محمود حميدة واحمد الفيشاوي من فيلم تلك الايام -
محمد رفعت - مصراوي - منذ النجاح المدوِّى لفيلم "عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رؤية علاء الأسوانى اكتشف السينمائيون أن عليهم العودة من جديد إلى الروايات بعد فترة طويلة من الغياب.
وخلال هذا العام شاهدنا جيداً للغاية هو "عصافير النيل" للمخرج "مجدي أحمد علي" مأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان الشهيرة.
وها هو ذا "أحمد غانم" يبدأ أولى تجاربه كمخرج بفيلم "تلك الأيام" المأخوذ عن رواية كتبها والده الراحل الكبير "فتحى غانم".
العمل كتب له السيناريو المخرج بالاشتراك مع "عُلا عز الدين حمودة" فى تجربتها الثانية بعد فيلم "ولد وبنت".
ويبدو الفيلم مختلفاً عن السينما السائدة بدخوله إلى عالم الدراما النفسية الصعبة ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية.
رغم بعض الملاحظات والتحفظات فإنه يظل للفيلم تفرده وطموحه ومحاولته لتقديم معالجة عصرية كتبها الراحل "فتحى غانم" فى الستينات من القرن العشرين.
ليس هناك هذا السرد التقليدى الذى يبدأ مثلاً بعبارة "كان يا مكان" ولكن الأساس هنا رسم الملامح النفسية والظروف الاجتماعية التى شكلت ثلاث شخصيات تشترك فى أنها تنازلت يوماً ففقدت نفسها.
الشخصية الأولى هى "د.سالم عبيد" الأستاذ الجامعى والمثقف الكبير الذى حصل على الدكتوراة من الولايات المتحدة ولكنه قرر أن يبيع نفسه ومواهبه لأولئك الذين وعدوه بمنصب الوزير فى التشكيل الحكومى القادم.
ستعرف أنه كان شابا متحمساً يشارك فى المظاهرات، ولكن عند أول استجواب، ومع أول صفعة من المحقق أفشى أسرار زملاءه، وتراجع عن كل ما كان يدعو إليه.
سافر إلى أمريكا وتزوج وأنجب، ولكنه يعيش فى قصره الضخم ومعه زوجته الشابة "أميرة" (الوجه الجديد "ليلى سامى") التى باعت نفسها له بعد أن تدَّخل لرفع مستوى معيشة أسرتها.
كانت هى قد عاشت حكاية حب مع زميل لها قتله الإرهابيون فى حادث قديم.
أما الشخصية الثالثة التى تدخل حياة الزوجين فهو ضابط الشرطة المتقاعد على النجار "أحمد الفيشاوى" الذى يعانى من عقدة وذنب قديم حيث قام بقتل أحد الإرهابيين بعد أن جرده من السلاح لمجرد الانتقام لزميله الشهيد.
ستبدو هذه الشخصيات كما لو كانت تنويعة على نفس النغمة حيث تنازلوا واعتقدوا أنهم يحققون ما هو أفضل، ولكنهم سيعانون حتى النهاية.
فى انتظار منصب الوزير يقول د.عبيد كلاماً لا يؤمن به، ورغم أنه عاشق حقيقى لـ "أميرة" التى تحتقره فإنه يخشى على سمعته وعلى منصبه القادم فيدبر محاولة لإيداعها فى مصحة عقلية.
يبدو د.عبيد انه أكثر الشخصيات اضطرابا نفسياً والأكثر انقساماً على ذاته عندما نعرف أنه يقلد صوتاً لشخص يتبادل عبارات الغزل مع زوجته لمجرد أن تقول له كلمة حب مثلما كانت تفعل مع زميلها الذى قُتل.
ولكن د.عبيد يخسر فى النهاية كل شىء بعد زلة لسان على الهواء فى إحدى الفضائيات، وفى النهاية أيضاً ينتصر الفيلملاخلاص أميرة" و"على النجار" فى حين يتخلص عبيد من حياته رغم أن الانتهازيين لا ينتحرون فى الواقع!
"أحمد غانم" يكشف عن مخرج واعد جداً فى فيلمه الطويل الأول، لقد نجح فى توظيف إضاءة "أحمد عبد العزيز" وديكورات "تامر اسماعيل" ومونتاج "أحمد داود" برسم ملامح المعاناة النفسية لشخصياته.
ونجح أيضاً فى إهداء "محمود حميدة" و"أحمد الفيشاوى" دورين من أفضل ما قدما حتى الآن، وربما كان أبرز دور أم "أحمد الفيشاوى" فى الفيلم للعائدة "صفية العمرى".. تصوروا؟!
اقرأ أيضا: