قال الرئيس «أوباما»، فى حوار نشرته «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع، إن بلاده سوف تواجه منافسة اقتصادية حقيقية، من الهند، والصين، والاتحاد الأوروبى، والبرازيل، وكوريا الجنوبية، وحين سألوه عن السبب الذى يدعو هذه الدول، دون غيرها، إلى مزاحمة واشنطن عالمياً، كان رده أن شيئاً واحداً يظل أساس المنافسة، هو التعليم..
فالتعليم، فى الدول المشار إليها، وصل إلى مستوى جعل الولايات المتحدة شديدة القلق مما يجرى هناك على مستقبلها، ثم جعلها، وهذا هو الأهم، قلقة جداً، على التعليم فيها، ومهتمة بمضاعفة الدعم الموجه إليه!
وليس فى هذه الدول، ولا فى أمريكا، تعليم حكومى، ولا حتى تعليم خاص، وإنما كله تعليم أهلى لا يهدف إلى الربح، ويقوم بكامله على كاهل المجتمع المدنى، والمساهمات الأهلية، بشتى صورها.. وهذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ التعليم، فى أى بلد.
ولابد أننا جميعاً نعرف ذلك، ونحفظه، ثم نكرره دون جدوى.. ربما لأننا لا نعرف من أين بالضبط تكون البداية نحو تعليم، من هذا النوع، فى بلدنا.. ولست أدعو أحداً إلى شىء، إلا إلى أن يعود لقراءة مقال الدكتور أيمن محمد الجندى فى «المصرى اليوم»، أمس الأول..
فالرجل يبدو أنه مهموم للغاية، وحزين، على إهدار طاقة هائلة فى المجتمع، يمكن أن تتوجه إلى التعليم الأهلى، بكل قوتها، فيحدث لدينا تغيير جذرى، على المدى البعيد..
هذه الطاقة، هى طاقة جماعة الإخوان تحديداً، على العمل.. فقد ثبت أن لديهم طاقة بلا حدود، وهى يمكن أن تكون أداة للبناء، بمثل ما تكون أداة للهدم، ولكن المشكلة الفعلية، أن الاحتمال الثانى هو السائد حتى الآن، ربما لأن الجماعة تنازع السلطة على ما فى يدها،
بما أدى إلى صداع متكرر، خسرنا بسببه الكثير جداً، ولانزال، وسوف نظل نخسر، كبلد، لو استمر الأمر على ما هو عليه الآن بين الطرفين..
فحالة الطوارئ معلنة منذ ٢٨ عاماً، باسم الإخوان، وتعديل الدستور لرفع الإشراف القضائى على الانتخابات كان باسم الإخوان، واغتيال السادات وخسارة البلد فيه كان باسم الإخوان، أو على الأصح جماعة خارجة من داخل الإخوان، وتمزيق النقابات وضرب وحدات المجتمع المدنى بكل أصنافها كان ولايزال باسم الإخوان، ومصادرة مستقبل البلد ذاته كان ولايزال من جانب الحزب الوطنى باسم الإخوان..
فماذا لو قرر الإخوان تقديم مستقبل البلد على أى طموح آخر فى السلطة، واتجهوا بكامل هذه الطاقة الجبارة إلى العمل الأهلى، ابتداءً من زرع الشجر، مروراً بحملات تنظيف الشوارع، وانتهاءً بتبنى مبادرات العمل التطوعى فى التعليم..
ماذا لو فعلوا ذلك، ومعهم أى جماعة مسيحية لديها القدرة والرغبة فى أى عمل خيرى، من أى نوع.. ماذا لو كانت طاقة الإخوان وغيرهم من المتطوعين، لنا، لا علينا؟!
ماذا لو كانت مضافة إلينا، بدلاً من أن تكون مخصومة منا؟! ماذا لو ساندوا الدولة، بدلاً من أن يناوئوها؟! ماذا لو كانوا عاملاً مساعداً فى حركة المجتمع، بدلاً من أن يكونوا عبئاً على هذه الحركة؟!
ماذا لو نأوا بأنفسهم عن «وسخ السياسة» وقرروا الانهماك فى انتشال الملايين من الفقر، والبؤس، والتعاسة؟!.. ماذا لو كان التعليم الأهلى المتنوّر هو قضيتهم الأولى، والأخيرة، من الآن، ولعشرين عاماً مقبلة؟!..
وقتها فقط سوف نضاف إلى الدول التى أشار إليها «أوباما» بالاسم.. أما قبلها، فسوف تظل هذه الطاقة، بكل إمكاناتها، مهدرة فى كل اتجاه.. وسوف تظل تهدم، وهى تعتقد، بحسن نية، أنها تبنى!!