ترك مهاتير الحكم طواعية فى مثل هذا اليوم من عام ٢٠٠٣، خبر تناقلته وكالات الأنباء فكان وقعه على المصريين كوقعه على الماليزيين. سؤال يفرض نفسه: لماذا تلهم ماليزيا أحلام مصر، وتُعقد دائما بينهما المقارنات الكثيرة؟، إذا ذُكر مهاتير ذُكر مبارك، وإذا ذُكرت ماليزيا ذُكرت مصر.
ربما لأن كليهما تولى قيادة بلاده فى نفس العام (١٩٨١)، فى هذه الأثناء نجحت ماليزيا فى التحول من دولة زراعية تصدّر المواد الأولية، إلى دولة صناعية متقدمة، انخفضت نسبة الفقر والبطالة وارتفع متوسط الدخل. والسؤال الذى يطرح نفسه: لماذا تقدمت ماليزيا وتراجعت مصر؟. هل تملك ماليزيا من الموارد ما يفوق مصر أم أن العكس هو الصحيح؟، هل نحن شعب عجوز يثقله التاريخ فيما يملكون هم المرونة والروح الوثابة؟. هل عدم تداول السلطة هو السبب؟.
أم أنه تفسير لا يكفى برغم وجاهته، فمهاتير استمر فى الحكم ثلاثين عاما قبل أن يتنازل عنه طواعية. هذا ليس تشكيكاً فى قيمة الديمقراطية وما يفرزه تداول السلطة من حيوية، ولكن ثمة بلاد شهدت تقدما صناعيا وبنية أساسية ممتازة فى ظل حكم ديكتاتورى مفرط كما حدث مع الجنرال فرانكو بإسبانيا.
لن أردد حديثا إنشائياً عن رؤية القيادة، والتخطيط المسّبق، والعمل بروح الجماعة، وآليات تنفيذ الخطط. فهذه الأشياء الجميلة هى مفردات النهضة فى كل بلد، ولكنها لا تفسر انبعاثها فى هذا الوقت بالذات.
السبب الحقيقى للتفاوت فيما أعتقد يكمن فى كلمة واحدة: «القدرة على الحلم». فى مصر توجد فجوة هائلة بين القرار والحلم. القادرون على الحلم لا علاقة لهم باتخاذ القرار، وأصحاب القرار ينقصهم الحلم. وفيما كان الرئيس مبارك مهموما بإطعام الشعب، وأسوأ كوابيسه أن يأتى صباح لا يجد فيه المصريون رغيف الخبز، كانت أحلام مهاتير محمد أن تتحول ماليزيا إلى دولة إقليمية عظمى.
هذا هو الفارق الجوهرى بيننا وبينهم، قدرتهم على الحلم وعجزنا عنه مع كل الاحترام للنيات الطيبة. ظاهرة عامة عند معظم المسؤولين. حينما أسير فى الطرقات وأشاهد القبح والقمامة أثق على الفور أن المحافظ ينفق مدة خدمته دون أن يحلم ولو لمرة واحدة.
تحية من مصر التى أنهكها الحزن إلى مهاتير محمد، الرجل الذى امتلك جسارة الحلم، واتبع نصيحة أمه التى قالت له: تعلّم أن تترك الطعام ومازال طعمه لذيذاً فى فمك.