مظاهر رمضانية دخلت عالم النسيان دمشق - يتميز شهر رمضان بمذاق يختلف من زمن لاخر ومن مكان الى اخر ولا يدرك هذه الحقيقة الا من عاش طويلا وشهد التغير الذي طرأ في المجتمع.
وبالرغم من ان شهر رمضان المبارك يشهد تغيرا عن النمط التقليدي للحياة حيث يجتمع الناس على توقيت واحد لتناول طعام الافطار والاسواق تاخذ طابعها الرمضاني الخاص وتتزين الشوارع والبيوت خلال هذا الشهر فان مظاهر رمضان اختلفت على مر الوقت.
وتعددت الاراء حول رمضان قديما ورمضان اليوم وكان الاتفاق على ان مظاهر رمضان اختلفت على مر الوقت حيث كان لرمضان قديما سمات وعادات ومظاهر خاصة به القليل منها استمر وحافظ على طابعه ومنها ما اندثر واصبح في طي النسيان خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تزامنت مع حلول الشهر الفضيل هذا العام كالحر الشديد والوضع الاقتصادي ما وضع المواطن ضمن حالة اصعب من رمضان السابق ليقول حال لسان المواطن (الله يرحم ايام زمان).
وتركت الظروف الاقتصادية والمناخية التي تمر بها سوريا تاثيرا كبيرا على معيشة المواطنين حيث قال المواطن نافع الديري الذي عاصر رمضان قديما وحديثا لوكالة الانباء الكويتية (كونا) يحرص الصائمون على اتمام فريضة الصيام على اكمل وجه على الرغم من حالة الطقس السيئة وغلاء الاسعار الذي بدا قبل حلول رمضان وقد كان من المفترض من التجار مراعاة الناس في هذا الشهر لانه شهر الخير والبركة وليس شهر الاستغلال.
واضاف الديري بالرغم من الاجراءات الرقابية التي اتخذتها وزارة الاقتصاد والتجارة ولجنة حماية المستهلك للحد من الغلاء واستغلال بعض التجار وتامين المواد التموينية من خلال منافذ مؤسسة الخزن والتسويق الحكومية المنتشرة في كافة احياء دمشق وباسعار تقل عن سعر السوق بنسب تتراوح من 10 بالمئة الى 30 بالمئة فان ظاهرة غلاء الاسعار اشتدت خلال شهر رمضان المبارك حيث يصل سعر كيلو لحم الغنم الى 800 ليرة سورية للكيلو الغرام الواحد ما يعادل 17 دولار وكذلك الدجاج حيث يباع الكيلو غرام الواحد بحولي 170 ليرة سورية بالرغم من ان تسعيرة الدولة 120 ليرة للكيلو.
اما المواطن خليل الجاسم ( 60) عاما قال ل(كونا) للاسف هناك مظاهر رمضانية تلاشت وان الشعور بخصوصية هذا الشهر الكريم بدا يتقلص شيئا فشيئا لاسباب عديدة حيث بات الجميع ينتظرون شهر رمضان للترفيه عن انفسهم من خلال الخيمات الرمضانية والبرامج التلفزيونية المنوعة التي باتت وسيلة لتضييع الوقت حتى يحين موعد الافطار بدلا من الصلاة وقراءة القران والسهرات العائلية بالاضافة الى عدم الاحساس بالفقير ومعاناته التي بدت غير ظاهرة لان الفقير هو الاخر بات يتشارك مع الغني في المظاهر والبهرجة لموائد الطعام التي اصبحت الهم الاكبر من حيث النوع والكم.
ويتابع بقوله ان معظم عادات الناس في استقبال شهر رمضان دخلت دائرة النسيان حيث كانوا يتلهفون لقدوم شهر رمضان من خلال الاستيقاظ صباح كل يوم على صوت مدفع السحور ونغمات المسحراتي المسمى شعبيا (ابو طبلة) الذي بات تجواله مقتصرا على عدد قليل من الاحياء الشعبية وهو مشهد رمضاني بدا يندثر لاسيما ان الناس باتوا يلتفتون الى المطاعم حيث السهر الى ان ينتهي موعد السحور.
وكان من اهم معالم رمضان الرئيسية ان ترى الاسواق تزدان على طريقتها الخاصة بقدوم الشهر الفضيل حيث كان الناس يقصدون تلك الاسواق الخاصة بحاجيات السوق لياخذوا ما تعمر به مائدتهم على الافطار من شراب العرقسوس والتمر هندي والناعم والتمر وغيرها لنجد ان هذه الاسواق اليوم اندثرت واعتمدت على بسطات منتشرة في اماكن مختلفة واندثرت معها ثقة الناس فيها.
وقد تكون ساعة الافطار الميزة الوحيدة التي احتفظت برونقها وسحرها وجاذبيتها على مر الازمنة ولم تمتد اليها ايادي التغيير لذلك يعد شهر رمضان المبارك فرصة اجتماعية كبيرة يجب اغتنامها.
وفي المقابل يلاحظ حدوث تغيرات بسيطة من حيث الحركة حيث كان هناك في السابق انعدام الحركة بشكل تام لكن اليوم الشوارع تضج بالمارة والحياة موجودة في كل ركن وزاوية وعندما يحين موعد الافطار كانت العائلات تجتمع على موائد الطعام ولكن اليوم دخلت المطاعم والمتنزهات الشعبية على الخط فاضفت الى هذا الشهر الفضيل نكهة اخرى.
وتعد الجمعيات الخيرية عنصرا فعالا في المجتمع لما لها من فائدة تعود على الفقراء والمحتاجين وفاقدي الاعالة ويكبر هذا الدور في شهر رمضان حيث تقوم العديد من هذه الجمعيات بتقديم وجبات مطبوخة للمحتاجين.
ومن المظاهر التي بدات بالانقراض هي الحكواتي الذي كانت تقدمه مقاهي دمشق طيلة شهر رمضان المبارك الا ان الشاشات الفضية وماتقدمه من مسلسلات متنوعة جعلت افراد العائلة يتسمرون امامها.
ومن الظواهر الرمضانية التي مازالت قائمة هي بيع الخبز الناعم وتصنيعه على ارصفة دمشق فمنذ اليوم الاول من رمضان ينتشر بائعو (الناعم) في احياء وشوارع دمشق الحديثة والقديمة وهم يرددون الاهزوجة الشعبية "يلي رماك الهوى يا ناعم" والتي تعتبر فولكلورا دمشقيا رمضانيا اصيلا وكانهم يدعون الناس للاحتفاء معهم بقدوم رمضان فتراهم يفترشون الارصفة وهم يصنعون هذا الرغيف العجيب الذي يشبه قطعة شيبس كبيرة مزينة بخطوط متقاطعة من دبس العنب.
كما يزداد الاقبال في هذا الشهر الفضيل على محلات الحلويات بشكل لافت وترى الناس في غدوهم ورواحهم يحملون كل ما لذ وطاب من الماكولات الشامية العريقة كالبرازق والغريبة والقطايف والنمورة والهريسة والبقلاوة والبلورية والعصملية والشعيبيات والمعروك وغيرها كثير بالاضافة الى اطباق الطعام العادية فان مائدة الافطار تتسع لاصناف كثيرة من الحلويات فهي ضرورية للصائمين كي يعوضوا ما فقدوه من سكريات وابرز حلويات رمضان الناعم فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بهذا الشهر الكريم ولا يصنع الا فيه فيسمى خبز رمضان وقد اعتاد عليه الناس منذ زمن طويل حتى ان طقوس رمضان لا تكتمل ولا تحلو سهراته في اي بيت دونه.
ويصنع الناعم من الطحين والماء بطريقة خاصة حيث يوضع العجين على مرايا نحاسية وخشب ويعرض لاشعة الشمس لعدة ايام كي تتخمر العجينة دون ان تضاف اليها اية مواد صناعية او كيميائية ثم يقوم بائعو الناعم بقليه بالزيت في حلة كبيرة امام المشترين ويضع عليه القليل من دبس العنب وتغليفه باكياس النايلون البيضاء
المصدر: وكالة الانباء الكويتية