قدم صناع العمل الرئيس العراقي السابق بنفس الطريقة التي قدم بها فرانسيس فورد كوبولا عائلة كورليوني في فيلم الأب الروحي
قبل عرضه لأول مرة للجمهور في بريطانيا، بثت قناة بي بي سي التلفزيونية دعاية تلفزيونية تبشر المشاهدين بعرضه قريبا.
في الدعاية نشاهد ممثلا يؤدي شخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين جالسا على كرسي من ذهب، مرتديا بدلة بيضاء، شبيهة ببدلات زعماء المافيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وعلى يسارة ممثلة تؤدي دور زوجة الرئيس السابق ساجدة، وخلف كرسيه وقف ابنه عدي وزوج ابنته حسين كامل بلباس عسكري، فيما وقف على يمين صدام ويساره ابنه قصي وبناته وزوج ابنته صدام كامل المجيد، وهو شقيق حسين كامل.
والموسيقى التي رافقت الدعاية التلفزيونية كانت المقطوعة الموسيقية الرئيسية لفيلم The Godfather أو العراب الذي أنتج عام 1972، لكن بتوزيع عصري.
وفي الدعاية نشاهد صدام وأسرته، والواقفين بنفس طريقة أبطال مسلسل المافيا الأمريكي عائلة سوبرانو، وهم يذوبون كالشمع ونسمع حينها صوت يقول: "سقوط سلالة حاكمة.. بيت صدام قريبا على بي بي سي".
الحلقة الأولى من The House Of Saddam أو "بيت صدام" والتي بثتها قناة بي بي سي التلفزيونية الثانية للمرة الأولى مساء الأربعاء لم تخرج عن ما شاهدناه في الدعاية من محاكاة لفيلم العراب ومسلسل عائلة سوبرانو.
ظهر صدام في المسلسل مستمدا من صدام في كتاب سعيد أبو الريش (صدام وسياسات الانتقام)
|
فقد قدم صناع العمل الرئيس العراقي السابق وعائلته بنفس الطريقة التي قدم بها المخرج الأمريكي الكبير فرانسيس فورد كوبولا عائلة كورليوني الإيطالية في فيلم المافيا العراب.
بعد المشاهد الأولى التي نرى فيها أركان النظام العراقي السابق ومعهم صدام يشاهدون الرئيس الأمريكي جورج بوش وهو يلقي خطابه التلفزيوني الشهير الذي يتعهد فيها بالعمل العسكري من أجل إسقاط حكم صدام في العراق، وبعد أن يصور لنا المسلسل حالة الهلع التي انتابت زوجة صدام وهي تحاول أن تأخذ مقتنياتها الخاصة معها وتهرب من القصف الأمريكي لبغداد، يعود بنا صناع المسلسل إلى صيف عام 1979 حيث حفلة عيد ميلاد ابنة صدام الصغرى حلا تقام في منزل "السيد النائب" صدام حسين المجيد.
يأتي الرئيس العراقي أحمد حسن البكر إلى حفلة عيد الميلاد وبعد قليل يأخذه "السيد النائب" إلى غرفة مكتبه ويغلق الباب ويبدأ في أن يقول له بكل حزم وبطء أن آية الله الخميني، الذي قام الثورة الإسلامية في إيران خلال هذا العام، يهدد العراق وأن على الرئيس أن يترك الحكم.
صور بيت صدام عائلة الرئيس العراقي مثل عائلات المافيا في فيلم العراب
|
ينظر البكر في ذهول إلى نائبه والى الحاضرين في غرفة المكتب وأبرزهم وزير الدفاع عدنان خير الله، وهو شقيق زوجة صدام، ونائب رئيس الوزراء طارق عزيز وعلي المجيد وبرزان التكريتي ويحاول أن يثنيهم عن الوقوف في صف "السيد النائب" الذي يريد أن يصبح السيد الرئيس، لكنه يفشل. الجميع ينظر إليه مثل رجال زعيم مافيا قوي وعلى وجوههم تعبير موحد وهو: قضيّ الأمر.
بعد أن يخرج البكر من الغرفة يبدأ الحاضرون في تقبيل صدام ويخاطبونه بالسيد الرئيس في محاكاة متقنة لمشهد مبايعة مايكل كورليوني زعيما لعائلة كورليوني، خلفا لوالده الدون فيتو كورليوني، في المشهد الأخير من فيلم العراب.
حتى الاضاءة وزوايا التصوير في مشهد تنحي البكر ومبايعة صدام من قبل رفاقه في حزب البعث كانت شبيهة بتلك التي رأيناها في مشاهد مكتب الدون فيتو في العراب.
وفي مشهد تال نشاهد اجتماعا لحزب البعث يرأسه البكر حيث يعلن فيه تنحيه عن الرئاسة وتسليمه للمسؤولية إلى نائبه صدام، لكن عضوا في الحزب اسمه محيي عبدالحسين مشهدي يعترض بشدة وغضب، فينظر له صدام نظرة حاسمة ويخبره أن هذا هو قرار الرئيس البكر ويجب احترامه وبعد ذلك ينظر إلى برزان الواقف بعيدا فيهز برزان رأسه بالموافقة.
هذا المشهد أيضا رأيناه في الجزء الثاني من العراب الذي أنتج عام 1974 حيث يحضن مايكل كورليوني أخاه فريدو، المتورط في محاولة اغتياله الفاشلة، وينظر إلى مساعده وحارسه الخاص آل نيري والذي يهز رأسه بالموافقة.
كما حدث في الفيلم، عندما أعدم آل نيري فريدو تحت نظر مايكل، يحدث في المسلسل حيث يعدم مشهدي بعد أن يعذب ويجبر على أن يقول أمام مؤتمر لقيادات وأعضاء حزب البعث إنه شارك في مؤامرة لقلب نظام الحكم لحساب سورية (والتي كان نظام البعث في دمشق حينها على خلاف مع بعث العراق)، ويسرد أعضاء الحزب الذين "تآمروا" معه.
نشاهد في المسلسل شك صدام في كفاءة أخيه برزان في قيادة الأجهزة الأمنية العراقية
|
مشهد مؤتمر البعث مستمد بالطبع من اللقطات التلفزيونية الشهيرة التي شاهدها كثيرون في العراق والعالم العربي، والموجود على الانترنت، والتي يعلن فيها صدام عن وجود مؤامرة إيرانية على العراق ويسرد أسماء رفاقه في البعث الذين يخرجون من القاعة ويتم إعدامهم.
وبعد أن يؤول الحكم الى صدام، نشاهد في المسلسل قتله لأقرب أصدقائه والقيادي البعثي البارز عدنان الحمداني دون أي سبب سوى التخلص من نقطة ضعفه. والمشهد بالطبع تكرر كثيرا في الأفلام التي تناولت عائلات المافيا وعلاقات زعمائها بأصدقائهم.
ولا تتوقف المحاكاة بين المسلسل والعراب عند هذا الحد. فشخصية أم صدام وأهميتها في العائلة تذكرنا بأم مايكل كورليوني في فيلم العراب. لكن في المسلسل تبدو أم صدام شخصية أقوى وأكثر حزما.
ففي عدد من المشاهد تأمر ابنها بأن يستعين فقط بأخوانه غير الأشقاء وتقول له إن "رابطة الدم دائمة لا تزول" وتوصيه بإبقاء "برزان قريبا منك".
لكن مشهد وفاتها يثير التساؤل. فصدام في المسلسل بدا وكأنه غير مكترث أو حزين لقرب نهاية رحلة والدته في الحياة، حتى أنه يبدو عليه الغضب عندما تقول له أن أباه "كان دما فاسدا"، فيقول لها أثناء وفاتها: "أنت لم تعطني شيئا". فهل حقا كانت علاقة صدام بوالدته سيئة إلى هذه الدرجة؟!
استمد كاتب المسلسل معظم أحداثه من الحياة الحقيقية لصدام لكن بتصرف
|
مشهد آخر يثير التساؤل وهو إعجاب صدام بسيدة جميلة (سميرة الشابندر) وإجبارها أن تجلس إلى جانبه فيما زوجها يراقب ذلك في غضب، ثم حينما يحاول التحرك يمنعه حسين كامل ويقول له: "لو كنت مكانك لما فعلت شيئا.. سيجري تعويضك بشكل مناسب". فهل كان صدام بهذا الضعف أمام المرأة الجميلة؟؟
في الحلقة الأولى الكثير من الأحداث الداخلية التي أدت إلى صعود صدام إلى مرتبة الرئيس المهاب داخل العراق وبين جيرانه من الدول، مثل خطابه في الدجيل ثم مشهد محاولة اغتياله بالقرب من الدجيل ورجوعه إلى الدجيل ليلقي خطابا يتعهد فيه بالانتصار على "عملاء الخميني".
نشاهد أيضا في الحلقة الأولى من المسلسل شك صدام في كفاءة أخيه برزان في قيادة الأجهزة الأمنية العراقية، خاصة بعد محاولة اغتياله في الدجيل.
لكننا لا نرى في الحلقة الأولى أي اجتماع لصدام مع رؤساء عرب، وهي الاجتماعات التي استغلها في تشكيل تحالف داعم له في العالم العربي في حربه على إيران، أو حتى اجتماعاته مع زواره من المسؤولين الأجانب مثل اجتماعه الشهير مع مندوب الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريجان ووزير الدفاع الامريكي فيما بعد دونالد رامسفيلد خلال السنوات الأولى من حربه مع إيران.
ومن الأشياء اللافتة في الحلقة الأولى من المسلسل أن نرى صدام وهو يتابع تصوير فيلم "الأيام الطويلة" وهو الفيلم الذي يتعرض لفترة الستينيات السياسية في العراق والتي كان الإعلام العراقي حينها يريد أن يثبت بأنها الفترة الهامة في تاريخ حزب البعث التي مهدت لاستلام السلطة في 17 يوليو/تموز عام 1968.
والفيلم بالطبع من بطولة صدام كامل المجيد، في دور صدام حسين، وإخراج المخرج المصري اليساري توفيق صالح.
لكن الفارق بين فيلم "الأيام الطويلة" ومسلسل "بيت صدام" أن الأول كان بروباجاندا دعائية سياسية هدفها تمجيد صدام، فيما الثاني جعل من صدام زعيما من زعماء المافيا مثل هؤلاء الذين شاهدناهم في فيلم العراب ومسلسل عائلة سوبرانو.