بين الحلم والأسطورة تناثرت الدماء. الحلم: فتوحات الإسكندر الأكبر تلهم الضابط الكورسيكى نابليون بونابرت، والأسطورة: موسكو المدينة الذهبية القابعة فوق السحاب.
موسكو: مدينة المتناقضات: برد الشوارع ودفء القصور، عربات الحوذية ومواكب السادة، المراقص الحالمة والضائعون بلا وصول. مدينة المترفين ومدينة الجائعين. موسكو، كم لك من وجوه يا موسكو!
مدينة الحكايات القابعة فى شمال العالم، لم تكن تعلم بما تخبئه لها الأقدار من جيش القمصان الزرق، جنود نابليون، يتجمعون عند الأبواب، يقودهم قائد كورسيكى، مسكون بالحلم، مفتون بالسيطرة، مفعم بتاريخ الإسكندر، يسابق الزمن من أجل أن يسبقه فى مضمار الفتوح. الإسكندر الأكبر الذى طوّف العالم من شرقه لغربه، وملك أطراف الكرة الأرضية. سباق مجنون بين ضابط مفتون وشبح قادم من العالم الآخر وكتب الحكايات.
المضمار كان يمر بكهف الدب الروسى النائم، ولو كان يعلم ما تصنعه الدببة الجريحة لتركها فى سباتها العميق!.. روسيا قدره وقبره، ضحيته ونهايته.
عشرون عاما كانت كل عمره حينما قامت الثورة الفرنسية بكل ما اكتنفها من دماء وشعارات. حينما استرد مدينة تولون من البريطانيين تحول إلى بطل قومى، بعدها قاده طموحه إلى مصر: بوابة الشرق التاريخية ومفتاحها المسحور، بعدهاعاد لينصب نفسه إمبراطورا على فرنسا، ومن يومها والحياة كرّ وفرّ، ومعارك طاحنة مع إمبراطوريات عجوز تستميت فى وأد الحلم الفرنسى خوفا من امتداد الحلم إلى الممالك المجاورة.
تقريبا حارب كل أوروبا، وكما يحدث فى كل الحروب، البسطاء يدفعون الثمن: الكبارى المهدمة والقرى المحروقة والدخان يحجب مزارع الفلاحين المهجورة، وحلم الإسكندر القابع داخله لا يعبأ بالضحايا. فى ربيع ١٨١٢ نشبت الحرب بين فرنسا وروسيا. قصف المدافع وانهمار الرصاص، وحرائق مشتعلة فى كل مكان، وحوار صامت لم يسمعه أحد بين القائد الكورسيكى وروح الإسكندر المرفرفة دائما حول ميادين القتال. الانسحاب تم بسرعة، والطريق إلى موسكو مفتوح مثل جرح قديم. يتقدم جيش القمصان الزرق يسبقه جواد نابليون. أخيرا موسكو، العاصمة المتكبرة تحت أقدامى!
والذى لم يكن يعلمه أن موسكو هجرها الحب، وهجرها الناس. موسكو احترقت تماما ونهب كل شىء، البوابات مفتوحة على الضياع. دروس كثيرة سيتعلمها نابليون فيما بعد: شتاء روسيا يحارب معها ويفنى الجميع، خمسة وعشرون ألف جندى فرنسى سيموتون فى أرض غريبة باردة معادية، تلك كانت بداية النهاية. نهاية حلم ونهاية طموح. وتبقى موسكو مدينة الحكايات يرفرف حولها روح الإسكندر ساخرا متعجبا من غباء الجميع.