرع في ايقاعه بعد أن تصبح الأحداث أكثر سخونة، إلى أن يصل في النهاية إلى القبض على رسام ثم على أفراد الخلية، ونترك الزوجة الكندية وهي حزينة على ما آلت إليه الأمور، لكنها تقول بوضوح للضابط إنها لن تتخلى عن الإسلام لأنه اختيارها عن قناعة.
ويصور الفيلم أطرافا أخرى من الشباب المسلم في كندا ممن يرفضون العنف وإن انتقدوا بوضوح سياسات الغرب في الشرق الأوسط، بل إن أحدهم يبلغ عن نشاط أفراد الخلية بعد أن يشعر أن العنف يمكن أن يطال المجتمع بأسره. الشركة الأمريكية

مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68 _44917303_company2031

رجل المخابرات كان يستخدم الوسائل العتيقة في عمل السي اي إيه

وعرض بالمهرجان للمرة الأولى خارج الولايات المتحدة مسلسل "الشركة" The Company للمخرج مايكل سالومون. ويتكون المسلسل من 3 أجزاء أو حلقات منفصلة.
ويروي في سياق درامي مثير قصة الحرب الباردة، كيف بدأت في أوائل الخمسينيات في مدينة برلين المقسمة، وكارثة غزو كوبا عام 1961 للإطاحة بنظام كاسترو، وهي المؤامرة التي دبرتها المخابرات الأمريكية باستخدام مجموعة من اللاجئين الكوبيين في أمريكا بعد تدريبهم وتسليحهم وإرسالهم بالقوارب والسفن.
ويتناول المسلسل في الحلقة الثالثة قصة سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 كما يرويها عدد من العملاء الأمريكيين الذين شاركوا فيها (افتراضا) من السي أي إيه ومكتب التحقيقات الفيدرالي. من ملفات المخابرات
ولاشك أن المسلسل (الدرامي المصنوع بأسلوب تسجيلي) يستند إلى ملفات أجهزة المخابرات الأمريكية وما سمحت به، وبالتالي لا يتجاوز الرؤية الأمريكية الرسمية في تفسير الأحداث، بل يبدو متبنيا لها بالكامل، مقسما الشخصيات إلى أخيار وأشرار، وموجها اللوم فقط وعلى استحياء، لتقاعس إدارة الرئيس كنيدي عن إنقاذ عملية خليج الخنازير من الفشل بعد أن أحبطت قوات كاسترو الهجوم، بل إن المسلسل يكاد يدين موقف الرئيس كنيدي في رفضه التصديق على العملية ورفض مشاركة قوات أمريكية فيها.

مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68 _44917304_company2036

الدور الأمريكي في عملية غزو خليج الخنازير مصور بالتفصيل في مسلسل "الشركة"

يقوم ببطولة المسلسل الممثل ألفريد مولينا الذي يلعب دور رجل المخابرات الأمريكية، الذي يدعى "الساحر"، وقت أن كانت السي أي إيه - كما يقول- تدار بواسطة رجال يتحكمون في الأمور بطريقتهم الخاصة. فلم يكونوا منضبطين أو منظمين، بل كانوا يتبعون الأساليب العتيقة في التجسس: العمل بطريقة مباشرة غير منظمة بدلا من التحليل والتروي، "لكنه" كان على درجة عالية من الكفاءة ولذا ظل على قيد الحياة". أحداث 1968
ولم يقتصر المهرجان فقط على العروض الدرامية بل خصص حيزا مناسبا للأفلام التسجيلية والوثائقية التي صورت أساسا للعرض في التليفزيون.
من أبرز هذه الأفلام وأكثرها أهمية فيلم "68" (90 دقيقة) للمخرج الفرنسي باتريك روتمان. وهو يعتمد على كم هائل من الوثائق المصورة، منها الكثير من الوثائق النادرة التي نراها للمرة الأولى، منها لقطات بالألوان لانتفاضة مايو/ أيار 1968 في باريس.
كان المخرج روتمان في ذلك الوقت، أي قبل 40 عاما، طالبا في السوربون، وقد شارك في الأحداث كما كان شاهدا عليها. وقد ظل يبحث فيما وقع في 68 واصدر كتابا مهما في الموضوع، ثم جاء هذا الفيلم الذي لعل أكثر ما يميزه أنه يربط بين ما حدث في فرنسا في ذلك الصيف، وبين ما كان يحدث في العالم في تلك السنة المميزة في القرن العشرين.
لقد كان 1968 عام الثورة والغضب والتمرد والاحتجاج ضد الفقر والظلم والتفرقة العنصرية، والأهم ربما، أنه كان عام الاحتجاج والغضب على حرب فيتنام، وكان يمثل ايضا علامة فاصلة بين عصرين: عصر التقاليد العتيقة المحافظة، وعصر الفكر الجديد المنطلق والرغبة في نظام تعليمي جديد والاعتراف بالحقوق المدنية وإقرار مبدا الحرية الجنسية.

مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68 _44917305_68_2034

مظاهرات باريس 1968 كانت مقدمة لاندلاع انتفاضة شارك فيها العمال

إيقاع سريع
يجيئ الفيلم في إيقاع ساخن لاهث سريع، مصحوب بالأغاني السياسية الغاضبة للفترة، وهي أغان لها معان واضحة محددة وكلماتها رقيقة بقدر ما هي عنيفة، أغاني جيمي هندركس وبوب ديلان وجيم موريسون وجانيس جوبلن وغيرهم.
وينتقل الفيلم من باريس إلى براغ، ومن واشنطن إلى المكسيك، ويشير إلى ما اجتاح، ليس فقط الدول الصناعية من حركات احتجاج، بل بلدان العالم الثالث أيضا.
ويصور انتفاضة "ربيع براغ" في تشيكوسلوفاكيا ضد البيروقراطية السوفيتية، ثم دخول قوات حلف وارسو إلى براغ، والمصير الذي انتهى إليه زعيم الحركة وزعيم الحزب الشيوعي وقتذاك الكسندر دوبتشك، ثم ينتقل إلى مقدمات وملابسات اغتيال مارتن لوثر كنج ثم روبرت كنيدي، حتى يصل إلى مصرع جيفارا.
لكن تبقى انتفاضة باريس بما لها وما عليها هي أساس الفيلم، ويستخدم المخرج ما توفر له من لقطات ووثائق لكي يجعلنا نرى كيف تحولت الحركة تدريجيا من حركة سلمية منظمة، إلى احتجاج غاضب ثم ما أدى إليه تدخل الشرطة العنيف إلى اتجاهها للعنف ثم انضمام العمال إلى الطلاب والمثقفين إلى الاضراب العام الذي شل البلاد والمعارك العنيفة التي دارت وأدت إلى تخريب قطاع كبير من باريس.

مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68 _44917306_68_2035

مارتن لوثر كنج اغتيل في عام 1968

تدافع الصور
ويصور الفيلم كيف أدى هذا كله إلى تحول في موقف المتعاطفين مع الانتفاضة، واستغلال ديجول الموقف وإعلانه تدخل قوات الجيش لانقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي التام.
إنك تشاهد هذا الفيلم ولا تستطيع أن تدير وجهك ولو للحظة واحدة، رغم تدفق الصور واللقطات المباشرة الصادمة بكل ما تحتويه أحيانا من عنف وضراوة.
ويصور الفيلم دخول القوات السوفيتية وقوات حلف وارسو على اعاصمة الشتكية براغ، وكيف واجهها السكان.
إن الصورة هنا ليست للإثارة ولا لإطلاع المشاهد على ما حدث فقط، بل يستخدم المخرج أسلوبا تحليليا في قراءة الأحداث، سواء من خلال التعليق الصوتي المكتوب بعناية ودقة، أو من خلال التداخل بين الصور والتعليق والعناوين المكتوبة على الشاشة، واستخدام المقابلات المصورة من الفترة نفسها، والبرامج التليفزيونية والاذاعية والأغاني.
إن "68" أحد الأعمال الكبيرة في تاريخ الفيلم الوثائقي. ولحسن الحظ أن وسائل الاتصال أصبحت تجعله متوفرا بسهولة اليوم لمن يريد حقا أن يرى، وأن يتعلم! ملحوظة: الفيلم متوفر على شبكة الانترنت في نسخة ناطقة بالفرنسية

شكرا لمروركم الكريم
اجدد التحيه
والمحبه
اليكم

مهرجان روما للدراما: عن "الجار الإرهابي" وانتفاضة 68 2f11114cae

» توهان بالمستشفي مصرع "ربة منزل" أثناء الوضع .. والمستشفي سلم الأسرة "جثة طفل" فوق البيعة
» رغم أنه "بطّل السجاير وبقي إنسان جديد" أفلت العجل..ووقع شعبولا "ضحية" مخدرات العيد
» أبو عميرة "فرحان" لنجاح "قلب ميت"(اليوم.. تصوير آخر مشاهد المسلسل في الهرم)
» انطلاق دورة ويمبلي.. الليلة الأهلي "الجريح"في مواجهة سيلتيك "الطموح" برشلونة مع توتنهام.. لقاء جماهيري
» القهوة "الزيادة" .. "عقم" .. وفنجان واحد .. ينعش القلب ..!!