تواردت الأنباء في الآونة الأخيرة, عن توجه الحكومة المصرية نحو إقرار مشروع قانون بتعديلات واسعة وجوهرية في البنود المتعلقة بالأحوال الشخصية, وهي البنود الوحيدة المتبقية من أحكام الشريعة الإسلامية في التشريعات المصرية. وقد جاءت تلك التعديلات على صورة مثيرة للريبة, من حيث سريتها وسرعتها ومفاجأتها, وزاد العجب من طريقة إخراجها أن الجهات التي تقوم بإعدادها – وهي وزارة العدل, والمجلس القومي للمرأة, ولجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم – هي جهات غير مخولة شرعا ولا نظاما بالتشريع في قضايا اجتماعية تتعلق بالحلال والحرام, كما أنها مضت في مشروع التعديل بالرغم من معارضة مجمع البحوث الإسلامية للعديد من بنودها المتعارضة مع الشريعة.
وقد أعلن عن الانتهاء من مراجعة مشروع القانون, بعد مرحلة من التكتم والسرية البعيدة عن الإعلام, لدرجة أن المستشار (ممدوح مرعي) وزير العدل المصري, صرح في 31 مارس 2009, (بحسب ما نشره الموقع الرسمي للحزب الوطني الحاكم) بأن وزارته انتهت من مراجعة مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية, مشيرا إلى أنه يشمل ثلاثة فروع, أولها: الأحوال الشخصية لدى المسلمين, وثانيها : الأحوال الشخصية لغير المسلمين, وثالثها: قانون خاص بالطفولة, في منظومة متكاملة, قال إنها تعالج كافة الثغرات والمشكلات, التي كشف عنها التطبيق العملي للقوانين السابقة! وقال في تصريح نشره الموقع أيضًا "إن التشريعات الاجتماعية لابد أن تتغير بطبيعة الحال خلال فترة من الزمن, ولا يمكن أن تكون هناك قوانين قديمة تحكم الأسرة في الوقت الراهن" !! وقال الوزير "التشريعات الاجتماعية وتشريعات الأسرة وتشريعات الأحوال الشخصية ,بحاجة إلى تغيير كل فترة ,حتى نسير مع متغيرات المجتمع ".
وتبين من الأخبار المسربة عن هذه التعديلات السرية؛ أنها تشمل إجراء إعادة تعريف للزواج والطلاق, ومن ثم إعادة صياغة التشريعات الخاصة بهما, كما يشمل تشديد القيود في تشريع الطلاق بحيث يشترط إمضاؤه أمام شاهدين, تبعا للمذهب الشيعي, ويتضمن القانون – بحسب التسريبات – بندًا عن إلغاء خانة الديانة في البطاقة الشخصية، وهو ما يفتح بابًا للتلاعب بالنسبة العددية لبعض الفرق والطوائف غير الإسلامية، ويشمل مضاعفة القيود في تعدد الزوجات بحيث لا يحصل إلا بإذن الزوجة أو القاضي, وكذلك إجراء تعديلات فيما يتعلق بقضايا الحضانة والنفقة وغيرها, بدعوى تمكين المرأة وإنصافها من الرجل, وهو ما يفتح أبوابا جديدة للعبث التشريعي الساعي إلى فرض علمانية اجتماعية بقوة القانون, تواكب كلا من العلمانية السياسية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية, التي تتطلع الأمة للتخلص من آثارها المدمرة.
والموقعون على هذا البيان؛ إذ يحذرون من خطأ التمادي في تحدي إرادة الأمة للعودة إلى الشريعة تقنينا وتطبيقا؛ ليقررون خطر التعدي على دينها تشريعا وتنفيذا, ويؤكدون في هذا الصدد على الأمور التالية:
أولاً: أن أحكام التشريع – ومنها الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية – هي أمور تعبدية، والتشريع فيها حق خالص لله تعالى, ولا يجوز لجهة كانت أن تتدخل في تقرير الحظر أو الإباحة فيها, إلا بأدلة الشريعة التي لا يتكلم فيها أو يجتهد بشأنها إلا أهل الاختصاص والفتوى, وهذه الأدلة وحدها هي التي تحدد أطر المصلحة التي تعود على الرجل والمرأة على حد سواء.
ثانيا: أن مطلب الشعب المصري كان وسيظل؛ هو العودة إلى الشريعة تحاكما وحكما ,لا المزيد من العودة عن ذلك, وهذا المطلب حق مقرر له شرعا وعقلا وعرفا, كما أن دستور البلاد الذي ينص في مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؛ يحظر صدور تشريعات أو تعديلات مخالفة لأحكام تلك الشريعة.
ثالثا: أن المسئولية في إقامة شريعة الإسلام في البلاد؛ أمانة في أعناق كل المسلمين, ولذلك لا يجوز لهم أن يسمحوا تحت أي ظرف أن يمرر العبث بما تبقى من الشريعة في القوانين المصرية تحت أي ذريعة من الذرائع.
وعلى هذا فإن الموقعين على هذا البيان يطالبون بما يلي:
1- الكف عن المضي في تمرير تلك المؤامرة, بالكشف عن تفاصيل ذلك المشروع أمام علماء الأمة قبل أي شروع في عرضه للمناقشة أمام مجلس الشعب, حتى لا يتكرر تمريره قانونا ملزما, مثلما حدث في مشروعات سابقة, كقانون الخلع وقانون الطفل وغير ذلك.
2- امتناع نواب الشعب عن إقرار التغيير في أي من أحكام الشريعة, وتوقف الشعب عن التحاكم إلى أمثال تلك القوانين المبدلة, حتى لا يكونوا مشاركين في إثم تبديل الشريعة.
3- عدم الاستجابة لتوجهات وتحركات المؤسسات والمنظمات العلمانية ذات الأجندات الخارجية المشبوهة, والتحرك شعبيا وقضائيا ضد تربصها بالخصوصيات الاجتماعية للمسلمين في مصر, ووضع أطروحاتها ومشروعاتها تحت مجهر المراقبة الشرعية الدائمة