رغم ان الساحة العربية والعالمية تموج بالعديد من الأحداث والقضايا المعقدة والمتشابكة إلا أن خاطرا ملحا ظل يتردد في النفس يهتف في الأعماق بأن هذا الحدث الكبير والزلزال العميق المتمثل في انتصار أكتوبر - العاشر من رمضان- لا يجب أن يمر هكذا مرور الكرام بل يجب أن تكون هذه الانتصارات وتلك البطولات ماثلة أمام الأجيال التي لم تعش هذا اليوم المجيد في تاريخ شعبنا ولم تر علي أرض الواقع بطولات هؤلاء الرجال سواء في عبور قناة السويس أكبر حاجز مائي في العالم أو حرب المدفعية التي كانت أكبر من معارك دبابات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
كما ان هذا الانتصار مهما حاول البعض أن ينال منه فلن تستطيع بعض الأقاويل التي رددت ان هزيمة 67 أفضل من انتصار أكتوبر.. كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون إلا كذبا والأكثر غرابة ان افتتاحية احدي الصحف المصرية ظلت تعزف علي وتر ان حرب وانتصار أكتوبر يرجع إلي حرب الاستنزاف وما تلاها من مواقف لمواجهة مرارة الهزيمة ولم يكن "ساداتيا" علي حد تعبير الجريدة متناسية ان بطولات الرجال متكاملة فما سبق من أعمال بطولية علي حرب أكتوبر لا يقلل من بطولة السادات والذين معه من رجالات مصر العظام فالرجل هو صاحب قرار عبور اليأس واقتحام حصون العدو علي ضفاف القناة التي كانت محاصرة بحمم النابالم والساتر الترابي الكبير.
ان تجاهل هذه الحقائق لغرض في النفس أو انسياقا وراء الأهواء خطأ كبير لأن الانصاف يقتضي أن نضع الأمور في نصابها الصحيح بحيث لا نقلل مما جري من أعمال مجيدة في حرب الاستنزاف وكذلك مما وقع من زلزال يوم السادس من أكتوبر فلقد سجل التاريخ كلا الحدثين كل واحد منهما في موقعه الصحيح وأي انتقاص يعتبر افتئاتا علي حقيقة الأحداث.
الحقيقة التي عشناها وعاشها شعبنا العظيم تؤكد ان زالزال أكتوبر كان عملا بطوليا رائعا سجل ان الرجال المصريين قهروا المستحيل وكسروا جدار الخوف وجعلت قادة جيش إسرائيل الذي لا يقهر يصرخون ويستنجدون بساداتهم في أمريكا وفي كلمات يائسة يغلفها الحزن والأسي طلبوا نجدة سريعة بينما ارتفعت هامات العرب من المحيط إلي الخليج واندثر حاجز الخوف وتهاوت الاعلانات التي كانت تعلق في خارج وداخل المطاعم في أوروبا وأمريكا وتحمل عبارات مهينة يعف اللسان عن ذكرها في الحديث عن انتصار لاتزال آثاره تدرس في أعرق المعاهد العسكرية والاستراتيجية في كل انحاء العالم.
الانصاف يقتضي أيضاً ألا نقلل من آثار حدث علي حساب حدث آخر أو النيل منه. معيار الحقيقة وتحديد الايجابيات والسلبيات بكل دقة هو الأساس في تقييم أي عمل أو انجاز دون ميل أو هوي يهيل التراب علي حقيقة عايشها الكثيرون من أبناء مصر والعالم من حولنا.
الحقيقة التي عايشها شعبنا علي أرض الواقع ان زلزال السادس من أكتوبر هو الذي أزال عار الهزيمة في عام 1967 وهو الذي ضمد جراح الأمهات اللاتي فقدن الأبناء في تيه صحراء سيناء صيحة "الله أكبر" في العاشر من رمضان هي التي أعادت الاطمئنان إلي قلوب الملايين من المصريين والعالم العربي الذي كان يتطلع إلي أم الدنيا ويترقب هذا اليوم المجيد لأبطال قواتنا الجوية التي دمرت قلاع الجيش الذي لا يقهر في مفاجأة أذهلت كل القادة العسكريين في الشرق والغرب. روح أكتوبر لاتزال في قلوبنا ونرددها اليوم وغدا لكي نستنهض همم الرجال والشباب لعبور أي عمل شعبي أو انجاز أي مهمة علي أرض الواقع.
الحقيقة التي لا يستطيع كائن من كان انكارها ان رءوس العرب قد ارتفعت هامتها بعد أن انقشع كابوس الخوف إلي غير رجعة يوم النصر ومن الظلم تجاهل الحقائق فما حققه الرجال في حرب الاستنزاف وما حققه الأبطال في السادس من أكتوبر كلها أدوار متكاملة الجميع اخوتنا وأبناؤنا وصيحة الأبطال يوم العاشر من رمضان لاتزال اصداؤها تتردد في الآذان معلنة ليتنا نستلهم هذه الروح في كل أعمالنا نؤكد ان يوم النصر الكبير في أكتوبر سيظل علامة بارزة في تاريخنا.
لقد شاءت الاقدار ان اعيش الحدثين يوم النكسة الحزينة ويوم النصر الكبير وكذلك ما بينهما من حرب الاستنزاف أو التي كانت توصف بحالة "اللاحرب واللاسلم" وفي الثانية من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر 73 كانت المفاجأة التي قلبت الموازين عبر أبطالنا أكبر مانع مائي وازاحوا الساتر الترابي وحطموا خط بارليف واستقبل شعبنا هذه المفاجأة بترديد صيحة "الله أكبر" مع الأبطال سواء عند تدمير أنابيب النابالم أو رفع العلم علي أرض سيناء الحبيبة. لقد غمرت الفرحة قلوب شعبنا وحلاوة انجاز الابطال لا يجب أن ينال منه أهل الهوي والأغراض ومن يريدون الكيل بمكيالين بعيدا عن الانصاف والحق والعدل.
سوف يظل انتصار أكتوبر مثار فخر واعتزاز لأبطال استطاعوا انتزاع النصر بشهامة وتخطيط وبطولات سوف تزاح الاستار عن الوثائق التي تؤكد الحقائق التي تدحض أي أقاويل لذلك تركت كل الأحداث التي يعيشها عالمنا المعاصر سواء علي المستوي المحلي أو العالمي حيث الأزمة المالية الطاحنة.
ختاما تحية لرجالنا في حرب الاستنزاف وتحية واجبة لأبطال النصر في أكتوبر.. تحية لكل يد ساهمت في نصر السادس من أكتوبر وتحية لبطل الحرب والسلام أنور السادات
-----------------------------------
المساء