اثار جانبيه لنجاح مفقود

الفنان‮ - ‬في أي مجال من مجالات الفنون‮ - »‬حالة إنسانية شديدة التعقيد والخصوصية‮« .. ‬وهو شخصية استثنائية بالتأكيد‮.. ‬لاسيما إذا كان ثري الموهبة ممسوساً‮ ‬بمسي من العبقرية والتفرد تكاد تقربه من حالة‮ »‬عدم السواء‮« ‬يصحبها‮ »‬عرض‮« ‬من أعراض البارانويا،‮ ‬مع التأكيد بأن العرض‮ ‬غير المرض بالمرة،‮ ‬وأقرب معني لكلمة العرض هو المرادف في الإنجليزي‮ ‬syndroom،‮ ‬وهي تبدأ مع الفنان‮ »‬علي خفيف‮« ‬ثم تنمو اضطرادا مع تحقيق النجاح‮. ‬وتتضاعف خطورتها إذا كان النجاح علي المستوي علي المستوي الجماهيري محققاً‮ ‬شهرة عريضة للفنان يتجاوز تأثيرها تحقيق الثقة بالنفس إلي نوع من إدمان النجاح وبعد تكرار النجاح عبر سنوات مقاربة ومتعاقبة تبدأ خطورة الإدمان‮.‬ وإذ سبق لنا القول بأن شخصية‮ »‬الفنان‮« ‬تعاني من عدم السواء في بعض الجوانب فالنجاح المتواصل لمدة طويلة وتحقق ما نسميه بالنجومية لابد أن يحول الاعتزاز بالذات والثقة بالنفس الي تضخم‮ »‬الأنا‮« ‬لدرجة قد تقترب من‮ »‬عبادة الذات‮« ‬أو النرجسية المتطرفة مما يجعل من توجيه النقد أو مهاجمة هذا النوع من الفنانين عملية محفوفة بالمخاطر لا يتقبلها الفنان بأي درجة من الموضوعية أو التسامح‮.. ‬فذاته‮ - ‬في اعتقاده‮ - ‬لا تمس‮.. ‬وصورته التي يراها في مرآته لا يمكن أن يصيبها خدش‮.. ‬وتقع الواقعة إذا أساء الفنان من هذا النوع اختيار عمل لا يصادف هوي لدي الجماهير ولا يحقق النجاح‮ »‬المعتاد‮«.. ‬فيكون رد الفعل المباشر لدي الفنان رفضا حاسما وعصبيا لاحتمال الفشل ثم‮ ‬يبدأ في تنظيم حملة مضادة تستخدم كل الوسائل للدفاع عن الفشل بادعاء أنه ليس فشلا وإنما هو النجاح بعينه‮!‬ وقد حفل الموسم الدرامي‮ - ‬آسف‮.. ‬أقصد السوق الدرامي في رمضان الفائت‮- ‬بأمثلة لما أوردناه في السطور السابقة‮ .. ‬تواقتت جميعاً‮ ‬في زمن عرض واحد فأكدت لدينا ما يمكنني تسميته‮ »‬بالعرض الرمضاني‮« ‬Ramadan syndroom‮ ‬بفتح الراء لا تشديدها في كلمة العرض‮ - ‬وأسفرت عن خيبة أمل عريضة في المستوي العام للدراما المقدمة‮. ‬وكان هذا متوقعا لدي الجميع لأنه تراث ما خلفه الانهيار‮ »‬النوعي‮« ‬في الدراما المصرية عبر السنوات الماضية بسبب نظام الإنتاج المرتبط بالسوق التجارية التي تطرد فيها العملة الجيدة لحساب انفراد العملة الرديئة بالساحة‮.. ‬ولم يكن لدينا هذا العام ما ينبئ بتغيير الأحوال والعودة إلي أمضاء الكيف والمستوي الرفيع‮.. ‬لذا اكتأبنا ولم نصم وإنما تشبثنا ببصيص أمل يحوم حول أعمال‮ »‬النجوم‮« ‬الكبار الذين كنا نثق دائماً‮ ‬في اختياراتهم ونحسب لهم حرصهم علي التدقيق والحفاظ علي سمعتهم وشهرتهم‮.. ‬وهنا كانت الصدمة‮.. ‬وللصدمة جذور يجب أن نعرفها لنلتمس العذر للنجوم الثلاثة‮ .. ‬وهو‮ ‬غدر وحيد لا بديل ولا مثيل له‮! ‬ودافعنا الوحيد لالتماسنا إياه‮.. ‬هو حبنا لثلاثة من فناني التشخيص الكبار في مصر وحرصنا عليهم وعلي استمرارية مشوارهم الإبداعي‮.‬ ثلاثة نجوم بثلاث صدمات‮.. ‬واعفوني من ذكر الأسماء‮ .. ‬حتي لا يعتبره أي منهم نوعاً‮ ‬من التشهير‮ »‬رغم ان الرأي نابع من حب وحرص حقيقيين‮«.‬ وإذا كنت أعني بالصدمة ما فوجئنا به من تهافت الموضوعات في الأعمال موضع الأمل الذي خاب‮.. ‬وشاركنا في الإحساس بالخيبة والصدمة‮ ‬غالبية مشاهدي الدراما‮ »‬الرمضانية‮« ‬فإن الأسوأ الذي زاد الطين بلة هو ردود أفعال السادة والسيدات أصحاب هذه الأعمال علي رد فعل جمهور المتلقين‮.‬ لقد فوجئنا‮ - ‬في الحقيقة لم نفاجأ لأن السلوك متكرر وكان يجب أن نتوقعه‮ - ‬صحيح كنا نتمني لو أن الفنان النجم خرج إلي جمهوره علنا علي صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون ليعتذر عما تورط فيه ووعد الجمهور والنقاد بتلافي اخطاء اختياراته القادمة‮.. ‬ولكن تمنياتنا تبددت سرابا إذا ظهرت عليهم جميعا اعراض البارانويا‮ ‬Ramadan Syndreem‮ ‬ولجأوا إلي عملية‮ »‬تزوير‮ ‬وعي الناس‮« ‬ومحاولة إقناعهم قسرا بأن ما شاهدوه وامتعضوا منه وأعرضوا عنه هو الإبداع في أبهي وأجمل صوره وأنه نجح نجا مؤزرا‮!‬ أحدهم سارع الي الفضائيات لترتب له حلقات البرامج المخصصة للمديح والتمجيد وراح يتصل بمنظمي الندوات الجماهيرية ليعقدوا له‮ »‬ندوات‮« ‬النوادي إياها من ليونز لروتاري لتشكيلات الجمعيات النسائية التي تنهار أعصاب عضواتها لمجرد رؤية الطلعة البهية للنجمة والنجم‮ »‬لم أسمع مرة عن ندوة شعبية جماهيرية في أحد مقاهي السيدة زينب أو الحسين أو شارع فيصل‮!!! ‬ليري السادة والسيدات المبشرون والمبشرات بهبرة الإعلانات‮.. ‬رد الفعل الطبيعي والانطباع الحقيقي للجمهور الذي خيبوا ظنه وسحبوه إلي البحر وأرجعوه عطشان‮« ‬لكنهم في حماية كاميرات البرامج وأقلام المهللين يفرضون نوعا من‮ ‬غسيل المخ بلىّ‮ ‬الحقائق والتلقين السوفسطائي‮.. ‬ليقولوا للناس بصريح العبارة‮: »‬المسلسل ناجح رغم أنف أعداء النجاح والنقاد والجماهير ذات نفسها‮.. ‬وها هي الجماهير تملأ الشوارع في مظاهرات تهتف للمسلسل ونجومه وتطالب بأجزاء عديدة قادمة للتحفة الدرامية الخالدة التي لم تأت بمثلها الأزمان‮!!!‬ ويخرج آخر مدافعا عن نفسه باللجوء الي التطرف في الرأي‮ »‬بالعند في اللي مش عاجبه‮« ‬ويقسم بالأيمان المغلظة ان مسلسله هذا هو‮ »‬أعظم مسلسل في تاريخه‮«- ‬خد بالك من أفعل التفضيل هنا‮ - ‬ولم يتنبه في‮ ‬غمار حماسه العصبي أنه‮ ‬يمسح بأستيكة لسانه تاريخه كله‮.. ‬ثم تجيء مداخلة لنفس الفنان بقصد الدفع عنه وعن مسلسله تقول صاحبتها‮ - ‬في معرض تبرير تناقض المورال الأخلاقي الوارد في المسلسل بأنه من المعروف‮.. ‬أن الفقر مرتبط بانعدام الشرف‮.. ‬أي ان الأغنياء هم فقط الشرفاء‮!! »‬يا حلاوة‮!!« .. ‬ربما لم تسمع السيدة الفاضلة بمقولة السيد المسيح أن مرور الجمل من سم الخياط أسهل عند الله من دخول الغني ملكوت السماء‮!! ‬وبالقطع لم تقرأ ولم تسمع بابتهال خاتم المرسلين الي الله بأن يحشره مع المساكين يوم الدين‮! ‬سيدة أخري تنتمي إلي فئة نجوم الإعلانات خرجت علي الشاشة‮.. ‬بائسة‮.. ‬حزينة‮.. ‬تعاتب جميع من هاجموها بسبب مسلسلها الأخير متسائلة‮: ‬ماذا فعلت كي تهاجم بهذا الشكل وحاولت بكل جهدها أن تقنع الناس بأنها تختار دائما القضايا الاجتماعية المسكوت عنها‮.‬ هكذا قدم كل منهم تبريراته أو أعذاره‮.. ‬بالعناد أو القفز فوق المنطق أو ادعاء ما يجهله الناس‮.. ‬علقوا الفشل علي شماعات هم أول من يعلم أنها شماعات من الشمع الذي‮ ‬يذوب في‮ »‬صهد‮« ‬الحقيقة‮.‬ ولم يجد أحدهم الشجاعة ليذكر السبب الحقيقي الذي جعلهم يقامرون بتاريخهم وشهرتهم وثقة الناس فيهم‮.. ‬وهو سبب نعلمه جميعا وكنا نتمني ان يظل في‮ »‬بطن الشاعر‮« ‬ولا نضطر الي ذكره‮.. ‬ولكني رغم أن لي من بينهم صديقاً‮.. ‬وصديقا حميما أحبه‮.. ‬إلا أن الحق والموضوعية أحب عندي‮.. ‬واعتقد‮ - ‬ثقة مني برجاحة تفكيره‮ - ‬أنه سيقدر تماما أن دافعي الأول في حديثي عنه هو الحرص عليه‮.‬ والسبب الحقيقي في اعتقادي أن هؤلاء النجوم يتمتعون بالذكاء الفني الكافي لحسن الاختيار‮ .. ‬وانهم لا يمكن ان يكونوا قد اخطأوا الحكم‮.. ‬وهكذا يظل الدافع الوحيد‮ - ‬للأسف الشديد‮- ‬هو الرغبة في الحصول علي الأجر المليوني واللحاق بصينية‮ »‬الفتة‮« ‬الإعلانية المخصصة لرمضان‮.‬ أقول هذا مدركا أنه ليس من حقي ولا من حق‮ ‬غيري أن نتظاهر بالمثالية وبعدم حب المال‮.. ‬فكلنا نريده‮.. ‬ولكن المسألة تحتاج الي قياس توازن دقيق‮.. ‬يكون نصيب الفن فيه من الجودة النوعية أهم من وفرة المال‮..‬ وكلما كان الفنان فنانا بمعني الكلمة كلما احتفظ بقدرته علي أن يقول للعرض المليوني‮: ‬آسف هذه المرة‮.. ‬فأنا لا أجد النص المحترم الذي أريد‮!‬ و‮.. ‬الجودة في المستوي لا تتعارض مطلقاً‮ ‬مع تحقيق الفائدة المادية‮.. ‬بل أزعم انهما‮ ‬يسيران معا في اضطراد متواز‮ .. ‬وأريد في النهاية أن أذكر الجميع بالحكمة الشهيرة‮:‬ تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت‮..‬ وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت‮..‬ ولكنك أبدا لن تستطع خداع كل الناس‮.. ‬كل الوقت‮.‬

شكرا ابو حنفي علي موضوعك

» كنز مفقود يوتر العلاقات بين أسبانيا وأمريكا
» اثار العزوبيه00000
» حصري:محطات عربية تبث مسلسلا تركيا اثار غضب اسرائيل
» طعام واحد يقوم بتنظيف رئتيك من اثار التدخين
» أبو عميرة "فرحان" لنجاح "قلب ميت"(اليوم.. تصوير آخر مشاهد المسلسل في الهرم)