أحد أبناء الدار: نعيش كالأموات في مقبرة ومسئولو الدار يضربوننا .. وعضو مجلس الإدارة بنفي
لاتكاد تخطو خطواتك الأولي داخل هذا المكان إلا وتدرك أنك دخلت إلي سجن كبير وأكثر ما يلفت النظر فيه أسواره الحديدية. بوابته الحديدية تنفتح أمامك ببطء لا يوحي بأي ارتياح، فالمكان وهو ملجأ ليلة القدر للأيتام بـ 6 أكتوبر، يبدو للوهلة الأولي مهجوراً قد خلا من كل مظاهر الحياة. مظاهر النظافة اختفت أيضاً بدورها فبقايا الطعام ملقاة بعد أن تجمعت عليها أسراب الذباب. هذه الأوضاع نعرضها بالصور ونقدمها إلي كل المسئولين والمنادين بحقوق الأطفال في مصر قبل أيام قليلة من عيد الطفولة لعلهم يتذكرون شيئاً من خطبهم التي تملأ الدنيا ضجيجاً وصخباً.
لم تكن دار أيتام ليلة القدر علي هذا الحال عندما كان مؤسسها الكاتب الصحفي مصطفي أمين علي قيد الحياة، فالدار كانت كفندق خمس نجوم كما يصفها سامي حسين ـ أحد أبناء الدار ـ قائلاً: «عندما وصلت إلي تلك الدار كان عمري عامين.. وكنت أشعر بأنني في فندق خمس نجوم حتي توفي الله بابا مصطفي أمين، فتغيرت كل الأوضاع»، ويبرر «سامي» هروبه من الدار منذ خمس سنوات إلي ما سماها بالأوضاع القاسية التي أصبحت عليها الدار بعد وفاة مصطفي أمين، وأضاف: «بعد وفاة هذا الرجل لم أكمل تعليمي، ولم أتعلم مهنة ويعاملوننا في الدار معاملة سيئة». سامي الذي هرب من الدار قبل خمس سنوات، لم يجد أي مكان ينام فيه إلا الشارع بجوار أحد الأوناش التي يعمل عليها كمساعد سائق.
سوء أوضاع دار أيتام ليلة القدر يرويها «علي سعيد» الذي يبلغ 19 عاماً، وقد غادر الدار منذ عام تقريباً دون أن ينهي تعليمه ويعمل حالياً في ورشة إطارات سيارات، ويحكي «علي» ما تعرض له أثناء تواجده في الدار قائلاً: «لم نكن نتعرض فقط للإهمال، فمسئولو الدار كانوا يضربوننا ويحبسوننا حتي هرب عدد كبير من أبناء الدار»، ويصف «علي» أوضاع الدار حالياً: «المكان الآن يعاني من فوضي تامة، فلا توجد إدارة ولا مشرفون ولا إخصائيون اجتماعيون.. نحن نعيش هنا كالبؤساء.. نحن نعيش كالأموات في مقبرة».
المقبرة التي فر منها «علي» لم تكن رحيمة بأخواته من البنات كما يحب أن يسميهن فمعظم بنات الدار أصبحن في سن المراهقة، ويواجهن الكثير من المشاكل دون أن يتدخل أحد مسئولي الدار لحلها. هؤلاء الذين لم يجدوا من يهتم لأمرهم، ولم يجدوا من يعلمهم، حاولوا أن يعبروا عن معاناتهم من خلال شكوي وقع عليها 12 من أبناء الدار، عبروا فيها عن معاناتهم حيث لم يعد التعليم متاحاً لأي من أبناء الدار الذين يبلغ عددهم 55 صبياً حيث لا يذهب منهم إلي المدارس إلا أربعة فقط، لا يحصلون علي الزي المدرسي أو الأدوات المدرسية. وأوضحت الشكوي أن «تامر محمود» ـ عضو مجلس إدارة الدار ـ قام بسحب ملفات التعليم الخاصة بعدد من أبناء الدار بحجة نقلها إلي المدارس أخري لكنه تركهم بدون مدارس. ويروي الموقعون علي الشكوي عن أحد أبناء الدار الذي يدعي «عماد السيد السيد»، وتفوقه الدراسي حتي أنه حصل علي المركز الرابع علي الجمهورية لكن إهمال مسئولي الدار أدي إلي تركه التعليم وعمله كصبي في أحد المقاهي. يشتكي أيضاً أبناء دار ليلة القدر من المستوي السييء للطعام داخل الدار، وعدم توافر أطباق أو ملاعق حتي اضطر المقيمون في الدار إلي تناول طعامهم في أغطية الأواني الكبيرة بدلاً من الأطباق. أما الأنشطة الاجتماعية فقد اختفت تماماً منذ سبع سنوات حيث آخر رحلة قامت بها الدار.
عذاب هؤلاء لايتوقف عند حرمانهم من التعليم والملبس والمأكل بل يصل إلي حد النوم علي «مراتب» لم يتم تغييرها منذ 10 سنوات حتي أنها أصبحت بقايا أسرة ومراتب لاتصلح للاستخدام الآدمي بالإضافة إلي أن عدداً من أبناء الدار بعد هربوهم منه باتوا ينامون في محلات مركز تجاري مهجور يدعي «سنتر النخيل». بس الإهمال وحده سبب هروب أبناء الدار منه بل المعاملة السيئة التي يتعرضون لها من قبل الإدارة وبأيدي عدد من أبناء الدار تستخدمهم الإدارة لضرب وتعذيب من يخالف الأوامر تحت سمع وبصر أحد أعضاء مجلس الإدارة، ووفقاً لما ورد في الشكوي فمعظم أبناء الدار يعانون عدم حصولهم علي بطاقات شخصية حتي تعرض معظمهم للحبس لمدة 24 ساعة «تحري» وعندما طالبوا باستخراج بطاقات من مسئولي الدار قالوا لهم:«اللي مش عاجبه.. الباب يفوت جمل»
من جانبه رفض المهندس تامر محمود الرد علي الاتهامات المنسوبة إليه، وقال: «أنا أترفع عن الرد علي هذه المذكرة والشكاوي الخرافية، مؤكدا أن كل هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة».
وقال سعيد هداهد، مدير إدارة التضامن الاجتماعي بـ 6 أكتوبر: استقبلت عددا من الشكاوي منذ فترة وتم تشكيل لجنة وذهبت إلي الدار، وأكد أن أبناء الدار لهم مستحقات منذ دخولهم الدار وحتي خروجهم. حتي لو وصلوا إلي السن القانونية وأن معظم أبناء الدار لم يأخذوا هذه المستحقات وجار التحري والبحث الاجتماعي حول هذه المشكلة