أوراق الدبلوماسية المصرية تكشف: عبد الناصر عقلاني والسادات عصبي ومبارك أكثر هدوءا! الرئيس حسني مبارك - ا ف ب
10/19/2009 10:09:00 AM
-
- تعكس أوراق الدبلوماسية المصرية تباينا فى أسلوب القيادة المصرية فى التعاطى مع السفراء الأجانب المثيرين للمتاعب، حيث تتباين ردود الأفعال بين الطرد أو الطلب من حكوماتهم سحبهم وبين الإنذار أو توجيه احتجاج رسمى.
وتؤكد الأوراق ميل الرئيس مبارك إلى الهدوء والتعقل والوصول إلى الهدف من دون ضجيج، ويقترب فى هذا من أسلوب الرئيس جمال عبد الناصر الذى تعاطى مع متاعب من بعض السفراء فى كتمان ربما كون هذه المتاعب نجمت أصلا عن خلافات سياسية بين مصر ودولهم فى هذه الفترة، أما أسلوب انور السادات فقد غلبت عليه العصبية إلى درجة ترحيل سفير أجنبى وسط زفة إعلامية!.
ورغم ذلك تكشف الملفات أن فترة حكم الرئيس مبارك على عكس ما قد يعتقد البعض، شهدت أكبر عدد من الصدامات بين مؤسسة الرئاسة والدبلوماسية وبين سفراء أجانب، لكن الدبلوماسية المصرية في عهد مبارك لم تدفع هذه الصدامات إلى حدود الأزمات السياسية.
عبد الناصر لم يطرد سفيرا فيما فعل السادات كذلك، وقد رحل سفير إيران من القاهرة وسحب سفير الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره غير مرغوب فيه فى عهد مبارك.
وهكذا فبينما ضمت قائمة الدول التى اشتكت الدولة - فى عهد عبد الناصر - على سفرائها، ممثلى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا، وفى عهد السادات الاتحاد السوفياتى سابقا ودول حلف وارسو وقبرص وتنوعت القائمة فى عهد مبارك لتشمل الولايات المتحدة وإيران والسودان ويوغوسلافيا وإيرلندا والمجر.
وتشير أوراق الدبلوماسية المصرية إلى أنه منذ تولى مباركالحكم عام 1981 تعاطت القاهرة مع 5 سفراء للولايات المتحدة هم، على الترتيب نيوكولاس فاليوتس وفرانك وزنز وروبرت بلليترو وادارد ووكر ودانيال كيرتزر، وريتشارد دوني، ومرجريت سكوبي (السفيرة الحالية) ثلاثة منهم اشتبكت المؤسسات معهم فى سجال انتهى مع الأول (فاليوتس) بالطلب من واشنطن سحبه، ومع الثانى (وزنر) بإبداء عدم الارتياح ومع الثالث بتسجيل مخالفة لعرف دبلوماسى، بينما شهدت العلاقات خلال وجود بلليترو فترة هدوء وتطور.
ففى أعقاب رسو السفينة الايطالية "أكيلى لاورو" (غرقت لاحقا أمام سواحل الصومال) فى ميناء بورسعيد عام 1985، ورفض مبارك تسليم المختطفين الفلسطينيين الثلاثة وعلى رأسهم رئيس جبة التحرير (وقتها) محمد أبو العباس إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم بتهمتى الاختطاف وقتل أمريكى الجنسية كان على متن السفينة، وجه فاليوتس من رصيف الميناء إهانة غير مسبوقة للشعب المصرى واعتبرته مصر على أثرها شخصا غير مرغوب فيه.
وتكشف الأوراق مماطلة الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس رونالد ريجان سحب سفيرها فى القاهرة كون ذلك مساسا بسمعتها من دون الالتفات إلى ما سببه فاليوتس من جرح لكرامة المصريين إلا أنه إزاء إصرار القاهرة وحالة المقاطعة التى فرضت من جانب المسئولين لفاليوتس وتصاعدها إزاء خطف سلاح الجو الأمريكى الطائرة المصرية التى كانت تقل الفلسطينيين الثلاثة إلى تونس لتسليهم إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية هناك، أدت إلى سحب فاليوتس.
ورغم ما تسجله الأوراق الدبلوماسية لوزنر من جهود أثمرت ازدهارا فى العلاقات المصرية الأمريكية على أكثر من صعيد، إلا أن عملية الكشف عن أعضاء "تنظيم ثورة مصر" عام 1987 ألقت ظلالها على وزنر، بسبب فرض سرية على لجوء أحمد عصام نور الدين شقيق قائد التنظيم إلى السفارة الأمريكية فى القاهرة ونقله إلى واشنطن لاستكمال اعترافاته قبل عودته إلى القاهرة وإطلاعها على نتائج التحقيق والمعلومات التى أدلى بها نور الدين وأدت إلى القبض على أعضاء التنظيم لاحقا.
وصادف كيرتزر سوء حظ فى بداية عمله فى القاهرة إذ عقد مؤتمرا صحفيا عقب وصوله اتهم فيه مصر "بالعمل ضد مصالحها القومية" بسبب مقاطعتها المؤتمر الاقتصادى الإقليمى الرابع فى الدوحة، مخالفا بذلك الأعراف الدبلوماسية التى تقضى بعدم إدلاء السفير بأية تصريحات أو إجراء مقابلات رسميا قبل تقديم أوراق اعتماده إلى رئيس الدولة، إلا أن اعتذار كيرتزر وإبداءه حسن النوايا أوقف المسألة رسميا عند حدود التعبير عن الامتعاض من تصرفه، أما على صعيد الإعلام الرسمى فقد تكلف بحملة ضد ما أسماه (سفيران لإسرائيل فى مصر)؟
العلاقة مع إيران
ويعكس تناقض الأجواء الحالية للعلاقات المصرية الإيرانية مع تلك التى خيمت على طرد رئيس بعثة رعاية المصالح الإيرانية فى مصر (تحت علم سويسرا) السفير محمود مهتدى فى العام 1985، فقد جاء طرد مهتدى بسبب اتهام السلطات له بالقيام بتصوير عمليات مرور فى قناة السويس.
وزاد من احتقان أجواء العلاقة وقتها مجئ عملية التصوير على أثر انفجار ألغام مجهولة المصدر والفاعل فى مياه البحر الأحمر جنوب المدخل الجنوبى للقناة واتهام الإعلام الرسمى وتلميح مسئولين بوجود أصابع إيرانية وراء هذه الانفجارات على خلفية ما سمى "عملية مهتدى" فكان الدبلوماسى الثانى (بعد فاليوتس) يغادر البلد بناء على طلب السلطات خلال عام واحد 1985 فى حالة نادرة.
وفى الوقت نفسه انعكس التردى فى العلاقات المصرية، السودانية على شخص السفير السودانى، ففى حالة غير مسبوقة أيضا أبدى الرئيس مبارك فى خطاب مفتوح عام 1994 امتعاضا من تعيين الخرطوم الطيب الكردفانى سفيرا لها فى القاهرة كونه- حسب الرئيس مبارك - عضو فى الجبهة القومية الإسلامية التى يتزعمها الدكتور حسن الترابى باعتباره (أى الكردفانى) ممثلا لزعيم الجبهة، وظل هذا "الاتهام" من وجهة نظر مصر يلاحق الكردفانى إلى أن انتهت فترة عمله فى القاهرة.
وعلى العكس من مبارك الذى قبل أوراق اعتماد الكردفانى واستقبله غير مرة، بدأ الرئيس السادات أكثر تطرفا فى التعبير عن مواقفه حيال بعض السفراء الأجانب.
ففى سبتمبر 1981 ووسط "زفة" إعلامية شاركت فيها كاميرات التليفزيون وعدسات المصورين غادر سفير الاتحاد السوفتى سابقا فلاديمير بولياكوف القاهرة بعد اتهام السادات له بالتدخل فى شئون البلاد الداخلية ضمن حملة على المعارضين لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وفى سابقة ربما تعد الأولى من نوعها عاد السفير نفسه إلى القاهرة سفيرا لبلاده فى العاصمة نفسها التى طرد منها، إذ أصر الزعيم السوفيتى الراحل أندروبوف على هذا الموقف خلال مفاوضات جرت عام 1984 لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر وكشكل من أشكال رد الاعتبار واعتبر قبول القاهرة طلبه نوعا من أنواع الاعتذار عما وجه من اتهامات وما شاب عملية الترحيل من إجراءات.
ومن اللافت، كما تشير الأوراق أن رومانيا هى الوحيدة من بين دول أوروبا الشرقية أعضاء حلف وارسو التى احتفظ السادات بعلاقات طيبة معها وزعيمها نيكولاى تشاوشيسكو، ويعطى كشف السادات لاحقا دور تشاوشيسكو فى ترتيب اتصالات مصرية مع حكومة مناحم بيجين الإسرائيلية تفسيرا لذلك.
وكأحد تداعيات مرحلة التحسن فى العلاقات المصرية الأمريكية اشتبكت مصر مع باقى الدول الشيوعية سابقا خصوصا بلغاريا وألمانيا الشرقية والمجر، وبرغم اتهام دبلوماسييها فى القاهرة بالتورط فى أعمال مخالفة للأعراف الدبلوماسية وأنشطة تجسسية إلا أنه لم يتخذ أى إجراء ضد هؤلاء الدبلوماسيين.
كما انعكس تبدل التوجهات فى صدام عنيف مع دولة "صديقة" هى قبرص، فعلى أثر قتل فلسطينيين الكاتب يوسف السباعى نهاية عام 1977 فى نيقوسيا، ورفض السلطات القبرصية تسليم القتلة، والاعتداء على طائرة مصرية كانت ذهبت هناك تقل قوة لتحرير رهائن الطاهرة مدنية اختطفها فلسطينيون فى مطار لارنكا ثم قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفير القبرصى من مصر وسحب المصرى من نيقوسيا.
التعاطى مع إسرائيل
ويعد أسلوب التعاطى مع سفراء إسرائيل منذ عام 1980 وحتى الآن قاسما مشتركا بين السادات (رغم قصر الفترة) ومبارك: فهؤلاء السفراء يشكلون (وضعية خاصة) كونهم بالنهاية يعبرون عن حكومات تتكفل بإثارة المتاعب بالأساس.
وتتهم الدبلوماسية المصرية سفراء إسرائيل بإثارة مشاكل منتظمة سواء لمحاولة تضخيم انتقادات وسائل الإعلام لسياسات حكوماتهم، أو إعطاء هذه الانتقادات أبعادا غير موضوعية.
وباستثناء المستشار الإعلامى الأسابق لسفارة إسرائيل ليؤربن دور لم تعبر القاهرة رسميا عن عدم ارتياحها كون بن دور تجاوز حدود مهمته "ودأب" على إصدار بيانات تهاجم وسائل الإعلام المصرية وتنتقد "قوى الأمن" طالب فى أحداها مؤسسة إعلامية (الأهرام) فى خطاب رسمى صادر عن السفارة، منع كاتب صحفى كبير (الراحل صلاح الدين حافظ) من الكتابة؟.. وسحبت إسرائيل بن دور فى مايو الماضى.
وكما تجلت التوجهات السياسية المصرية منذ 1979 فى مشاكل مع بعض الدول وسفرائها فى القاهرة، فقد فرضت الخلافات السياسية بين مصر وعدد من الدول نفسها على سفراء هذه الدول فى القاهرة، وانحصرت المسألة منذ 1952 وحتى وفاة الرئيس عبد الناصر فى إجراءات اتخذت حيال سفراء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية كنتيجة طبيعية للخلافات وانعكاسات عدوان 1956 و1967.
وتشير الأوراق المصرية إلى أن عبد الناصر اعتاد سؤال مستشاريه، عند عرض تجاوزات بعض السفراء عليه، هل حجم التجاوزات من الأهمية التى تحتم إثارة مشكلة مع دولهم؟.. وهل حجم العلاقة مع دولهم تستحق أن يتم التضحية بها بسبب هذه التجاوزات؟.. كما تشير الأوراق نفسها إلى أن عبد الناصر لم يكن ميالا إلى النشر فى هذه الحالات