رجلان يلعبان دوريهما فى القمة.. الأستاذ هيكل فى القمة الإعلامية، والثانى فى العمل السياسى الداخلى وهو السيد صفوت الشريف.
الاثنان أخذا قوتهما الدافعة من ثورة يوليو، الأول حينما اصطفاه عبدالناصر وأسقط عليه قرار المقدرة على التوصيل للناس كل ما يريد السيد الرئيس، ونجح فى ذلك ليس بخلو الساحة من صحفيين كبار، ولكن لأنه استطاع أن يضبط ساعته الصحفية على رأس الدولة، وأن يكسب ثقته ليس للتوصيل للناس، ولكن لتوصيل كل وجهات النظر والمتغيرات المحلية والعالمية إليه.. أما الثانى السيد صفوت الشريف فقد تجمعت الخيوط فى يديه منذ عمله بالمخابرات، فأصبح فى موقعه كاشفاً لما يحدث من محاولات للسيطرة المخابراتية.
والسيد صفوت الشريف، من وجهة نظرى، أقوى من تواجد فى موقع الرجل الثانى بحيث يتراخى الطرف الأول ويعتمد عليه كلية، وهو القوى الذى يعتمد عليه فعلاً، ففى منصبه المدنى الأول وكيلاً للهيئة العامة للاستعلامات والرجل الثانى للدكتور مرسى سعدالدين، استطاع أن يُسير الأمور بيسر وصبر وحنكة حتى إن الدكتور مرسى ترك له كل شىء حتى أصبح رئيساً للهيئة بعد ذلك، وانتقل بنفس الحنكة والذكاء والخبرات المتراكمة إلى رئاسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، فلعب الدور وسيطر على الإعلام تماماً، حتى إنه أدى لمصر دوراً إنقاذياً عند استشهاد الرئيس السادات فى المنصة، فقد قال لى وقتها إنه لم يذهب لمستشفى المعادى، وإنما عاد إلى مبنى التليفزيون ومنع الدخول ومنع الخروج حتى يحبط الانقلاب الدموى الذى بدأ باغتيال رئيس الدولة، وفعلاً كان المخطط أن يغتال السادات ثم تتم السيطرة على مبنى التليفزيون وإعلان الانقلاب.
وحينما انتقل إلى موقعه وزيراً للإعلام أصبح وجدان الأمة بين يديه والنخبة السياسية تعتمد عليه فى ضبط السيطرة على بوصلة السياسة الداخلية.
وبوصوله إلى رئاسة مجلس الشورى أصبحت الخريطة كلها أمام عينيه وبين يديه القويتين، وهو بطبيعته يحسن لعبة الرجل الثانى الذى تعتمد عليه القمة ووصوله للقمة فى الحزب الوطنى الذى يختلط على العامة مَنْ منهما قبل الآخر الحكومة أم الحزب مثل البيضة والدجاجة تماماً، جعله قديراً على الربط بين القمة والقاعدة.
أما الأستاذ هيكل، فقد اكتفى بجراب التاريخ يسقط من أحداثه على المجريات الحالية فى تدفقاته التليفزيونية وتربيطاته الذكية بين الماضى والحاضر بكاريزما عالية، وجاء ولدنا النابه مجدى الجلاد فأطلق قذيفته الحوارية مع الأستاذ والتى قلبت البحيرة الراكدة من السياسة الداخلية والمستقرة على قضية التوريث حتى إن الفراغ السياسى جعل المتطلعين للإصلاح يعملون منها ركيزة، ومع احترامى الشديد لهم التوريث ليس هو أسوأ ما حدث لنا هناك أشياء استقرت فى قلب الأمة وتنخر فى عظامها أهونها التوريث!
نعود للحوار الذى لوى عنق النخبة فأنساها التوريث والتفت حول فكرة (مجلس الأمناء) الذى اقترحه الأستاذ، وكأنهم يصفون العلاج، بينما المريض فى غرفة الإنعاش.. وإن عاش!
والمسألة ليست فى تحقيق الاقتراح، القدوة للخروج من مأزق وضع رقبة الشعب بكل مقدراته وحياته فى يد واحدة هى يد الحكومة وإيهامه بأن هناك حزباً يجمعهم وأن بيدهم الأمر مع أن الحزب هو الحكومة والحكومة هى الحزب.. وأتخيل صيحة لويس الرابع عشر «أنا الدولة والدولة أنا» وقامت الثورة الفرنسية وهو فى عنفوان الثقة!
وأصل إلى الرجل الثانى فى الدولة والذى يملك المقدرات لامتلاكه الأمور فى الحزب، إنه السيد صفوت الشريف الذى نجح بحنكته وتراكماته فى السياسة الداخلية فى أن يكون الرجل الثانى القوى الذى يعتمد عليه الرجل الأول تماماً.. إنه القناة جيدة التوصيل والقادرة على توصيل اقتراح الأستاذ إلى السيد الرئيس، ورغم تحفظاتى على تركيبة البشر الذين اختارهم الأستاذ هيكل من علماء أجلاء لا يجب علينا تشتيت عقولهم بعيداً عما برعوا فيه وأنجزوه، خصوصاً عالمياً.
هناك اختيارات عاطفية لا تصلح لإدارة أمة قد وصلها الهلاك بأسرع ما كنا نتصور.. طبعاً عدا عمرو موسى المحصن بعقلية شديدة المقدرة على خوض الشأن الداخلى والشأن الخارجى فى ذات الوقت، ولنا عودة لحواره الشديد الأهمية فى ذات اليوم مع حوار الأستاذ.
أين هذا الشجاع الذى يستطيع أن يجمع الأستاذ هيكل بالسيد صفوت الشريف لتصل الرسالة إلى بابها الرئيسى؟ إنه الوحيد الذى يستطيع أن يقنع الرئيس، ولعلنا نفتح شهية الكتاب لأخذ الآراء والتغطية لهذا الحلم الذى حتماً سوف يحقق الحلم الأكبر «مجلس الأمناء» لإنقاذ دولة فى غرفة الإنعاش وعلى وشك انقطاع الأوكسجين، فالحقوها يرحمكم الله.