حذر الباحثون الأستراليون من أن تناول أطعمة نشوية Carbohydrates ذات «مؤشر سكري» عال High Glycemic Index، والتى تكون سبب في ارتفاع احتمالات إصابة عدسة العين بالماء الأبيض (إعتام عدسة العين) Cataract.
ووفق ما تم نشره في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية، فإن التعود على تناول تلك النوعية من المنتجات الغذائية يرفع بنسبة 77% من عُرضة تغير العدسة من حالتها الشفافة الصافية الطبيعية إلى حالة ضبابية معتمة، وذلك مع التقدم في العمر.
ومع المقولة الفولكلورية، ذات الأصول غير الواضحة علمياً، بأن «الجزر يُقوّي النظر»، تأتي دراسة الباحثين من أستراليا في سياق البحوث العلمية للتحقق من دور الغذاء في المحافظة على سلامة تراكيب العين، خاصة حول تأثير المركبات المختلفة في أنواع المنتجات الغذائية على نشوء الماء الأبيض في العين، أو نشوء تلف الشبكية، أو نشوء غيرهما من أمراض العيون الناجمة عن التراكم السلبي الطويل لتأثيرات العوامل الجينية والمرضية والبيئية، ما يُؤدي غالباً إلى ضعف أجزاء العين عن أداء عملها بكفاءة عند التقدم في العمر.
ويقول الخبراء الطبيون إنه لو أمكن تأخير تطور مراحل نشوء الماء الأبيض في عدسة العين، لأمكن خفض المعدلات السنوية لإجراء هذه العملية بنسبة 45%. وتؤكد الدراسات أن التوجه الطبي يُحاول أن يجد من التغذية وسيلة تمنع الإصابة بالماء الأبيض أو تُقلل من تطور عملياته.
السكريات وعدسة العينويقول الدكتور بول مايكل، الباحث الرئيس في الدراسة من مستشفى وستميند في ولاية نيو ساوث ويلز، إن كمية ونوعية النشويات التي في وجبات طعامنا، ربما تلعب دوراً في تكون حالة الماء الأبيض في عدسة العين.
وكان الباحثون قد شملوا في دراستهم حوالي 3700 شخص من الجنسين، ممن تتجاوز أعمارهم 49 سنة. وقاموا منذ عام 1992 بمتابعتهم لمدة عشر سنوات، بغية معرفة تأثير نوعية مكونات وجباتهم الغذائية في احتمالات إصابتهم بالماء الأبيض.
وبعد مراجعة لعوامل مهمة، مثل العمر والجنس ومدى الإصابة بمرض السكري وغيرها من العوامل المؤثرة في نسبة احتمالات الإصابة بالماء الأبيض، تبين للباحثين أن منْ يُكثرون من تناول الأطعمة من الأنواع «ذات مؤشر سكري عال»، ترتفع بينهم احتمالات إصابتهم بالماء الأبيض بنسبة 77%، مقارنة بمن يُكثرون من تناول الأطعمة من الأنواع «ذات مؤشر سكري متدن»، وتحديداً النوع اللحائي القشري Cortical Cataract من أنواع الماء الأبيض.
والمؤشر السكري Glycemic Index أو ما يُختصر بـ GI، هو رمز للدلالة على قوة أو ضعف عمل أي أنواع الأطعمة على رفع نسبة سكر الدم بعيد تناولها.
وعليه فإن الأغذية المُصنفة بأنها «ذات مؤشر سكري عال»، مثل الخبز الأبيض والبطاطا والسكر العادي، هي تلك الأنواع من المنتجات الغذائية التي تعمل على رفع نسبة سكر الدم بسرعة أعلى من تلك المنتجات الغذائية التي تعمل على رفع نسبة سكر الدم ببطء وتُصنف بالتالي على أنها «ذات مؤشر سكري متدن» مثل لبن الزبادي والعدس والخبز الأسمر والحبوب الكاملة وغيرها.
وقال الباحثون إن أهمية مثل هذه الدراسة تنبع من أن السكريات النشوية تشكل غالبية مكونات وجبات طعام الناس، ومصدراً مهماً لطاقة الطعام، كما أن الإصابة بالماء الأبيض شائعة بين المتقدمين في العمر وتُؤثر بشكل بالغ في قدرات الإبصار لديهم، ما له من تداعيات على قدراتهم العناية بأنفسهم وإبصار ما حولهم.
لذا قال الباحثون إن الدراسة تفتح الباب نحو جدوى إجراء مزيد من الدراسات الطبية حول الأمر. في إشارة منهم إلى ظهور مثل هذه العلاقة الطردية بين الإصابات بالماء الأبيض، ومحتوى وجبات الطعام، العالية في المؤشر السكري، وهي ما تُضاف إلى الأبحاث حول دور الفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة في جانب خفض الإصابات بالماء الأبيض.
وتشير دراسات أخرى إلى جدوى تناول أدوية خفض الكوليسترول من نوع ستاتين، مثل زوكور وليبيتور وغيرهما، في تقليل الإصابات بالماء الأبيض.
وبعد متابعة حوالي 1300 شخص لمدة خمس سنوات، تبين أن مَن يتناولون أدوية ستاتين أقل عُرضة بنسبة 40% للإصابة بالماء الأبيض في العين مقارنة بمن لا يتناولونه. وتم نشر الدراسة في عدد ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006 لمجلة «جاما» الطبية الأميركية.
ولا يبدو أن الفائدة لها علاقة بنسبة الكوليسترول في الدم، بل يُعلل الباحثون من جامعة وينسكون في ماديسون، الأمر بأن أدوية ستاتين لخفض الكوليسترول، لديها قدرات مضادة لحدّة عمليات الأكسدة.
ومعلوم أن إحدى آليات نشوء الماء الأبيض لدى المتقدمين في العمر هي ارتفاع مستوى عمليات الأكسدة في العدسة نفسها. وأنه مثلما تُفيد الأطعمة المحتوية على مضادات الأكسدة في خفض سرعة وتيرة تكون الماء الأبيض، تُفيد أيضاً أدوية ستاتين عبر خصائصها المضادة للأكسدة.
المواد المضادة للأكسدةوفي تقرير علمي، قالت المؤسسة القومية الأميركية للعين في ديسمبر 2006، إن ثمة إدعاءات تربط ما بين مواد ليوتين lutein المضادة للأكسدة، وتحسين صحة أجزاء العين. لكن الفوائد المحتملة هذه لا تزال غير ثابتة، لذا يحتاج الأمر إلى الاحتياط في إطلاق تأكيدات حول جدواها.
ومعلوم أن العديد من المنتجات الغذائية النباتية تحتوي على المواد المضادة للأكسدة Antioxidants. وأحد أنواع مضادات الأكسدة هي مواد كاروتينويد Carotenoids، التي قد تكون ذات فائدة لصحة العين أو صحة أجزاء أخرى من الجسم. وأحد أنواع مواد كاروتينويد، هي مواد ليوتين. ومواد ليوتين تتركز في شبكية العين وفي عدستها.
وتقول المؤسسة الطبية المتقدمة الذكر، وهي إحدى المؤسسات التابعة للمؤسسة القومية الحكومية للصحة بالولايات المتحدة، إن هناك القليل من الأدلة العلمية التي تدعم وجود فائدة حقيقية من تناول حبوب دوائية تحتوي على مواد ليوتين بغية تقليل احتمالات الإصابة بالعمى جراء تلف شبكية العين عند التقدم في السن (Age-Related Macular Degeneration AMD)، أو في تقليل الإصابات بالماء الأبيض في عدسة العين.
ومع هذه الحقيقة، فإن هناك بعضاً من الدراسات الميدانية على الناس، التي لا تشكل أدلة علمية متينة، تفترض أن ثمة علاقة بين تناول مواد ليوتين، وتقليل مخاطر الإصابات بأمراض العين.
منها ما صدرت في عام 1994 بدعم من المؤسسة المذكورة، وقالت بأن تناول أطعمة غنية بمواد كاروتينويد، خاصة في الخضار الورقية الخضراء كالسبانخ وغيره، يُقلل من احتمالات تلف الشبكية المُصاحب للتقدم في العمر.
وفي عام 1999، دلت نتائج الدراسة العالمية الشهيرة لـ «صحة الممرضات»، بأن احتمالات الإصابة بالماء الأبيض والاحتياج إلى معالجته جراحياً تقل حال الإكثار من تناول مواد ليوتين ومواد زيازانثين Zeaxanthin، إحدى أنواع مواد كاروتينويد.
كما دلت في العام نفسه على نفس النتيجة، في استفادة تدني الإصابات بالماء الأبيض تحديداً، كل من دراسة «متابعة المتخصصين في القطاع الصحي»، ودراسة «بيفر دام».
كما دلت في عام 2001 نتائج الفحص الإحصائي القومي الثالث للتغذية، على أن الإكثار من تناول مواد ليوتين ومواد زيازانثين، يُقلل من إصابات تلف الشبكية عند التقدم في العمر.
وهذه النتائج تشير إلى أن هناك ملاحظات علمية إيجابية في استفادة العدسة والشبكية من تناول هاتين المادتين المضادتين للأكسدة من مصادرهما الطبيعية، من دون الحبوب الدوائية المحتوية على أي منهما.
وبالرغم من تأكيد ثلاث دراسات للباحثين، في مركز أبحاث التغذية البشرية التابع لجامعة تفتس بالولايات المتحدة، صدرت في عام 2005، أن تناول أنواع من الفيتامينات أو الدهون غير المشبعة ذو علاقة بصحة عدسة العين، إلا أن الدراسات تلك لم تجزم بأي استفادات تطبيقية من ذلك في تقليل الإصابات بالماء الأبيض.
بروتين «كرستالين» الشفافيُوجد في كل عين عدسة شفافة ومحدبة الجانبين. ولدى البالغين يبلغ قطر قرص عدسة العين حوالي 9 ملم، وسمكها حوالي 5 ملم.
ووظيفتها الأساسية هي تركيز الأشعة الضوئية المنعكسة عن الأشياء المرئية أمام أعيننا، وتسهيل مرورها للوصول بدقة إلى سطح طبقة الشبكية في خلفية العين. لذا، فإن قدرات إبصارنا بشكل واضح ودقيق تعتمد على صفاء شفافية العدسة.
كما تعتمد على مرونة تكيفها بزيادة درجة التحدب في جانبيها أو تقليل ذلك، كي تقع الصورة على الشبكية بدقة. ويساعد العدسة على المرونة أمران، الأول مكونات المادة الداخلية فيها، والثاني ترابطها مع العضلات الصغيرة جداً حولها.
وتعيش العدسة حالة من النمو المتواصل، أسوة ببقية أعضاء الجسم، وتصل التغذية إليها من الأجزاء المحيطة بها في العين.
وتتكون العدسة من ثلاثة أجزاء، الأول لب العدسة، أو نواتها، وهو عبارة عن كتلة صلبة نسبياً وشفافة. ويُحيط بالنواة جزء ثان مكوّن من قشرة لينة وشفافة أيضاً. ثم يُغلفها غشاء خارجي، شفاف ورقيق، يُشكل الجزء الثالث.
أنواع تكوّن الماء الأبيض في العينالنوع الأول: يحصل في نواة العدسة Nuclear Cataract، ويبدأ كتجمع لمادة صفراء اللون، ثم ينتشر تكوّن هذه المادة في كل العدسة، ما يُكسبها هيئة ضبابية بنية اللون. وهنا تظهر صعوبات في الرؤية الليلية أو في الأماكن ذات الإضاءة الخافتة، كما تظهر صعوبات في التفريق بين ظلال اللونين الأزرق والبنفسجي.
والنوع الثاني: يحصل في طبقة القشرة، وهو ما يبدو على شكل «غبش» أبيض اللون متناثر في أجزاء تلك الطبقة من العدسة، وقد يمتد إلى لب العدسة، ما تتأثر به قدرات الإبصار للأشياء البعيدة والقريبة، وتظهر مشاكل وهج الضوء.
والنوع الثالث: يظهر في المنطقة المبطنة للغشاء الخارجي، وتبدو الاعراض كبقع من الغبش، وتتشابه الأعراض فيه مع تلك التي في النوع الثاني.
والمادة الداخلية للعدسة مكونة من طبقات من ألياف البروتينات، ما يجعل شكلها أشبه بطبقات البصل. وتشير مصادر طب التشريح إلى أن ثمة 20 ألف طبقة دائرية من ألياف البروتينات داخل عدسة العين الواحدة!، وأهم البروتينات وأكثرها نسبة في تركيب الألياف هذه هو بروتين «كريستالين» Crystallin الشفاف. وهو مادة بروتينية شفافة تسمح للضوء بالمرور من خلال تراكيب جزيئاتها.
والآلية الأساس في تكون حالة «الماء الأبيض» في عدسة العين هو دخول الماء إلى تراكيب ألياف البروتينات للعدسة، لتُصبح غير شفافة وغير صافية، ما يُعيق مرور الضوء من خلالها. لذا قد يُفضل البعض تسمية الحالة «تكون بياض في العدسة بفعل تراكم الماء» وليس مجرد «الماء الأبيض».
والفرضيات المطروحة علمياً حول نشوء حالة اختلال التركيب الكيميائي والخصائص الفيزيائية لألياف بروتينات العدسة، تتحدث عن دور الجذور الحرة Free Radicals، في تنشيط عمليات الأكسدة داخل العدسة. كما أن منها ما يتحدث عن دور الأشعة فوق البنفسجية UV light في إحداث خلل في تراكيب البروتينات تلك، وغير ذلك.
اهتمام طبي بالماء الأبيض.. له ما يُبررهالماء الأبيض غشاوة تعترض صفاء الرؤية، وتنجم عن تغير في مكونات عدسة العين. ومعلوم أن نجاح عدسة العين في إتمام رؤية ما حولنا، يعتمد على صفاء وشفافية العدسة، كما يعتمد على مرونة العدسة المحدبة للعين في تفاعلها مع احتياج المرء للتركيز على رؤية الأشياء القريبة أو البعيدة.
وحال الإصابة بالماء الأبيض تُصبح الرؤية مشوشة، وتبدو ألوان الأشياء في المشهد المرئي ذابلة، كما تتدنى قدرات الإبصار بوضوح في الليل، ما يتطلب من المرء تغيير «مقاس» عدسات نظارته عدة مرات في فترات زمنية قصيرة للتغلب على تأثيرات النشوء المتدرج والمتواصل للماء الأبيض في العدسة.
تشير المؤسسة القومية للعين في الولايات المتحدة، إلى أن نصف الناس الذين تجاوزوا ثمانين سنة من العمر، مُصابون بالماء الأبيض أو أُجريت لهم عملية لإزالته. وأنه السبب الرئيسي لضعف البصر وللعمى في ما بين المتقدمين بالعمر.
ويبلغ عدد عمليات إزالة الماء الأبيض أكثر من مليوني عملية سنوياً في الولايات المتحدة وحدها، لتتصدر، وبلا منازع، قائمة أنواع العمليات الجراحية التي يتم إجراؤها في الولايات المتحدة.
وقد تكفي الغالبية هذه العبارات لتبرير الاهتمام الطبي بالماء الأبيض. لكن القصة لدى الباحثين، لا تقف هنا، بل ثمة جوانب أخرى أكثر إثارة، في مسرحية «الماء الأبيض» عند التقدم في العمر، مبنية على تلك الملاحظات حول تدني الإصابات بهذه الحالة لدى كبار السن من سكان المناطق الجبلية المرتفعة، مقارنة بالمناطق المنخفضة. وثمة من يتحدث عن تشابه بين هذا التدني في الماء الأبيض، وبين الملاحظة الأخرى حول سرعة التئام الجروح والكسور لدى سكان المناطق المرتفعة.
ويعتقد البعض أن هذا مجال خصب للبحث في دور تدني ثاني أوكسيد الكربون في إصابات شيخوخة الأنسجة، ما يُبرر تلك الدراسات التي تقول بأن ثمة ما يبرر جدوى السكن في مناطق، مختلفة جغرافياً ومناخياً، دون غيرها للنجاح في بلوغ أرقام عالية من عدد سنوات العمر.
كما أن هناك حديثا علميا عن وجود نظام خاص بتزويد عدسة العين بالغذاء والأوكسجين وغيره من المواد التي يحملها الدم عادة لدعم حياة أنسجة الجسم. ومعلوم أن العدسة تفتقر إلى شعيرات دموية تغذيها بشكل مباشر.
لذا فإن «اضطرابات ما» قد تنشأ في هذا النظام حال التقدم في العمر، وتُؤثر في توفير الأوكسجين ومواد الطاقة لبروتينات ألياف العدسة، ما ينتج عنه تراكم الماء في تلك البروتينات، وظهور قطرات من الماء، كتلك التي في الشلال، في العدسة.
وذلك سواء كانت كلمة «كتاراكت»، التسمية الإنجليزية لمرض الماء الأبيض، مشتقة من كلمة «قطرات» من الماء المكونة للشلال، أو كانت مشتقة من كلمة «كتاراكتا» اللاتينية لوصف بياض شلالات الماء.
والحديث يتوسع ليشمل الفرضيات المطروحة حول التغيرات في مستوى الشحنات الكهربائية السلبية للبروتينات الشفافة في ألياف مكونات العدسة. وتوفر شحنات سالبة بمقدار معين في تلك البروتينات يمنع الماء من التراكم في ما بين تلك البروتينات، ما يُعطي شفافية وصفاء لتلك الألياف البروتينية المكونة لمادة العدسة نفسها.
وحينما ينشأ خلل في كهربائية البروتينات تلك، تتراكم «قطرات» المياه فيها وتتحلل بالتالي العدسة الشفافة إلى عدسة بيضاء معتمة.
بل ويتطور الحديث العلمي عن بروتينات زلال البيض الشفاف أو الأنسجة اللحمية الشفافة لأنواع من الأسماك، وعن سر تحولها عند الطهي إلى بياض البيض أو لحوم بيضاء جراء حصول تغيرات في محتويات الماء لتلك البروتينات.
وإلى هنا قد لا يكون حتى هذا مثيراً للبعض، لكن تعرف الباحثين على ثلاثة أنواع من البروتينات الشفافة ذات الخصائص الكهربائية، فتح الباب على حديث آخر حول «قدرات أنزيمية» لهذه البروتينات، ما قد يفرض البحث من قبل أطباء القلب والأعصاب عن مبررات ظهور مثل هذه البروتينات الشفافة بشكل غير معتاد في أنسجة القلب وأجزاء من الجهاز العصبي عند حصول إصابات فيها.
والواقع أن البحث في ما يعتري عدسة العين كي يظهر فيها الماء الأبيض، يفتح الباب على جوانب شتى من التغيرات التي تعتري الجسم نتيجة تقدم العمر ونتيجة التعرض للتغيرات البيئية.
وما زاد الأمور تعقيداً، ومسؤوليات على الباحثين، هي تلك النتائج الإيجابية الواضحة، وغير المتوقعة، جراء تناول أدوية ستاتين لخفض الكوليسترول، في إبطاء تطور الإصابات بالماء الأبيض!.
أسباب متعددة للإصابة بالماء الأبيضفي ما عدا «التقدم في العمر» كسبب رئيسي لإصابات البالغين بالماء الأبيض في العين، فإن الأسباب الأخرى تشمل التعرض الطويل للأشعة فوق البنفسجية أو التعرض للإشعاعات، أو كنتيجة لبعض الأمراض مثل السكري.
أما لدى الأطفال أو الصغار في السن، فقد يكون الأمر ناجماً عن عوامل جينية وراثية، أو نتيجة إصابات حوادث في العين، أو إجراء عمليات جراحية فيها.
كما أن الطيارين قد يتعرضون للإشعاعات الكونية القادمة من الفضاء الخارجي، ما يُعجل بنشوء الماء الأبيض في عيونهم.
وثمة مَن يقول إن التعرض لأشعة المايكروويف قد يفعل نفس الشيء. وقد تحصل الحالة نتيجة تناول أدوية كورتيزون المستخدمة لتخفيف حدة عمليات التهابات في الجسم، مثل الربو وزراعة الأعضاء والتهابات المفاصل الروماتزمية وغيرها. ونتيجة أيضاً تناول عقار أزيتمايب Ezetimibe، وهو أحد أدوية خفض الكوليسترول الضعيفة القوة.
وتتم عملية تكون الماء الأبيض بهدوء وصمت شديد، ولا يشعر المرء المُصاب بأي من أحداثها المتتابعة والمستمرة، إذْ لن تبدو على العين علامات كالألم أو الانتفاخ أو الاحمرار أو التهيج والحكة أو ظهور إفرازات منها أو تغيرات في كمية الدمع، بل حين وجود أي من هذه العلامات، يكون سبب التغيرات في الإبصار لا علاقة لها بالماء الأبيض. وغالباً ما تُصيب عمليات تكوين الماء الأبيض كلا العينين، لكن ثمة حالات تحصل في عين دون أخرى أو تتطور بسرعة في عين دون الأخرى.
وكلما زاد تطور تكوين الماء الأبيض، قلت فرصة اختراق الأشعة الضوئية لها، وبالتالي كلما تدنت قدرات الإبصار.
وتظهر الأعراض على المصاب على هيئة «غبش» أو غشاوة في الرؤية مع تعتيم في صورة المشهد المرئي. ويُمسي من الصعب تبين صورة المشهد المرئي في أوقات الليل أو حين تخفيف إضاءة الحجرة أو غيرها.
هذا مع ارتفاع مستوى الحساسية والتضايق من الأنوار العادية، التي قد تبدو للمُصاب وكأنها أضواء وهّاجة ومبهرة، بل قد يبدو له أن ثمة هالات تُحيط بالأضواء عند رؤيتها مباشرة. كما ويتطلب المُصاب مزيداً من الضوء حال القراءة أو الكتابة، ويضطر إلى تكرار كشف النظر لضبط قوة عدسة النظارة.
ويظل الماء الأبيض في مراحل تكوينه الطويلة زمنياً، شيئاً خاملاً بالنسبة لصحة بقية أجزاء العين. أي أنه تضرر مقتصر على العدسة وحدها. لكن مع اكتمال تكون الماء الأبيض في العين، قد تصل الأمور إلى حالة من زيادة النضج فيه Hypermature Cataract، لدى البعض. لذا، قد تتسبب هذه العدسة غير الطبيعية في حصول التهابات في العين أو ألم فيها أو ألم صداع في الرأس.
وتشخيص الإصابة بالماء الأبيض، في أي مرحلة، ممكن جداً من خلال فحص طبيب العيون لها في عيادته. ومن هنا جدوى اتباع الإرشادات الطبية حول ضرورة إجراء فحص للعين لدى الطبيب مرة كل ما بين سنتين وأربع لمن هم دون سن 65 سنة، ومرة كل سنة أو سنتين لمن تجاوزوا ذلك. أو اللجوء إلى طبيب العيون في أي وقت يشكو المرء فيه من أي أمر غير طبيعي له في العين.
وعادة ما يُجري طبيب العيون فحصاً لتحديد مقدار قوة الإبصار Visual Acuity Test، من ناحيتي حدة الإبصار ومدى وضوح صفات ما يراه المرء.
كما سيُجري الطبيب فحص العين ومكوناتها المرئية عبر جهاز «الشق الطولي للضوء» Slit-lamp Examination، الذي باستخدامه يطلب الطبيب من الشخص إسناد ذقنه على مُتكأ، ويُقرب مصدراً للضوء لعين الشخص كي يرى الطبيب من خلاله القرنية والعدسة والقزحية وغيرها من التراكيب الأمامية للعين، ثم يُجري الطبيب فحصاً لشبكية العين الواقعة في أجزائها الخلفية جداً، أي ما وراء العدسة، وقد يُجري فحصاً لتحديد مقدار ضغط العين.