حدَّثني أحد الإخوة الدعاة الفضلاء عن قصَّة شاب لم يبلغ السابعة عشرة من عمره، وكان يجري همُّ الدعوة في قلبه في كل وقت، وحين يقدم شهر رمضان كان يتهيَّأ له بالصالحات والبر والطاعات، ومن ذلك أنَّه كان يقف في نهار رمضان قبل أن يفطر الناس بربع ساعة على جانب الطريق، ثمَّ يذهب إلى مكان اصطفاف الناس وازدحامهم بسياراتهم عند الإشارات المروريَّة المتوقفة بضع دقائق، ويقوم بتوزيع الإفطار لأولئك الصائمين في سياراتهم مما تيسر من الرطب والكعك، ويرفق ذلك بمطويات دعويَّة ونشرات توجيهيَّة تحث على نشر الدين والفضيلة ومكارم الأخلاق، بابتسامة مشرقة، ووجه مضيء بالإيمان ـ نحسبه كذلك ـ وقد بقي على ذلك عدَّة سنوات يقوم بهذا العمل الفضيل
وأثناء قيامه بهذا العمل كعادته في أحد الأيَّام، جاءت سيَّارة مسرعة عند تلك الإشارة، وقد كان واقفاً قربها فاصطدمت به فأرْدَتْه قتيلاً مضرَّجاً بدمائه، وهو صائم لله عزَّ وجل، يقوم بتفطير الصوام، وإدخال السرور عليهم وعلى أولادهم، ويدعوهم إلى الله تعالى فهنيئاً له عمله ذلك، وتقبَّله الله تعالى في جنانه
لقد أثَّرت هذه القصَّة في نفسي كثيراً، وتذكَّرت حين سمعتها ذلك الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً إلى رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ
إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله ، فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت) أخرجه الترمذي برقم:(2142) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
ولو قارنَّا بين ذلك الشاب الداعية ـ رحمة الله عليه ـ وبين كثير من المسلمين في شتَّى البقاع الذين يمر عليهم رمضان تلو رمضان ، دون أن يغتنموا فيه تلك الفرص الجليلة التي قلَّما أن تجتمع بشهر كما اجتمعت في هذا الشهر، لوجدنا بينه وبينهم بوناً شاسعاً وفرقاً هائلاً فيمن يغتنم وقته بالطاعات ومن يغتنمه بالموبقات!
ولو أردنا أن نحرِّك أفكارنا، و نستخدم أذهاننا لالتقاط تلك الفرص والمغانم والمكاسب والثروات التي نستطيع أن نجنيها أو أن نبذرها في هذا الشهر ـ لطال بنا المقام، ولأدركنا قيمة هذا الشهر العظيم وما فيه من خيرات وبركات تنهال علينا ونحن عنها غافلون
ففي هذا الشهر نستطيع أن نفعِّل الكثير من المشاريع الدعوية والأفكار الإصلاحيَّة، ونبذر الأعمال الصالحة، وننتهج سبل أهل الخير والسبق في استغلال الأوقات الفضيلة بما يفيد أمَّتنا ومجتمعنا.
ربنا تقبل منا خير الاعمال واعفو عنا واغفر لنا