بين فريد وعبد الحليم
هل كان فريد منافسا لعبدالحليم حافظ؟
الإجابة القصيرة هى نعــم ، لكن الواقع أن فريد الأطرش قد بدأ مشواره الفنى قبل عبد الحليم بخمسة عشر عاما ، والأصح أن يكون عبد الحليم هو المنافس لفريد الذى كان قد ثبتت أقدامه فى الميدان الفنى والسينمائى عند ظهور عبد الحليم لأول مرة
هناك عدة أوجه لتلك المنافسة
أولا الصوت
امتلك كل من فريد وعبد الحليم أدوات مختلفة للتفرد فى الصوت ، وبينما كان صوت عبد الحليم محدودا من ناحية اتساع مساحته مما أدى إلى عدم قدرته على الوصول إلى مناطق صوتية ذات أبعاد عليا كان فريد يستعرض تلك القدرات فى عديد من أغانيه خاصة مقاطع الموال ، ومن ناحية أخرى تمتع عبد الحليم بصوت سلس وأداء طبيعى سهل بينما اضطر فريد إلى الافتعال والتكلف فى معظم أعماله
ثانيــا الألحان
صحيح أن عبد الحليم لم يكن ملحنا بينما كان فريد من أبرز الملحنين وقد لحن لنفسه ولغيره ، لكن الأغنية عمل متكامل من عناصر اللحن والكلمة والأداء ولابد ان تقيم على هذا الأساس ، إذ لا يمكنك الاستماع إلى صوت جميل لمجرد سماع الصوت فإن لم يجتذب اللحن الأذن لن يصبح للصوت وحده قيمة فنية ، وفى حالة عبد الحليم وفريد كانت المنافسة بين فريد كملحن وبين ثلاثة من كبار الملحنين هم كمال الطويل ومحمد الموجى ومحمد عبد الوهاب نفسه ، وهم من لحنوا لعبد الحليم فكان على فريد منافسة هؤلاء الملحنين بالإضافة إلى المنافسة الصوتية مع عبد الحليم ، ولا شك أن المنافسة فى التلحين أصعب بكثير خاصة مع ملحنين مختلفين ويظهر أنها كانت مباراة غير متكافئة لذلك حققت أغانى عبد الحليم نجاحا أكبر ، ولا ننسى أن هؤلاء الملحنين الثلاثة كانوا يتنافسون فيما بينهم فى التلحين لعبد الحليم وبالتالى كان كل منهم يقدم أفضل ما عنده وعينه على الملحنين الآخرين ، وقد جرت منافسة شبيهة تحدثنا عنها فى موضع آخر من هذا الموقع بين محمد عبد الوهاب المطرب وبين المطربة أم كلثوم ، وكان على عبد الوهاب مواجهة ثلاثة ملحنين أكفاء لحنوا لأم كلثوم هم محمد القصبجى وزكريا أحمد ورياض السنباطى إلى جانب منافسته لأم كلثوم فى الغناء ، وقد كسب عبد الوهاب تلك المعركة فى حينها
ثالثــا الموضوع والكلمات
تنوعت الموضوعات التى طرقها عبد الحليم بين العاطفى والوطنى الذى أكثر منه ولاقى قبولا شعبيا واسعا ساعدت على نجاحه دون شك ، بينما كان فريد مقلا فى أعماله الوطنية ، ويظهر أنه لم يكن باستطاعته الإكثار منها لسبين ، أولهما أن الحدث الأساسى الملهم للأغانى الوطنية كان الثورة المصرية وقيمها ونظمها المستحدثة ، ورغم أنها تمتعت ببعد قومى عربى ظلت القومية العربية راية من رايات الحركة الثورية فى مصر وليس محركا لها ، ولم يكن من الممكن لفريد الذى لم يكن يتمتع بأصول مصرية التعبير عن مشاعر المصريين بطريقة مقبولة أو مقنعة خاصة أن طريقة نطقه احتفظت بأصول لهجته اللبنانية ، وإن كان قد فعل ذلك فإنه لم يكن لينج من الاتهام بالنفاق أو التدليس ، ولذلك اقتصرت أعماله الوطنية على البعد العربى فقط مما أخرجه من المنافسة الوطنية
رابعا القبول لدى الجماهير
كان عبد الحليم حافظ فى سن الشباب وكان عليه منافسة اثنين من كبار المطربين هما عبد الوهاب وفريد ، وكما ذكرنا فإنه اكتسب جانب عبد الوهاب بغناء ألحانه وأظهر عبد الوهاب مهارة خاصة فى التلحين لعبد الحليم كما أشركه فى عدة أعمال جماعية مع أصوات أخرى انضم إليها عبد الوهاب مغنيا أيضا ، وبعبارة أخرى حدث نوع من التبنى من عبد الوهاب لعبد الحليم أثمر فى النهاية عن اشتراكهما فى تكوين شركة إنتاج فنى وبهذا انتهى الموقف التنافسى بينهما ، وبقى على عبد الحليم مواجهة فريد ، ورغم اشتراكهما فى تقديم صورة المحب الرومانتيكى الضعيف فى الأغانى العاطفية إلا أن عبد الحليم قد أضاف صورا أخرى أكثر تفاؤلا بل قدم أحيانا صورا للتمرد العاطفى إن جاز التعبير ، بالإضافة إلى ذلك فإن البعد الوطنى قد حمل عبد الحليم عاليا بين الجماهير كما أشرنا حيث كان المد الوطنى هو محرك كل الأحداث فى الخمسينات والستينات ، ونعود هنا لإضافة عامل البساطة فى أداء عبد الحليم حافظ كعامل أساسى فى انتشاره حيث شعر الناس أن بإمكانهم ترديد أغانى عبد الحليم بينما كان من الصعب على الجمهور ترديد أغانى فريد الكيرى والتى ضمنها جملا لحنية صعبة تحتاج لمطرب محترف وليس باستطاعة الجمهور أداؤها ، وربما لهذا السبب كان فريد يعمد من حين لآخر إلى تقديم أغنيات قصيرة سهلة يستطيع الجمهور ترديدها
خامسا الإعـــلام
ما السبب في عدم انتشار الاطرش كانتشار عبدالحليم حافظ ؟ هل صحيح لأنه لم يكن يقيم علاقات كثيرة مع الاعلاميين مثل عبدالحليم بإقامة الولائم؟
تعرضنا حتى الآن لأكثر من عامل أدى إلى انتشار عبد الحليم أكثر من فريد الأطرش ، لكن موضوع الإعلام موضوع شائك إلى حد ما ، وبصرف النظر عن أن كثير من الفنانين اضطر إلى مجاملة الإعلاميينن وأن بعض الإعلاميين يتمتعون بلا مبالاة كبيرة إزاء الفن ويتخذون من سلطاتهم مدخلا للإثراء ويعتبرون هذا نوعا من البيزنس ، حتى أن صاحب محطة فضائية صرح بأنه لن يسمح لأى فنان بالظهور فى محطته ما لم يدفع وأنه " لو فيروز نفسها بتحب تفوت ما بتفوت إلا تدفع" ، وقد اعترف محمد عبد الوهاب بأنه كان يضطر إلى تذكير الإعلاميين بنفسه وبين الحين والآخر يطلب أحدهم تليفونيا ليسأله لماذا لم يسمع أغانيه مؤخرا ، وأم كلثوم أيضا ، فإن الحقيقة أن فريد الأطرش هو أكثر النجوم استخداما لهذا السلاح كمدخل للشهرة ، وكانت ولائم فريد هى الأكثر والأشهر بين جميع الفنانين على الإطلاق
ونضيف هنا عاملين آخرين ، أولهما أن الإعلام هو الذى سعى لضم عبد الحليم وليس العكس ، وثانيهما أنه من المعروف عن فريد الأطرش سخاؤه البالغ مع الموسيقيين الذين كونوا فرق الموسيقى المصاحبة لأعماله لاجتذابهم ، ومن المعروف عن العازفين المحترفين أنهم يذهبون إلى من يدفع أكثر ويلتزمون بمواعيد بروفاته ويهتمون بأعلى مستوى أداء له ، وقد نجح هذا الأسلوب مع فريد وحقق له مستويات مرتفعة من الأداء
لما لم يأخذ بريق عبد الحليم؟ رغم أنه يزيد على عبد الحليم بموهبة التلحين في حين ان عبد الحليم لم يلحن أغنية واحدة
سبق الإشارة إلى هذا فى أكثر من موضع