بمناسبه قدوم شهر القران
الحمد لله القائل
: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، أمره ربه أن يتهجد بالقرآن، فقال: فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد
ان الله أخذ على نفسه عهداً أن من قرأ القرآن وعمل بما فيه، وتابعه في أوامره واجتنب نواهيه ألا يضله في الدنيا يوم يضل المضلين، وألا يشقى في الآخرة يوم يشقى الأشقياء.
وأخذ على نفسه تبارك وتعالى عهداً، أن من أعرض عن كتابه، وعن تدبر آياته، وجعل كلامه ظهرياً فلم يعمل به، أن يجعل معيشته في الحياة الدنيا ضنكاً، ويجعله خاسئاً مطروداً من رحمته، وأن يخزيه في الآخرة، وأن يفضحه على رءوس الأشهاد، وأن ينكل به.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِحصاَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126].
ينساه الله ولا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكنه يسقطه في العذاب، ويتغافل عنه كما تغافل عن آيات الله تبارك وتعالى، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[من تبع هذا القرآن هداه الله وسدده في الدنيا، وأسعده في الآخرة، ومن أعرض عنه أضله الله في الدنيا وجعل عيشته ضنكاً، وأخزاه في الآخرة ]].
والمعيشة الضنك: هي أن يسد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه أبواب الطلب، يعيش معافى، وأبواب النجاح والسعادة مفتوحة أمامه، وإن جمع المال والولد، أو ترقى في المنصب، فإن الله ينكده ويضيق عليه، ويجعله خاسئاً، كأن اللعنة جمعت في وجهه، ولذلك يقول الله للناس: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] يقول: مالهم لا يتدبرون هذا الكتاب العظيم، ولو كان من تصنيف البشر أو من تأليف الإنسان؛ لكان فيه النقص والثلب والتناقض، فما هو الذي يمنعهم إذاً أن يتدبروا كتاب الله الحكيم؟!
ويقول عز من قائل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] أقفلت القلوب بالمعاصي والسيئات، فلا تقرأ ولا تفهم القرآن!
ويقول عز من قائل: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] ولذلك بعث صلى الله عليه وسلم الصحوة في قلوب أصحابه بالقرآن، فجعلهم خير أمةٍ تمشي على الأرض، وخير أمة تحضر الأرض، وخير أمةٍ تقيم ميزان الله في الأرض، بل كان يسمع الصحابي الآيات فينطلق بها شعلةً وهدايةً، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } رواه مسلم ، وفي لفظٍ للبخاري : {اقرءوا سورة البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين فإنهما تأتيان يوم القيامة كغمامتين، أو غيايتين، أو كفرقان من طيرٍ صواف، تظلان صاحبهما يوم القيامة }.
فيا من أراد أن يستظل بذاك الظل في يوم الشمس والكرب والخوف! استظل بآيات الله تبارك وتعالى، والقلب الذي لا يعي شيئاً من القرآن، قلبٌ مخذول ملعون محروم مغلوبٌ عليه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "كل قلبٍ لا تشرق عليه شمس القرآن فهو قلبٌ ملعون،، وكل نفسٍ لا تشرق عليها شمس هذا الدين فهي نفس ملعونة"، ويقول في كلمته المشهورة: "من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم".
يقول عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الترمذي {اقرءوا القرآن، فإن القلب الذي ليس فيه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرب } كالبيت الذي عشعش فيه الطيور والغربان، وعشعشت فيه الحيات والزواحف، فهو لا يضيء ولا يزهر، ولا يسعد ولا يفرح، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي : {اقرءوا القرآن فإن من قرأ حرفاً فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف }.