وكأنها ليلة من ألف ليلة».. ولم لا!، فالمباراة المئوية التاريخية فى بطولة القارات شهدت فوزاً تاريخياً للفراعنة أبطال مصر على واحد من أقوى منتخبات العالم، المنتخب الإيطالى حامل لقب كأس العالم حتى الآن، والطريف أنه الفوز الأول للمنتخب المصرى فى تلك البطولة،
حيث تعادل فى مباراتين وهزم فى مثلهما خلال مشاركته السابقة ١٩٩٩ والحالية، ولكنه ليس مثل أى فوز، فعندما يهزم المنتخب المصرى منتخب إيطاليا فى مباراة رسمية وبكامل عتاده وصفوفه، بل وبذل كل الجهد والعرق من أجل فقط التعادل مع المصريين.. فهذا ليس بالأمر الهين أبداً، ويبدو أن المارد الذى خرج من قمقمه منذ أيام قليلة أمام منتخب البرازيل لن يعود مرة أخرى إليه،
ومنح الكابتن حسن شحاتة واللاعبون الأمل الكبير فى تخطى العقبة تلو الأخرى نحو نهائى «حلم» فى تلك البطولة القوية هذا العام.. والحلم الأكبر فى الوصول إلى نهائيات كأس العالم المقبلة الذى قد يتحول إلى حقيقة بإذن الله إذا ما استمر الفراعنة فى تقديم مثل هذا الأداء الرائع الذى أصاب العالم بذهول وجعل أكثر من ثلثى الجمهور فى جوهانسبرج يتحول إلى مصريين حتى النخاع!.
مباراة تكتيكية هائلة، كأنك ترى نهائى كأس عالم، بين فريقين كل منهما يقدر الآخر تماماً.. وأكد المصريون مرة جديدة أن ما حدث أمام البرازيل فى اللقاء الأول لم يأت أبداً مصادفة، بل يبدو أن جمهور الكرة المصرى سيعتاد على رؤية فريقه بهذا العنفوان والقوة..
فكيف نخشى أى فريق فى العالم بعد هذا الأداء العالمى أمام اثنين من أقوى وأعتى فرق كرة القدم فى العالم بأسره.. وتمكن «المعلم» مرة أخرى من دراسة منافسه بدقة شديدة ليواجهه بنفس طريقته الدفاعية الصلدة والتى طالما أصابت المنافسين بالعقدة الإيطالية الدفاعية الشهيرة،
إلا أن الدور جاء على أصحاب براءة الاختراع فى مواجهة منافس يتفوق عليهم فى أسلوبهم الأشهر، وكان أمراً رائعاً فى شوط المباراة الأول أن نرى ثلاثى الوسط (شوقى وعبدربه وحمص) وهم يغلقون الطريق تماماً أمام أى محاولة إيطالية لشن الهجوم على مرمى الحضرى،
ولم يكتف الفراعنة بذلك، بل قاموا بالضغط على لاعبى الدفاع والوسط الطليان فى أغلب مناطق الملعب، مما ساهم كثيراً فى عدم تحقيق أى خطورة على مرمى مصر طوال معظم فترات الشوط الأول.
وبالرغم من امتلاك المنتخب الآزورى الكرة كثيراً جداً، إلا أنها كانت سيطرة سلبية تماماً.. وهو عكس ما حدث فى اللقاء الأول أمام البرازيل، حيث امتلك المنتخب الوطنى الكرة أكثر وأدار المباراة كيفما شاء ـ وتحديداً فى الشوط الثانى ـ وجاء تكتيكياً هذه المرة مختلفاً،
حيث ظل يضغط المنتخب طوال الشوط الأول ومتراجعاً إلى الدفاع المنظم انتظاراً لأى فرصة قد تسنح لهجوم معاكس سريع قد يصنع هدفاً للتقدم.. وقد كان، حيث أحرز المنتخب هدف اللقاء الوحيد وهدف الفوز من ركلة ركنية ـ ضربة ثابتة ـ وهو الأمر النادر حدوثه مع منتخب «إيطاليا» الذى يجيد التمركز الدفاعى أكثر من أى فريق فى العالم.. وسكنت الكرة شباك واحد من أكبر حراس المرمى العالميين، ولم يحرك ساكناً.
بعد المجهود الكبير الذى بذله لاعبو الفريق طوال الشوط الأول وقبله فى مباراة البرازيل، وفى ظل تقدمهم بهدف، كان من الطبيعى أن يضغط المنتخب الإيطالى بكل صفوفه وبكل قوة لأنه لم يتخيل أن يخرج مهزوماً من هذا اللقاء الذى قد يكلفه الخروج تماماً من البطولة فى دورها الأول فحسب!.. وسرعان ما فرض سيطرته الكبيرة على اللقاء، وظهرت الكثير من الأخطاء الدفاعية والتى كادت أن تكلف منتخبنا هدفاً..
إلا أن حارس مرمى المنتخب المصرى (عصام الحضرى) كان له رأى آخر مغاير تماماً لسير أحداث هذا الشوط ـ العصيب جداً ـ وتصدى وحده لعدد هائل من الهجمات التى لا يمكن ألا تسفر عن أهداف..
ولكن «الحضرى» الذى بدا مهزوزاً كثيراً فى آخر مباراتين مع المنتخب عاد إلى صورته المعروفة، وتصدى إلى كرات لا يمكن لأى حارس مرمى غيره أن يتصدى لها ـ كما عهدناه سابقاً ـ وصنع الفارق هذه المرة، وكلما جاءت الكاميرات على وجه أحد لاعبى إيطاليا، تذكرنا نفس نظرات الحسرة التى كانت تصيب «دروجبا وإيتو وغيرهما» عندما كان الحضرى يتصدى لكرات إعجازية.
تحمل المنتخب الضغط كثيراً، وتحامل الحكم عليه، لأنه كان يجب عليه التدخل بحسم ـ ربما طرد ـ مع اللاعب العنيف جداً (جاتوزو) والذى سحق قدم «سيد معوض» فى كرة لا يمكن أن تمر مرور الكرام بعد لحظات من اشتباكه العنيف مع محمد أبوتريكة.. ولاحت عدة فرص للمنتخب المصرى من هجمات مرتدة فى «شوارع» المنتخب الإيطالى الخلفية، إلا أن التسرع والرعونة أحياناً أفسد أى استغلال جيد لها، وربما لو هدأ اللاعبون قليلاً وركزوا بعناية، لأحرز الفراعنة أهدافاً أخرى.
تعامل الجهاز الفنى مع المباراة منذ بدايتها بصورة جيدة جداً، إلا أن إصابة كل من «زيدان ومعوض» أثرت إلى حد كبير على نسق الأداء المصرى، وتحديداً «سيد معوض» الذى أشعل الجبهة اليسرى وكانت مكافأته من «جاتوزو» هذه الضربة المؤذية جداً.. وإن كان «أحمد عيد عبدالملك» لم يقصر ولعب بصورة طيبة جداً هو الآخر، إلا أنه افتقد إلى بعض اللمسات الأخيرة التى كان من الممكن أن تسهل كثيراً من مهمة المنتخب لو أحرز هدفاً آخر..
وحققنا فوزاً هائلاً لن ينساه كل عاشقى كرة القدم فى العالم.. وتتبقى لنا مغامرة جديدة أمام «المنتخب الأمريكى» الذى يجب أن نقدره تماماً وأن نواجهه بنفس التركيز والاحترام اللذين ظهرا خلال لقاءينا السابقين، لكى نمر إلى دور قبل النهائى فى هذه البطولة، ومن ثم الوصول للنهائى الحلم.
ـ سدد منتخبنا ٥ مرات فقط بينها ٣ بين القائمين والعارضة بنسبة دقة فى التصويب ٦٠٪، بينما جاءت النسبة أقل للمنتخب الإيطالى، حيث سدد فقط ٧ مرات بين القائمين والعارضة (٣٧٪) من إجمالى ١٩ مرة.. وكان لدفاع المنتخب الفضل فى ذلك، حيث صححوا أخطاء الضغط على المسدد هذه المرة.
ـ نسبة الاستحواذ جاءت كبيرة لصالح الآزورى، وخاصة فى الشوط الثانى الذى تحكم فيها الطليان تماماً.. إلا أنهم لم يتمكنوا من ترجمة تلك السيطرة إلى نتيجة إيجابية بفضل التألق الكبير للحضرى ومساندة الدفاع له.
ـ جاء زمن اللعب الفعلى متماشياً تماماً مع السيطرة الإيطالية، حيث لعب «المنتخب المصرى» ٣٥ دقيقة بينما لعب المنتخب الإيطالى ٤٣ دقيقة كاملة.. وهو ما منح الأفضلية للآزورى فى استمرار الهجمات على مرمى مصر.
ـ مرر لاعبو المنتخب المصرى الكرة بشكل صحيح ٢٨٥ مرة بمعدل دقة فى التمرير ٦٨٪ مقابل ٤٠١ تمريرة صحيحة للمنتخب الإيطالى بنسبة ٧٧٪.
ـ أفضل فترات التمرير للمنتخب المصرى كانت فى الربع ساعة الأخير من الشوط الأول، وهو الذى شهد إحراز هدف المباراة الوحيد.. أما باقى فترات المباراة، فكان للطليان الكعب الأعلى فى التمريرات الصحيحة.. إلا أنها تقاربت إلى حد ما خلال الربع ساعة الثانى من الشوط الثانى.
ـ ١٣٣ تمريرة خاطئة بين أقدام لاعبى مصر، وهو رقم يزيد على المباراة السابقة أمام البرازيل.. بينما شهدت المباراة ١١٩ تمريرة خاطئة للمنتخب الإيطالى!
ـ آخر نصف ساعة من اللقاء شهدت أكبر نسبة تمريرات خاطئة للمنتخب، وهو ما سمح للمنتخب الإيطالى بالضغط المتواصل على الفراعنة فى مناطقهم الدفاعية.. بينما كانت آخر ربع ساعة من الشوط الأول هى الأسوأ فى تمرير الآزورى.
ـ مرر هانى سعيد الكرة كثيراً مقارنة بمحمد شوقى، ولكن لوجود شوقى فى منتصف الملعب، فإن له الأفضلية فى النتيجة النهائية لدقة التمرير.. وإن كان «أبوتريكة» هو أكثر من مرر الكرة عموماً.
ـ بالإضافة إلى تكرار نفس ما حدث فى اللقاء السابق، حيث جاء الحضرى كأقل من مرر الكرة نظراً لعدم التمركز الجيد من لاعبى الهجوم ولقوة تسديد الحضرى أيضاً.. وبعيداً عنه، فإن أحمد سمير فرج خلال الوقت الذى شارك فيه «٢٢ دقيقة» هو الأقل دقة فى التمرير بنسبة «٤٦٪ فقط»!!
ـ التمريرات المتوسطة ـ وخاصة فى منطقة وسط الملعب ـ هى الأعلى بين كل تمريرات المنتخب المصرى ١٥٨ تمريرة صحيحة، بينما جاءت التمريرات الأمامية الطويلة الصحيحة قليلة بعض الشىء ٥١.. بينما أخطأ اللاعبون فى التمرير المتوسط أيضاً ٦٩ مرة.
ـ محمد أبوتريكة وحسنى عبدربه هما أكثر من سدد على المرمى «٣ مرات بينها واحدة بين القائمين والعارضة»، وكرة حسنى التى أخرجها بوفون بصعوبة وكرة أبوتريكة التى علت العارضة بقليل هما أفضل الكرات المسددة.
ـ مرر أبوتريكة ٣ تمريرات إيجابية، بينها تمريرة الهدف من الركلة الركنية.. ويواصل أبوتريكة الأداء الجيد إلا أنه كان أقل هذه المرة، وإن بذل مجهوداً كبيراً جداً.
ـ ٥ عرضيات سليمة من إجمالى ١٤، والنسبة ٣٦٪.. وهى بالتأكيد ضئيلة جداً، إلا أن الهيكل العام لأداء الفريق هو ما فرض ذلك فى أغلب أوقات المباراة.
ـ أكثر من ارتكب أخطاء هو «أحميد سعيد ـ أوكا».. والأخطاء التى اقتربت من منطقة الجزاء شكلت خطورة فائقة، إلا أن الحضرى كان دوماً متيقظاً فى تجهيز الحائط الدفاعى، وهو ما جعل معظمها يطيش خارجاً!.
ـ أكثر اللاعبين تحركاً وتغطية لمساحات فى الملعب، كان الثلاثى على الترتيب: (محمد حمص ١١.٩كم، محمد أبوتريكة ١١.١كم ومحمد شوقى ١١كم)، والثلاثى لعب الـ٩٠ دقيقة كاملة، بينما جاء «أحمد حسن» كأقل اللاعبين تغطية لمساحات فى الملعب جرياً (١.٧كم) وإن كان فقط خلال ١٠ دقائق فترة اشتراكه فى المباراة.