نصر اكتوبر
الفيلم الذى أنتجته مجموعة من شباب الهواة من مالهم الخاص حول حرب أكتوبر يكشف تقصير وزارة الثقافة وكل الهيئات الرسمية المعنية بالسينما، والتى تعدنا كل سنة فى ذكرى النصر بإنتاج فيلم ضخم ومهم يليق بهذا الانتصار المجيد، لكن شيئا من ذلك لا يتحقق، ويظل مجرد كلام على ورق، وتصريحات للاستهلاك الصحفى والشو الإعلامى.
وتظل السيناريوهات الجاهزة والمشروعات السينمائية الموعودة حبيسة الأدراج فى انتظار من ينفذها. والجميل فى الفيلم الذى انتجه هؤلاء الشباب أنه جاء بوازع الانتماء والحماسة لنقطة مضيئة فى تاريخنا المعاصر، ونصر غير مسبوق لم تستوعبه النفوس المهزومة والعقليات المحبطة التى لا تريد أن ترى سوى السواد فى كل شئ والوجه المظلم من الحياة، وتشوه كل إنجاز وتنتقص من قيمة أى عمل جليل. ولا تفهم المعنى الحقيقى للعبور العظيم، وتصر على أن تعيش إحساس القهر والهزيمة.
والجميل فى هذا الفيلم أنه ذاتى التمويل، وأن مبدعيه استخدموا التقنيات الحديثة وفن "الجرافيك" فى السينما بمستوى راق من البراعة، وأثبتوا أن لدينا جيلاً جديداً من السينمائيين قادر على صناعة أفلام جميلة بأقل الإمكانات المادية، وأن التمويل الذى يعلق عليه "الخائبون" شماعة عجزهم وتقصيرهم فى إنتاج أفلام مستوحاة من نصر أكتوبر هو مجرد حجة أو ذريعة للهروب من واجبهم الوطنى لتخليد يوم مهم فى تاريخ بلدنا.
كما يثبت هذا الفيلم أن ثروتنا الحقيقية هى فى هذه الذخيرة الحية التى لا تنضب ولا تنتهى من المواهب الفذة فى شتى مجالات الإبداع.
والمدهش حقا فى هذه المجموعة الشابة التى صنعت فيلم أكتوبر البديع أنهم ليسوا فقط مثقفين أو موهوبين، ولكن أيضا فى فرط حماسهم وصدق انتمائهم الذى عبّر عنه أحدهم فى برنامج تليفزيونى بقوله إنه كان مستعدا لأن يبيع شقته أو سيارته من أجل إنتاج هذا الفيلم.
والحقيقة أنه لم يكن سيحتاج لأن يبيع شيئا من ذلك، لو كانت قنوات وزارة الثقافة وجهاز السينما وقطاع الإنتاج بالتليفزيون ومدينة الإنتاج الإعلامى مفتوحة لمثل هؤلاء الشباب الوطنى الموهوب.. ولو كانت الميزانيات التى تنفق على مناسبات احتفالية لا فائدة منها، سوى التقاط الصور الصحفية وإجراء المقابلات التليفزيونية، ومهرجانات فنية أثبتت على مدار سنوات طويلة أنها لا تشجع إبداعا ولا تساند موهبة ولا تؤدى إلى تراكم ثقافى أو فنى حقيقى.
ولذلك فليس مستغربا أن تقوم هيئة خاصة مثل "ساقية الصاوى" بالدور الذى كان من المفترض أن تقوم به وزارة الثقافة، وأن تحتضن الأنشطة الشبابية الفنية والثقافية والمواهب الجديدة فى كل المجالات، بعيدا عن "الشللية" والمجاملات والبيروقراطية القاتلة، وأحاديث العجزة والمحبطين عن أزمة السينما وأزمة المسرح وأزمة الأغنية، بينما الأزمة الحقيقية تكمن فى عقولهم المتحجرة وإصرارهم على البقاء على رأس مواقع ثقافية وفنية لا يستحقونها.
ملحوظة: الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي موقع فضفضه.