حكاية الفيل يا سادة يا كرام، حكاية قديمة تقول إن مجموعة من العميان تجمعوا حول الفيل وحاول كل منهم وصف الفيل؛ فقال من وضع يده على الأنف أن الفيل هو خرطوم طويل، ومن تحسس الساق قال لا بل الفيل جذع شجرة ضخم، أما من وقعت يداه على الأذنين فأصر على أن الفيل يشبه شراع المركب، وهكذا وجدنا أنفسنا عقب ثورة 25 يناير، وما تبعها من انفلات أمنى وارتفاع أسعار واعتصامات فئوية، وفتن طائفية وكأن الثورة منزهة عن الخطأ ولا يأتيها الباطل من قريب ولا من بعيد.
أصبحنا كالعميان والطرشان أيضا فى تعاملنا مع مشاكلنا عقب الثورة؛ فإضراب عمال شركة حلون بفعل الثورة المضادة، وارتفاع سعر أنبوبة البوتاجاز بدعة ضالة من رجس الثورة المضادة، أما الراجل أبو جلابية فى مبارة الزمالك "الفضيحة" فبدون شك هو عميل الثورة المضادة.
هكذا صار حالنا مع كل أزمة حدثت بعد الثورة دون أن نعطى أنفسنا فرصة للتحليل والفهم، وإدراك أن ما حدث فى مصر ثورة، تغير معها البلد جلدها وفكرها وليس قيادتها ودستورها فحسب، ولن يتسامح الجميع مع هذه المعطيات الجديدة، والرافضون للتغيير ليسوا بالضرورة عملاء ودعاة ثورة مضادة، بل فئة غير قادرة على استيعاب ما حدث وتحاول أن تتعايش معه.
الثورة المضادة التى يردد لها البعض لا تختلف كثيرا عن فزاعة الإخوان التى كان يخيفنا بها النظام السابق إبان الثورة، وكذبة كبيرة لو صدقناها لن نتحرك خطوة إلى الأمام، بل ستعيدنا إلى مربع الصفر الذى لم نبرحه منذ 60 عاما.
الواقع يقول إن التركة التى ورثها الدكتور شرف ثقيلة، والشعب معذور، والسواد الأعظم من المصريين تحاصره الهموم والمشاكل والديون، وأعداء الوطن متربصون فى الداخل والخارج، والعالم يترقب ماذا سيفعل الشعب الذى خلع الأسد ويحاكمه وزبانيته، وأمامنا فرصة نادرا ما تتكرر فى حياة الشعوب، إما أن نلتحف الصبر ونقتات على التلاحم ونتجاوز عنق الزجاجة لنلامس "جنة" الديمقراطية التى ما عرفناها إلا فى كتب التاريخ، وإما أن نعود للثورة فى ميدان التحرير ولكن ساعتها سيكون الشعار: الشعب يريد "نار" النظام.
مقال للدكتور محمد طايع