من الواضح تماماً أن مفاوضات القناة التركية غير المباشرة بين كل من سوريا وإسرائيل لم تحقق إلى الآن أي تقدم ملموس على صعيد العملية السياسية التفاوضية بين الطرفين.
هذا على الأقل ما تشير إليه سلسلة التصريحات والإيماءات التي تواترت على لسان العديد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية من داخل ائتلاف حكومة إيهود أولمرت، خصوصاً مع توقف هذه المفاوضات عند حدود الجولة الرابعة في اسطنبول.
حيث تلتها تطورات حاسمة داخل الخريطة السياسية الإسرائيلية مع صعود وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى الموقع الأول في قيادة حزب كاديما واستعدادها للانتقال إلى موقع رئاسة الوزارة الإسرائيلية بعد فترة قد لا تطول.
فقد أثرت المقدمات التي سبقت التطورات الأخيرة في الساحة السياسية الإسرائيلية على مسار المفاوضات غير المباشرة مع سوريا عبر القناة التركية، بعد أن كانت بعض الأطراف الإسرائيلية قد كررت تقديراتها التي تقول بأن رئيس الوزراء إيهود أولمرت لجأ إلى ملف المحادثات مع سوريا لتحويل انتباه الرأي العام الإسرائيلي عن ملف تحقيقات الشرطة الإسرائيلية معه.
وهو رأي من الممكن القبول به على ضوء السياسات البراغماتية لأولمرت التي خلطت وحاولت تشبيك تعقيدات الوضع الداخلي الإسرائيلي وأزماته وبين الملفات الخارجية العالقة مع لبنان وسوريا ومع السلطة الوطنية الفلسطينية.
ومع ذلك، فان المفاوضات الإسرائيلية مع سوريا كانت ومازالت تحتل أهمية كبيرة واستثنائية لدى صانعي القرار في الدولة العبرية الصهيونية، ومازالت تنال القسط الوافر من أعمال مراكز البحث والمحللين وكتاب الأعمدة الدائمين في الصحف العبرية.
فقد أصدر مركز جافي للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب تقرير التخمين الاستخباري الدوري الأخير، الذي تضمن عدة موضوعات وكان اللافت للنظر بينها الاهتمام بملف المفاوضات السورية/الإسرائيلية التي اعتبرها التقرير صانعة للتحول في أوساط الرأي العام والسياسيين الإسرائيليين.
فقد أشار التقرير إلى أن أولمرت وحزب كاديما بشكل عام عملا على تجيير ملف المفاوضات مع سوريا لخدمة أغراض داخلية في مواجهة العواصف التي هبت على أولمرت وعلى ائتلافه الحكومي من كل حدب وصوب داخل إسرائيل.
أما إشارات التقرير التالية فقد قدمت ورصدت الرؤية السورية إلى القيادة الإسرائيلية، فاعتبرت إشارات التقرير أن سوريا تريد مفاوضات جدية وعلنية، وتحت الرعاية الدولية وعلى رأسها الأميركية كوسيط مشارك، وأن تعلن إسرائيل التزاماً مسبقاً باستعدادها للانسحاب التام غير الناقص من الجولان السوري المحتل. بينما تريد إسرائيل من وجهة نظر معدي التقرير أن تكون المحادثات سرية، غير مباشرة، وأن تلتزم سوريا بفك ارتباطها مع إيران وحزب الله والمنظمات الفلسطينية.
ووفق منطق التقرير مضافاً إليه رأي العديد من شخصيات الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية ومن أبرزهم : الجنرال إيهود باراك وزير الحرب، والجنرال غابي أشكينازي رئيس الأركان الحالي، والجنرال عاموس يادلين رئيس شعبة المخابرات العسكرية الحالي.
فإن التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا سيجلب على الدولة الصهيونية مكاسب هائلة جداً جداً، وسيترتب عليه تحسين الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي الكلي إزاء التوترات الأخرى التي تواجه إسرائيل مخاطرها وتهديداتها وسيؤدي إلى إكمال حلقة اتفاقيات «السلام» مع البلدان المجاورة، وإلى انفتاح الطرق البرية أمام الدولة العبرية مروراً بسوريا وتركيا وحتى أوروبا.
كما وفي تقليل مخاطر احتمالات اندلاع حروب صغيرة أو كبيرة في الشرق الأوسط. وعليه فان واضعي التقرير يوصون بضرورة تحريك الملف التفاوضي مع سوريا من قبل رئيس الوزراء القادم، والمقصود بالتوصية تحديداً تسيبي ليفني رئيسة الوزراء القادمة بعد فترة من الزمن.
ومن جانب آخر، فإن واضعي التقرير يعتقدون بأن التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا أكثر سهولة من التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين خاصة فيما يتعلق بقضايا الحدود والترتيبات الأمنية والتفاصيل الأخرى.
إضافةً إلى أن عملية السلام مع سوريا سوف لن تكون لها تداعيات أو تعقيدات سياسية أو أيديولوجية داخل إسرائيل كما هو الحال في عملية السلام مع الفلسطينيين التي تتضمن ملفات ذات تداعيات وتعقيدات مذهبية - إيديولوجية - دينية مثل ملف القدس والمستوطنات وما شابه ذلك.
وعلى كل حال، فان صعود تسيبي ليفني لموقع الزعامة في حزب كاديما، وتالياً لرئاسة الوزارة في المرحلة التالية على أغلب تقدير، سيدفع بها للتفتيش عن عوامل وأسانيد توطيد زعامتها في الشارع الإسرائيلي توطئة لانتخابات الكنيست القادمة بعد عام من تاريخه، ومن المتوقع أن يكون تنشيط وإعادة إحياء المسار التفاوضي مع سوريا عنواناً هاماً لتحقيق وتوطيد حضورها.
جريده البيان