القاهرة -
تزداد نسبة الطلاق في مصر لأسباب كثيرة أبرزها عدم تقدير الطرفين لأهمية الزواج وضعف الثقافة الجنسية، وفي محاولة للحد من هذه الظاهرة تم تأسيس أول مركز مصري متخصص في الطب النفسي والثقافة الجنسية والعلاقات الأسرية.
يكن من السهل على "نوال" الزوجة المصرية التي تعمل مديرة تسويق بإحدى الشركات أن تعترف لزوجها المهندس بأحد المصانع المرموقة أنها غير سعيدة معه لمعاملته القاسية وإهماله لها وأن زواجهما على حافة الطلاق، الأمر الذي جعلهما يتخذان خطوة تعتبر جرئيه وغير مألوفة في المجتمع المصري بالذهاب إلى استشاري علاقات زوجية لمساعدتهما على حل مشاكلهما الزوجية.
تقول "نوال" لدويتشه فيله إنها لم تكن تعلم بوجود هؤلاء المتخصصين القلائل في مصر سوى من صديقة لها، لأن مهنة استشاري العلاقات
الزوجية تعد جديدة على المجتمع المصري الذي لم يكن يعرفها سوى عبر المسلسلات والأفلام الغربية.
وتضيف نوال أن زوجها استغرب عندما طلبت منه اللجوء إلى استشاري علاقات زوجية، لكنها أقنعته في نهاية الأمر، مؤكدة أن الطبيب ساعدهما على رؤية الجوانب الإيجابية في صفات كل منهما وفي زواجهما. وعلى ضوء ذلك نجح في إذابة جبل الجليد بينهما.
أسباب الطلاق الحديث تتسم بالتفاهة
من جانبه يوضح الدكتور مدحت عبد الهادي في حوار مع دويتشه فيله أنه قرر تأسيس أول مركز مصري للاستشارات الزوجية والأسرية أواخر عام 2005 بعد عودته من الخارج وحصوله على شهادات في هذا المجال، ليس فقط بهدف تقديم الاستشارات للمتزوجين، ولكن ليكون المركز أيضا بمثابة مدرسة تهتم بتعليم الثقافة الزوجية للمقبلين على الزواج ومساعدة الشباب على كيفية اختيار شريك الحياة خاصة في ظل ارتفاع نسبة العنوسة.
ويوضح الدكتور مدحت أن السبب الذي دفعه لإقامة هذا المشروع يرجع لانتشار الطلاق بصورة مخيفة لأسباب معظمها جديدة على عكس
الأسباب التقليدية التي كانت منتشرة في السابق مثل الخيانة والضعف الجنسي.
ويرى أن الأسباب الجديدة معظمها يتسم بالتفاهة مثل انشغال الزوج بألعاب الكومبيوتر أو عدم معرفة التعامل مع أصدقاء الزوج أو الزوجة أو الخلاف حول مدة السفر في إجازة الصيف.
وتعود أهم أسباب هذه المشاكل إلى أن المتزوجين لا يفهمون شيئا عن المعني الحقيقي للزواج أو المسئولية ولم يختاروا بعضهما بصورة صحيحة لعدم وجود شخص أو مكان يتعلمون فيه مثل هذه الأمور الهامة.
إقبال محدود
ويشير الدكتور مدحت إلى أن الإقبال على المتخصص في الاستشارات الزوجية يزداد بمرور الوقت، حيث يستقبل حاليا حوالي 5 أو 6 حالات يوميا سواء كانت استشارات زوجية أو تتعلق بمشكلات الأبناء،وذلك لوجود رغبة الآن في كسر الصمت وحاجز الخوف واللجوء إلى مساعدة متخصصة خاصة في ظل انتشار برامج فضائية لتقديم الاستشارات الاجتماعية.
ويرى الدكتور مدحت أن هذه البرامج الفضائية تعد ظاهرة ايجابية لأنها تساعد على ترسيخ الفكرة وتقوي تدريجيا مفهوم الحصول على استشارات متخصصة.
ويؤكد استشاري العلاقات الزوجية أن زبائنه من مختلف المستويات الفكرية حيث أنه يستقبل يوميا بخلاف المترددين على المركز، مكالمات
هاتفية من نساء ورجال من القرى وخارج المدن يتعرفون عليه عبر برامج التلفزيون والإذاعة لطلب المشورة.
مشاكل زوجية متنوعة
ومن خلال خبراته مع الأزواج يعتقد الدكتور عبد الهادي أن أبرز المشكلات تنجم عدم الرضا عن العلاقة الجنسية، وإن كان البعض يخجل في البداية من الحديث صراحة عن ذلك، وأيضا من الاستقلال المادي للمرأة في الوقت الحالي مما يصيب الرجال بحالة من انعدام الأمان، بالإضافة إلى طغيان القيمة المادية أو غيرة الزوجة على زوجها.
ومن أبرز ما يقدمه هذا المركز، دروس التوعية التي تنقسم إلى أربعة مراحل: ما قبل الزواج ، وسنة أولى زواج ، والإعداد لتحمل مسؤوليات دور الأب والأم وكيفية التعامل مع مشاكل الأبناء في فترة المراهقة.
الخطاب الديني الحالي أحد أسباب الأزمة
كما يلقي عبد الهادي أيضا باللوم على الخطاب الديني سواء الإسلامي أو المسيحي في المجتمع المصري لأنه يلعب دورا يتسم بنشر الانغلاق
الشديد على التعارف بين الجنسين، ولا يبرز الفهم الصحيح في اختيار شريك الحياة، مشيرا إلى أن معظم رجال الدين يهاجمون فكرة تدريس
الثقافة الجنسية داخل المدارس على الرغم من أن الأديان تحث على ضرورة التوعية بمثل هذه الأمور.
ويؤكد أن عصر الخاطبة كان أزهى من العصر الذي نعيشه الآن، لأنها كانت تقدم معلومات صحيحة عن أسرة العريس وأقاربه وحالته
الاجتماعية والمادية وكذلك بالنسبة للبنت، مشيرا إلى اليابان تعتبر نموذجا لإحياء فكرة الخاطبة كوسيط يساعد على حل أزمة العنوسة، والتي تقوم بتعيينها وزارة الأسرة اليابانية.
التحليل الطبي والنفسي قبل الزواج
ويحارب عبد الهادي الموروثات والتابوهات الاجتماعية بعمله على تغيير الفكر السائد ومطالبته بضرورة عمل تحليل طبي ونفسي للمقبلين على الزواج لتلافي أي مشاكل عضوية، ولتوضيح طبيعة شخصية كل طرف وميوله ومدى انسجامها مع الطرف الأخر، مشيرا إلى أنه سيقترح على وزارة الأسرة ضرورة وضع هذه الشروط في قانون الأسرة الجديد الذي يتم الإعداد له حاليا.
من جانبه، لا يتوقع محمد جمال عرفه الخبير الاجتماعي أن مثل هذه الوظائف الجديدة كمستشارين علاقات زوجية ستستمر وتحقق رواجا بالرغم من تغير المجتمع وتقبل الجيل الجديد لأفكار وتقاليد موجودة في المجتمعات الغربية، وذلك "لأنه من الصعب تقبلها في مجتمعنا ذو التقاليد الإسلامية المحافظة، ومن الصعب علي الرجل والمرأة معا أن يقفا أمام طبيب للحديث عن أمور تخص حياتهما الخاصة جدا أو ما يسمي بـ"حديث غرف النوم" حتي ولو تفاهما علي هذا فسوف يتراجعان من أول زيارة ولن يكرراها" على حد تعبيره.
ويشير إلى أن الكثيرين سينظرون للأمر على أنه مسالة ترفيهية ،قد تجتذب بعض الأثرياء أو من عاشوا في الغرب فقط وتأثروا أكثر بهذه الأفكار ولكنها لن تجد إقبالا واسعا بين المصريين بسبب غرابة الفكرة والحرج منها فضلا عن أن غالبية المصريين لا يجدون قوت يومهم ويشكون من تكاليف الحياة ومن باب أولي سيصعب عليهم التردد علي مثل هذه العيادات، خصوصا وأن ثقافة المجتمع لا تزال ذكورية والخلاف ُيحل بالطلاق السريع.
ويشير الخبير الاجتماعي إلى أن غالبية الأزواج يفضلون حاليا استشارات الانترنت لأنها أكثر سرية ولا يفصحون من خلالها عن شخصياتهم، كما أنها تبقي علي حريتهم في الحديث عن مشاكلهم دون حرج من المستشار أو الطبيب.
ويرى أن الشق الوحيد الذي سيحظي بقبول في هذه العيادات هو تعليم المقبلين على الزواج معني الحياة الزوجية، بمعني تلقينهم دروس في كيفية التعايش مع أزمات الزواج والأولاد.