كانت دقات الساعة تقترب من الثالثة فجراً عندما وصل إلي منزله محملاً بالهدايا ومعه حقائب كثيرة والتي تدل علي عودته نهائيا الي أرض الوطن معلنا وداعه للغربة القاتلة.
أخذ قراره بالاستقرار أخيراً بعد أيام طويلة في الغربة دامت أكثر من خمسة عشر عاماً لم يذق فيها طعماً للراحة أو السعادة ولم يعرف معني الاستقرار أو الدفء الأسري الا في تلك الزيارات التي يختطف أوقاتها من أجواء مسئوليات عمله ليري أسرته الصغيرة والتي يعود بعدها إلي حياته العملية الروتينية المملوءة بالعمل وأعبائه التي لا تنتهي.
كان طوال فترة غيابه قلبه مطمئنا علي أسرته بالرغم من عدم وجود أشقاء له فهو أصلاً وحيد أبويه لكنه كان يعتمد بشكل أساسي علي صديق عمره الذي فضل العمل داخل أراضي الوطن بعد حصوله علي احدي الوظائف المرموقة وبالفعل كان كلما سأل زوجته عن أحوالها وكيفية تلبية طلباتها كانت تطمئنه بأن "صديق عمره" ونعم الصديق الوفي والذي يلبي لها طلباتها بمجرد أن تطلبها منه لذا توطدت بينه وبين صديقه العلاقة حتي أصبح يعتبره واحدا من عائلته ويغدق عليه بالهدايا جزاء معروفه واهتمامه.
في تلك الليلة عاد بعد ان قدم استقالته وصفي كل أعماله بالخارج وقرر العودة نهائياً لينعم بدفء أسرته الذي حىرم منه من أجل تحسين مستوي معيشتهم وليستطيع توفير طلباتهم واحتياجاتهم ولكنه قرر ان يفاجيء زوجته هذه المرة بالعودة علي غفلة ليفاجئها ويفاجيء أولاده.. كان المتوقع عندما يفتح باب شقته ان يجد الصمت يغلف المكان والجميع يغطون في نوم عميق لذا دخل متسللاً دون ان يصدر منه أدني صوت وتوجه ببطء إلي غرفة نومه الا ان قدميه تسمرتا عندما سمع زوجته تتحدث مع أحد الأشخاص.. في البداية اعتقد انها تتحدث مع أحد عبر الهاتف الا انه سرعان ما اكتشف ان ثمة أحد معها.. وعلي الفور اندفع للداخل ولم يكن يتوقع ان يتلقي أكبر صدمة في حياته.
كانت زوجته داخل الغرفة ولم يكن معها شخص غريب مثلما أعتقد انما كان "صديق عمره" هنا ثار ثورة عارمة واتهم صديقه بالغدر والخيانة لكونه أمنه علي عرضه وأسرته فخانه وضرب بصداقته وثقته عرض الحائط وبدأ في جذب زوجته وضربها وأخبرهما بأنه سيتصل بالشرطة الا انه فوجيء "بالصديق" يجذبها من يديه وطلب منه الخروج بدلاً من ان يطلب هو الشرطة.
حفرت الدهشة علامات قاسية علي ملامح الزوج المخدوع واتهمهما بالبجاحة والفجور الا ان "صديقه" دخل الي الغرفة وخرج ومعه قنبلة من العيار الثقيل عبارة عن "ورقة زواج رسمية" من زوجته وهنا لم يصدق الزوج عيناه الا انه استوعب المكيدة التي وقع فيها عندما أخرجت له الزوجة ورقة طلاقها منه ولم يجد مفراً من تركهما والرحيل حتي يتمالك أعصابه التي لم تتحمل الخطة الشيطانية التي دبروها له.
ذهب الزوج إلي شقته القديمة بعد ان قاما بطرده وبعد ان علم ان "شقي عمره" كله ذهب هباءً بفضل التوكيل الذي قد حرره لها قبل سفره.
كانت الزوجة قد أحبت "صديق عمره" الذي استغل عدم وجوده وبدأ يغرقها في الكلام المعسول ولم يمنع نفسه من التمادي معها احتراما لميثاق الوفاء الذي عقده مع صديقه وبعد أن صارحها بحبه وبادلته نفس المشاعر قررا الخلاص منه فتقدمت برفع دعوي طلاق لغياب زوجها وأحيلت للفصل فيها قضايا وطلقتها المحكمة لعدم حضور الزوج الذي لم يستدل علي عنوانه وقضت شهور عدتها وتزوجت من "الصديق" الذي طالبها بالصمت حتي تستولي علي كل ما تبقي معه من أموال واستمرت في تمثيل دور الزوجة الوفية حتي نجحت في الاستيلاء علي كل شيء من أموال وأملاك وقامت بنقل ملكيتها لزوجها الجديد حتي عاد الزوج المخدوع فجأة ليفاجأ بالأمر الواقع.
الغريب ان الزوجة لم تكتف بذلك بل قامت برفع دعوي نفقة لأولاده الثلاثة عندما طالبها باسترداد أمواله فقام الزوج برفع دعوي أخري لضم أولاده وحكي قصته الغريبة وبات يذرف دموع الندم بعد ان ضاع "شقي عمره" وثقته في الناس بسبب امرأة خبيثة وطماعة لم تصن العشرة وصديق "غدار" لم يراع حقوق الصداقة.