ممسكا السيجارة بيمناه ، وفي اليد الأخرى كوبا من الشاي أو هاتفه المحمول ، يقود مصطفى نور الدين سيارته الأجرة "الميكروباص" في وسط شوارع القاهرة المليئة بالفوضى ، ويلوح بين حين وآخر بيده إلى هذا وذاك ، ويسب سائقا ثانيا وهو يحاول مراوغته بكل براعة ، ثم يقترب بشدة من فتاة شابة تعبر الطريق لدرجة أن استطاع جميع من في السيارة شم رائحة عطرها!
لمحة من الحالة المرورية الفوضوية في شوارع القاهرة يرصدها طارق الطبلاوي مراسل وكالة أسوشييتدبرس للأنباء في تقرير مطول تحدث فيه مع بعض السائقين والمسئولين عن أسباب هذه المشكلة ووسيلة الخروج منها.
ويقول سائق الميكروباص ويدعى نور الدين – 42 عاماً – عن السر وراء قيادته لسيارته بهذا الأسلوب : "القيادة في القاهرة مثل لعب الأتاري , فعليك ان تراوغ كل شيء يمشي في الطريق ، بداية من الأوتوبيسات وعربات الكارو وحتى المشاة ، أنت في صراع للوصول إلى وجهتك بدون أن تصدم أيا منهم أو يصدمك أحد ، أو تأخذ مخالفة مرورية ، لكن الفارق هنا أنه لا يوجد زر للإعادة , لأنك ببساطة لست في لعبة"!
ومع زيادة أعداد السيارات الجديدة في الشوارع ، يزداد مرور القاهرة ازدحاما وتتقارب المسافات بين السيارات حتى وصلت الآن إلى بضعة ميلليمترات ، خاصة مع زيادة أعداد السيارات من 167 ألف سيارة عام 1970 إلى 4,4 مليون سيارة عام 2008 ، وهو ما جعل المشكلة تتفاقم إلى حد دفع الحكومة إلى إطلاق حملة لتوعية المواطنين وللترويج لقانون المرور الجديد المثير للجدل.
ويكشف جعفر حسين مندوب منظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط النقاب عن أن عدد الوفيات جراء حوادث المرور في مصر ، وبحسب ما أعلنته وزارة الصحة المصرية ، وصل إلى 7149 قتيلا عام 2008 ، أي بزيادة نسبتها 9% عن عام 2007 ، ولا توجد دولة أخرى في المنطقة تفوق مصر في عدد الوفيات إلا إيران التي بلغ عدد المتوفين في حوادث المرور فيها إلى 22,981.
وتنوي منظمة الصحة العالمية إصدار تقرير بالمناطق الأعلى في حوادث المرور في شهر يونيو المقبل.
لكن الأرقام التي عرضتها مصر لا تتضمن تلك التي تحتفظ بها الوزارات الأخرى ، حيث يؤكد حسن أن عدد ضحايا حوادث الطرق لابد وأن يكون أعلى من الرقم المُعلن بكل تأكيد.
ولغز الاختناق المروري اليومي في القاهرة - أكثر الدول العربية ازدحاما وكثافة سكانية - يعبر بشكل أو بآخر عن سوء التخطيط والفساد وعن مواطنين وصلوا إلى الحد الأقصى من الضيق ، بحيث لم يعد يهمهم خرق القانون ، والذي تكون عقوبته الحبس ، هذا بالإضافة إلى التحدي الأساسي الذي تعيشه مصر , وهو أن 95% من سكانها الذين وصل عددهم إلى 78 مليون مواطن يعيشون على 5% فقط من أرض الجمهورية , حيث يعيش حوالي ربع السكان في القاهرة وحدها!
وتنقل وكالة أسوشييتدبرس في تقريرها عن الحالة المرورية في مصر عن مسئول قوله : "هل تستطيع أن تتخيل كيف يعيش كل هؤلاء على هذه المساحة فقط؟ لقد تحولت الأرصفة إلى أماكن لبيع الكتب , وتحولت الجراجات إلى مطاعم , كل ذلك بدون أي دراسة لتأثير كل هذه التعديات على المرور".
وأضاف : "لكن المشكلة الحقيقية تكمن في السائقين وعدم الاحترام لقواعد المرور".
وتمضي الأسوشييتد برس في تقريرها قائلة : "خمس دقائق قيادة في شوارع القاهرة كفيلة بأن تجعلك ترى من المخالفات ما لا يعد ولا يُحصى , مثل السيارات التي تعبر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فجأة وبدون أي تنبيه , أو عدم ارتداء حزام الأمان , أو تجاهُل الإشارة الحمراء , أو الأوتوبيسات التي تُقوم بإنزال الركاب في منتصف الطريق.
وفي مواجهة كل ذلك , أصدرت الحكومة قانونا مروريا جديد اعتبره أحد المسئولين في وزارة الداخلية من أشد قوانين المرور على مستوى العالم , بحيث وصلت عقوبة القيادة عكس اتجاه السير إلى الحبس 4 أيام , وقد تصل الغرامة في بعض المخالفات الأخرى إلى 1200 جنيه مصري 200 ، وهو مبلغ ضخم بالتأكيد في بلد يعيش فيه 20% من السكان تحت خط الفقر بدخل دولارين في اليوم الواحد.
نورالدين - الذي تتراوح يوميته اليومية بين ما يعادل 10 - 20 دولارا يوميا (حوالي 50-100 جنيه مصري) ويعول 4 أطفال , يتساءل عن إمكانية دفع مثل هذه الغرامات الكبيرة مقارنة بما يكسبه!
لكن أغلبية السائقين مثل نور الدين يرون أن القانون لا يتم تطبيقه بطريقه صحيحة , لأن الأغنياء وذوي النفوذ يستطيعون المرور دون تحرير أي مخالفات ضدهم , حيث قال نور الدين : "إذا كانوا يريدون الحد من الاختناق المروري , فيجب أن يعامل الكل بنفس المعاملة , لا يجب أن يكون هناك أي شخص فوق القانون , لكن لا تطلب مني أن أتبع قانونا لا يتبعه المسئولون أنفسهم" ، ولكن المسئولين في وزارة الداخلية – بحسب تقرير الأسوشييتد برس – ينكرون وجود أي محاباة أو مفاضلة لأي شخص في تطبيق قوانين المرور!