محمد حسنين هيكل
واصل الكاتب الصحفي الكبير، محمد حسنين هيكل شهادته على عصر الرئيس السابق حسني مبارك في الحلقة الثانية من كتابه ''مبارك وزمانه.. من المنصة إلي الميدان''، كاشفا عن خفايا اختيار مبارك، نائبا لرئيس الجمهورية في عهد السادات.
وأزاح هيكل الستار- في حلقته الثانية التي تنشرها جريدة الشروق في عدد الثلاثاء- عن الحوار الذى جرى بينه وبين السادات ذات يوم، حول الشخصية التي تصلح لتكون نائبًا للأخير، ووقتها كان السادات متحيزًا لمبارك، مؤكدًا أن اختيار مبارك لهذا المنصب كان لأسباب سياسية، لم يكن بينها سبب عسكري واحد.
وقال السادات لـ''هيكل'': أجد نفسى حائرا بشأن منصب نائب الرئيس في العهد الجديد بعد أكتوبر.. فالحاج حسين (أي حسين الشافعي الذى كان بالفعل نائب الرئيس وقتها) لم يعد ينفعني.. وبصراحة جيل يوليو لم يعد يصلح، والدور الآن على جيل أكتوبر، ولابد أن يكون اختياري لنائب رئيس الجمهورية، منه ومن قادته.. فجيل أكتوبر فيه خمسة من القيادات أولهم أحمد إسماعيل، وقد توفى، والثاني هو الجمسى (مدير العمليات أثناء الحرب وأصبح وزيرا للدفاع بعد أحمد إسماعيل) والثالث هو محمد على فهمى (قائد الدفاع الجوي) والرابع محمد حسنى مبارك (قائد الطيران) والخامس والأخير هو الفريق فؤاد ذكرى قائد البحرية''.
هنا سأل هيكل السادات قائلا: ''لماذا تحشر نفسك في هذه الدائرة الصغيرة، بمعنى أنك لماذا تتصور أن جيل أكتوبر هو فقط هؤلاء القادة العسكريون للمعركة''. وهنا رد السادات على هيكل: ''أنت تعرف أن الرئيس في هذا البلد لخمسين سنة لابد أن يكون عسكريا، وإذا كان كذلك، فقادة الحرب لهم أسبقية على غيرهم''.
حاول هيكل أن يشرح للسادات رأيه في القادة العسكريين ببعض السيناريوهات المستقبلية في حال اختيار أحدهم نائبا للرئيس، فقال له: ''إن أكتوبر كانت حرب كل الشعب، ثم إنك قلت لي الآن عن اعتزامك تكليف وزير الداخلية اللواء ممدوح سالم برئاسة الوزراء، وأخشى باختيارك هذا أنك تكون قد ''بولست'' (عن البوليس) الوزارة، ثم إنك باختيارك لمبارك نائبا لك تكون قد ''عسكرت'' الرئاسة، وربما يصعب على الناس قبول الأمرين معا في نفس الوقت''.
اندهش السادات من كلام هيكل لعدم إدراكه بأهمية أن يكون رئيس مصر القادم عسكريا، ثم سأله: ألست تعرف أن ذلك كان رأى ''المعلم'' أي ''جمال عبد الناصر''؟ فأجابه هيكل: ''الظروف ربما تغيرت وليس لدّى تحيز ضد رئيس عسكري، لكنه مع ضابط بوليس في رئاسة الوزراء، وضابط طيار في رئاسة الجمهورية، فإن الصورة ما بعد الحرب سوف تبدو تركيزا على الضبط والربط لا تبرره الأحوال، أما فيما يتعلق برأي ''جمال عبد الناصر'' فإن مسئوليات الحرب ومنجزاتها، تغيرت كثيرا عندما التحق شباب المؤهلات بجيش المليون على الجبهة''.
ودار الحديث بين هيكل والسادات حول الشخصية المناسبة لتولى منصب نائب الرئيس، حتى سأله السادات قائلا: ''ما رأيك في حسنى مبارك؟'' فأجابه هيكل: ''اسم حسنى مبارك لم يخطر ببالي، وإنما خطر ببالي إما الجمسى ''وزير الدفاع وقتها'' أو محمد على فهمى ''قائد الدفاع الجوي'' وإذا أردت غير هؤلاء، فعليك أن تفكر في أحد قادة الجيش''، وهنا رد السادات قائلاً: ''لا، لا أحد من هؤلاء يصلح –''مبارك'' أحسن منهم، خصوصا في هذه الظروف''.
وحين قال السادات لـ''هيكل'': ''ألا يلفت نظرك أن شاه إيران ''محمد رضا بهلوى'' قام بتعيين زوج شقيقته ''فاطمى'' (الجنرال محمد فاطمى) قائدا للطيران؟ رد هيكل بتساؤل: ''إذًا كانت تلك نصيحة من شاه إيران؟''، لكن السادات ارتفع صوته ليسأل هيكل: ''هل أنا في حاجة إلى نصيحة يقولها لي شاه إيران.. جرالك إيه يامحمد؟''
أضاف الكاتب الكبير في محض رده على كلام السادات بشأن اختيار مبارك نائبا لرئيس الجمهورية: ''حسنى مبارك لا خبرة له بشئون الحكم في سياسة كل يوم، خصوصا ما يتعلق بمطالب الناس ومشكلاتهم، ثم لماذا لا تتيح لمبارك فرصة التجربة وزيرًا لإحدى وزارات الإنتاج أو الخدمات، حتى يتفهم الرجل أحوال الإدارة المدنية، وحتى يحتك بهم ولو من باب الإنصاف؟'' لكن السادات أجاب عليه قائلاً: '' لا، لو فعلت ما تقترحه فسوف أحرق حسنى مبارك.. الإنجاز السريع في الوزارات التنفيذية مسألة في منتهى الصعوبة''.
هنا قال هيكل: ''لكن مبارك دارت حوله إشاعات في قضية اغتيال الإمام الهادي بالسودان من خلال القنبلة التي تم وضعها في سلة المانجو وكانت عبارة عن هدية ملغومة، وبالتالي ستعود القضية كلها إلى التداول في الخرطوم فور إعلان تعيينه نائبا للرئيس''. فرد السادات قائلا: ''مشكلتك يامحمد أنك تصدق الشائعات، والظاهر أن فترة الشهور التي انقطعت فيها عنى منذ تركت الأهرام في فبراير 1974، قد أبعدتك عن مصادر الأخبار الصحيحة.. والمسألة أنك بغريزة الصحفي يشدك أي خبر مثير''.
كان رد هيكل سريعًا بتعجب: ''أي خبر مثير؟. فأنت بنفسك رويت القصة كلها على التليفون و''سامى شرف'' –الذى كان رئيس مكتب الرئيس للمعلومات- سجلها بخط يده لعرضها على جمال عبد الناصر، وماكتبه شرف موجود عندي في أوراقي التي تفضلت وأعطيتها لي قبل ذلك'' لكن السادات اندهش من كلام هيكل وقال “آه'' ثم طلب منه أن يرى هذه الورقة، فكان رد هيكل أن الورقة ليست موجودة في مصر، لكنها في أوروبا، وأنه سيحضرها له في أول رحلة سفر له خارج مصر.
بعد هذه الحوار، خرج هيكل -وفقا لكلامه في كتابه- بعدة حقائق أهمها، أن اختيار مبارك لمنصب نائب الرئيس لم يكن اختيارًا بسيطًا، بل مركبًا، حكمته اعتبارات أخرى، فهو لم يكن اختيارًا من بين الرجال الذين ظهروا في حرب أكتوبر، على أساس دور متفوق أو غيره فيها، وإنما كان اختيار مبارك شيئًا آخر، إلى جانب أكتوبر يقدمه ويزكيه، وأن الرئيس السادات اختار رجلا يعرفه من قبل، وقد اختبر قدرته على الفعل واستوثق منه، وأن اختياره للرجل وقع في ذهنه قضية حيوية بالنسبة له ولسياساته هي قضية تأمين النظام في ظروف تحولات حساسة.