هل تعرفون متى سنصبح مثل الأمريكان؟ حينما يصبح أمثال أديسون وأينشتين وبلانك هم أبطالنا القوميون. حينما نستبدل العلماء بالزعماء، والباحثين بلاعبى الكرة والفنانين. حينما نفهم مغزى أن يبدأ الوحى بكلمة «اقرأ»، ويتحول الخطاب الدينى إلى دعوة للعلم بمعناه الكبير. حينما نؤمن بأن الله يعبد فى المعمل مثلما يعبد فى المسجد، والقوة التى أمرنا الله بإعدادها يستحيل الحصول عليها إلا بفهم قوانين الطبيعة، وتسخير القوى الكامنة.
توماس أديسون: الرجل الذى غير وجه الكوكب الأرضى بالكامل، قبله كان الليل مظلما والزوايا معتمة، والقناديل الواهنة تكافح، بلا جدوى، الظلام المهيمن، والناس يسرعون لبلوغ بيوتهم قبل الغروب. واليوم تضاء المدينة بضغطة زر. بدأ طفلا بليدا متخلفا ومات وقد سجل باسمه أكثر من ألف اختراع. الأمومة هى كلها السر هنا والعلاقة الحنونة المتبادلة بين الأم وابنها. إيمان أمه به، واحترامها له، وثقتها فيه جعلته يشعر بأنه أهم شخص فى العالم، فعاهد نفسه أنه لن يخذلها.
امتهن بيع الجرائد فى السكك الحديدية، وقادته القوى الكامنة داخله إلى تعلم أسرار الطباعة وسبر أغوارها. ابتكر أول آلة تلغرافية، وبعدها توالت اختراعاته حتى بلغت الألف: الأفلام والبطارية والميكروفون والفونوغراف، ونظام لتوليد البنزين من النباتات، وأنتج أول فيلم سينمائى صوتى.
حصر الألف اختراع ليس مرادنا فى هذا المقال، ولا حتى الاحتفال بميلاد عبقرى، وإنما استلهام سيرته، تذكر هؤلاء الذين أحبوا العلم للعلم، عاكفين فى معاملهم، بإمكانيات محدودة وأحلام كبيرة، غافلين عن النوم والراحة، فى سبيل المعرفة.
وإذا كان جيلنا قد فشل فى تحقيق هذه الغاية، فعلى الأقل نلهم طموح الشباب الغض فى العلم والعلماء. حرام والله أن نظل فى قاع الأمم فيما يتجاوز الأمريكان المريخ إلى المشترى. ساعاتنا معطلة وساعاتهم مضبوطة على الفيمتو ثانية لتصوير التفاعل الكيميائى، والاحتفال بميلاد جزيئات لا تستغرق سوى جزء من ألف مليون مليون ثانية بحيث يمكن التدخل لعلاج الأمراض الناشئة عن أخطاء الخلية.
لا شيء يصنع بالمصادفة وإنما بالعمل الشاق. أديسون لم يسم محاولاته الألف لصناعة المصباح الكهربائى محاولات فاشلة. بل سماها «تجارب لم تنجح.. ألف طريقة خطأ لصنع المصباح الصحيح!!». الحكاية يا جماعة كما لخصها أديسون: العبقرية مائة جزء، واحد فى المائة منها إلهام والباقى عرق. أديسون، سيدى أديسون: قالها واحد من قبل (وأغلب الظن أنه أنا!!): أنتم الناس.. أيها العلماء.