بما أنَّ الفرص كثيرة والمغانم في هذا الشهر غزيرة، فحريٌّ بالعبد المؤمن أن يسعى لاكتسابها ويحاول تطبيقها؛ ليخرج من العيش في ظلاله بنتيجة ترضيه حين يراها في صحائف أعماله، (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون)، وإنَّ من هذه الفرص الجليلة:
العطاء
فهذا الشهر يعطينا فرصاً كثيرة للعطاء وتقديم الخير للناس، وإكرامهم وإسبال الجود عليهم، من قبيل: تفطير الصوَّام، والتصدق بالمال، وتعليم الناس العلم، والسعي في خدمة المحتاجين والمكروبين، وهو فرصة لكي يحرص روَّاد وقُوَّاد العمل الخيري في شهر رمضان على مزيد من العطاء، وبذل الإيجابيَّة الفعَّالة في أوساط الناس.
(العمل)
فشهر رمضان يعطيك دفعة حركيَّة ، ووقوداً حيوياً، وطاقة مستمرة في العمل، فأنت في هذا الشهر تصلي لله تعالى القيام وصلاة التراويح، وأنت في هذا الشهر تتصدق، وكان صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجاهدون فيه لإعلاء كلمة الله، فهو كذلك فرصة للمجاهدين في جميع بلاد المسلمين المحتلَّة ليستثمروا طاقاتهم للمقاومة والجهاد للكفار، ونصرة الإسلام والمسلمين
(الإنجاز) فمن صام شهر رمضان كاملاً فقد أنجز إقامة هذا المشروع الكبير على أتم ما يرام، وهو بهذا يعطيك دفعة روحيَّة لإنجاز أعمالك والتمرن عليها، وترك التسويف والتسويغ غير اللائق، الذي لن يجني المرء منه سوى الهم والغم
(التنظيم)
من يتأمَّل هذا الشهر الكريم يجد دقَّة التنظيم، فلا يدخل وقت في وقت، فللصيام وقت، وللإفطار وقت، وهو بهذا يكسبك دفعة إلى الأمام لكي تُحسِن استغلال وقتك بالنافع المفيد، وتحاول تنظيم وقتك وساعاتك لكي تقوم بالعمل وتنجزه على قدم وساق
(الدعوة)
فالناس يكونون في هذا الشهر راغبين في كل خير، كما أنَّه في هذا الشهر تصفَّد الشياطين، وتكون فيه القلوب إلى الخير أقرب، فهي فرصتك لكي تدعو أقاربك وأرحامك وجيرانك، فهذا الشهر فرصة دعويَّة يستغل الداعية فيه جميع إمكاناته لنشر دعوة الإسلام لدعوة من يستطيع دعوته من الأمَّة المسلمة
(التكافل الاجتماعي)
هذا الشهر الكريم فرصة ذهبيَّة لبر لوالدين، وصلة الأرحام ، والإحسان إلى الإخوان، وحمل هموم الأمَّة المسلمة بالقيام بأداء حقوقها ؛ فيتفقَّد المحتاجين والمعوزين والفقراء والمساكين، ويقوم بخدمتهم وأداء حقوقهم، ويتعاون مع الجمعيات الخيريَّة ويدلها على الفقراء والمساكين والذين لا يسألون الناس إلحافاً، وكذلك يقوم بإخراج الزكاة إنْ حان موعدها في هذا الشهر الكريم، ويصرفها في أهلها الذين يستحقونها، ويشعر بشعور الضعفاء والفقراء، ويحاول قدر الإمكان أن يقدم لهم خدماته ، والله عزَّ وجل سيجزيه خير الجزاء
(تقوية الإرادة)
فهي فرصة عظيمة لمبتغي الخير في هذا الشهر الفضيل، يستطيع من خلالها أن يستثمر روح الإرادة التي جعلته يصوم نهار رمضان كاملاً ، ومن كان كذلك فهو يستطيع أن يقلع عن التدخين، وعن شرب المخدرات والمسكرات المحرمة، في هذا الشهر وغيره من الشهور، ويسيطر على شهواته ونزواته وأهوائه ورغباته التي تحول بينه وبين إرادته وعزيمته،
(تنظيم الغذاء وتخفيف الوزن)
فرمضان فرصة وقائيَّة وعلاجيَّة لمن يودُّون الاعتناء بترتيب غذائهم وتنظيمه ، ومحاولة التخفيف من الأكل والشرب الذي هو في أصله مصلحة للجسم ، ولكن إذا زاد عن حده انقلب سوءاً ومفسدة على النفس وإضراراً بها، فيفسد من خلاله الروح والبدن
(كسب التائبين)
من المعلوم أنَّ الشياطين في شهر رمضان تصفَّد، فيا حبَّذا استغلال إقبال القلوب على الخير والعبادة، فهناك كثير من التائبين يعلنون توبتهم، ويقلعون عن ذنوبهم ومعاصيهم، فهو فرصة للمربين لكي يبذلوا طاقاتهم في تربية هذه النفوس المقبلة على العبادة، وإفادتها ببرنامح تربوي لتقوية الإيمان وأواصر الخير في القلوب الكسيرة التائبة.
(مجازاة النفس)
في هذا الشهر فرصة كبيرة لمجازاة النفس إن خيراً فخير، وإن شراً فعقوبة لها تردعها عن مطالبها الأمَّارة بالسوء، ولهذا كان العيد مكافأة لمن أحسن في هذا الشهر العظيم، وأمَّا من يسيء فيه فإنَّه ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، ومن خلاله نستطيع أن نلزم أنفسنا الخير. وأمَّا إن تمرَّدت، فإنَّنا نمنعها ونحرمها من مبتغياتها لكي تكون لنا عوناً على الطاعة
(التعلق بالمساجد)
نستطيع في هذا الشهر العظيم تعويد أنفسنا لأن تتعلق بالمساجد ، لكي نكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه، ومن ذلك: انتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فيصلي أحدنا المغرب ويبقى جالساً لانتظار صلاة العشاء وينال فضيلة الرباط في طاعة الله، ومن ذلك:
قراءة القرآن والذكر والقيام فيه، والاعتكاف في المساجد في العشر الأواخر؛ للخلوة برب العالمين، وسؤاله الهداية، ومناجاته في هذه الأوقات لعلَّه يفتح على من دعاه فتوح العارفين، ويقيه من نار الجحيم، ويدخله جنة النعيم.
(توبة في رمضان)
في هذا الشهر تتنزل رحمات الله، ويعتق سبحانه كثيراً من عباده من النار ـ أعاذنا الله منها ـ فهو فرصة للعصاة والمذنبين والمقصرين في حقوق الله ـ وكلنا ذاك الرجل ـ للبداية بصفحة جديدة مع الله، وتوبة صادقة إليه، وإقلاع عن الذنوب والمعاصي والآثام
(مراجعة القرآن)
شهر رمضان فرصة لمن تفلَّت عليه حفظ القرآن، ليقوم بمراجعته آناء الليل وأطراف النهار، وليقوم به الليل، ويقرأه متدبراً لما فيه من أحكام ومعانٍ، وقد كان حال سلفنا الصالح عجباً في تأمل القرآن وختمه في هذا الشهر العظيم.
(كسب المسلمين الجدد)
في شهر رمضان فرصة سانحة لدعوة غير المسلمين وتأليف قلوبهم، وإشعارهم بعظمة هذا الدين، وصحَّة شريعته وبطلان الشرائع الأخرى، وقد شهد الكثير من الدعاة أنَّ أكثر وقت يُسلِم فيه غير المسلمين هو شهر رمضان، لما يرونه من تميّز في هذه الشعيرة العظيمة، ومن سموِّ أحكامها وفضائلها، وتفاعل المسلمين معها.
(تنقية القلوب)
في هذا الشهر العظيم أيضاً فرصة لتجديد العلاقات الأخوية، وإعادة صلة ما قطعه القريب مع أقاربه بسبب خلاف أو شجار، فيستعيذ بالله من الشيطان، ويجعل قلبه سليماً، لا غلَّ فيه ولا حقد ولا حسد، ويجدد علاقاته مع أقاربه وأرحامه وخلاَّنه على ميزان الشريعة، مع القيام بالحقوق التي افترضها الله من حقوق المسلم على المسلم، كما أنَّ من المهم استغلال هذا الشهر الكريم للإصلاح بين القلوب المتشاحنة، والأفئدة المتباغضة، ففي هذا أجر عظيم وفضل كبير كما هو معلوم.
(طيب الكلام)
في رمضان فرصة كبيرة لكي يتعلم المسلم ويعتاد على النطق بالألفاظ الطيبة، وترك الألفاظ القبيحة والإقلاع عنها ، وعدم مبادلة الأسوأ بالأسوأ، وإنَّما بالأحسن والتغافل عن أخطاء الآخرين
فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) كما وجَّه بذلك الحبيب ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ.
(الصبر)
يستطيع المرء من خلال هذا الشهر أن يتعلم في دورة مكثَّفة معانيَ الصبر الثلاثة، من الصبر على طاعة الله في صيام رمضان، ومن الصبر عن معاصي الله بالإقلاع عن قبيح القول والكلام وكل ما لا يرضي الله في هذا الشهر الكريم، ومن الصبر على ما قدَّر الله وقضاه من فرض صيام هذا الشهر الكريم بالكمال والتمام، ورضي الله عن الأحنف بن قيس الذي قيل له
إنَّك شيخ كبير وإنَّ الصيام يضعفك) فقال: (إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه)
أخيراً
فهذه فرص تلمَّستها بعد تأمُّل ذهني، أقدِّمها لإخواني المسلمين طيبةً جاهزةً، راجياً الله أن يقوموا بالتقاطها والقيام بها وأدائها، وعَلِمَ الله الذي لا إله إلاَّ هو ، ما من شهرٍ يمر على المسلمين أفضل أجراً ولا أعلى ذكراً ولا أكثر قرباً لقلوب المسلمين من هذا الشهر العظيم؛ الذي تفتَّح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، فهنيئاً لمن استغله بالطاعات، ويا لخسارة من فرَّط فيه، وأضاع حقوقه وواجباته ومقاصده.
لقد جمع هذا الشهر جميع ألوان العبادة، وشتَّى أشكال الروحانيَّة والتقرب إلى الله، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين