تدور الأيام, وتمضي الشهور, وتتقلب الأعوام, وكلما أقبل شهر رمضان, استقبله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها, بالفرح والسرور... ولا شك أن من أعظم النعم التي أنعم الله ـ تعالي ـ بها علي عباده: نعمة الصوم لشهر رمضان, الذي لو يعلم الناس ما فيه من الخير والبركة لتمنوا أن يكون حولا كاملا: كما جاء في الحديث الشريف: فهو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يعظمونه, فلما جاء الإسلام زاده تعظيما وتشريفا وتكريما.
وهو الشهر الذي انتصر فيه المسلمون علي أعدائهم, كما انتصروا علي شهواتهم وأهوائهم. وهو الشهر الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة, وآخره عتق من النار. وهو الشهر الذي ابتدأ فيه نزول القرآن, هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان. وهو الشهر الذي فيه ليلة القدر, التي وصفها الله ـ تعالي بأنها خير من ألف شهر. وهو الشهر الذي جاء ذكره في القرآن الكريم, ومدحه الخالق ـ عز وجل ـ مدحا عظيما
هو شهر التهذيب لأن الصوم يعين النفس الإنسانية علي الاستقامة والصفاء, ويساعد القلب علي التطهربقلم:والنقاء, ويعود الإنسان علي فضيلة المراقبة لخالقه, وخشيته في السر والعلن, لأن الصيام سر بين العباد وخالقهم عز وجل
وفي الحديث الشريف:الصيام جنة أي وقاية ـ, فإذا كان يوم صوم أحدكم, فلا يرفث ولا يفسق, فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم.
وهو شهر التأديب لأن كثيرا من الناس من عادتهم أنهم لا يقدرون النعمة حق قدرها إلا عند حاجتهم إليها, فهم لا يعرفون قيمة الصحة إلا إذا داهمهم المرض, ولايدركون مرارة الجوع إلا إذا جربوه وأحسوا به, ولا يتأثرون بلذة النجاح إلا إذا ذاقوا مرارة الفشل
فكان الصوم مع ما فيه من مشقة, تأديبا عمليا للنفس الإنسانية, ولقد سئل سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ لماذا تصبر علي آلام الجوع وأنت الأمين علي خزائن أرض مصر؟ فكان جوابه: أخاف أن أشبع فأنسي الجائعين
ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي, فقال عن فريضة الصوم: الصوم حرمان مشروع, وتأديب بالجوع, وخشوع لله وخضوع, لكل فريضة حكمة, وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة, يستثير الشفقة, ويحض علي الصدقة, يكسر الكبر, ويعلم الصبر, ويسن خلال البر, حتي إذا جاع من ألف الشبع, وحرم المترف أسباب المتع, عرف الحرمان كيف يقع: والجوع كيف ألمه إذا وقع.
***ولما كان صوم رمضان فرصة للتهذيب والتأديب, وكلاهما يحتاج الي مجاهدة وصبر, فقد جاءت البشارات بمنافع الصوم في حياة الصائمين وبعد مماتهم
فمن مظاهر منافع الصوم في حياتهم: أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ بشرهم أن دعاءهم لا يرد, ففي الحديث الشريف: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتي يفطر, والحاج حتي يرجع, ودعوة المظلوم, يرفعها الله إلي سبع سماوات ويقول لصاحبها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين
كما بشرهم ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأن رائحة أفواههم أطيب عند الله ـ تعالي ـ من رائحة المسك, وأنه ـ سبحانه ـ يباهي بهم ملائكته فيقول: انظروا إلي عبدي المؤمن ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ومن مظاهر منافع الصوم بعد مماتهم: أن الله ـ عز وجل ـ جعل للصائمين بابا مخصوصا يدخلون منه إلي الجنة, ففي الحديث الشريف: إن في الجنة بابا يقال له الريان, لا يدخل منه إلا الصائمون وإن الصيام يكون شفيعا لصاحبه يوم القيامة, فقد قال
صلي الله عليه وسلم: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام: يارب لقد منعته من الأكل والشرب والشهوة بالنهار, ويقول القرآن يا رب لقد منعته النوم بالليل, فيقبل الله ـ تعالي ـ شفاعتهما
هذا جانب من فضائل شهر رمضان, شهر التهذيب, والتأديب, شهر التقوي, والمغفرة, شهر الرحمة والشفقة, شهر الجود والكرم, شهر القرآن
وإن الإنسان العاقل هو الذي يعمر هذه الأيام المباركة, وهذا الشهر الكريم, بالإكثار من ذكر الله, ومن قراءة القرآن, ومن التفقه في الدين, ومن التذكر والاعتبار, ومن المداومة علي القول الطيب, وعلي العمل الصالح, بعزيمة صادقة, وبنية خالصة لوجه الله ـ تعالي ـ وصدق الله إذ يقول: وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا, واستغفروا الله إن الله غفور رحيم
كل عام وانتم طيبين
والامه الاسلاميه فى عزة وكرامه