ليتنى كنت فاسد حتى يفتح لى الوطن ذراعيه ويحتضننى ويدعم فسادى ويكافئنى عليه ويمنحنى من ثرواته وخيراته ما يكفينى ويكفى الجيل العاشر من نسلى والذى أستبعد تماماً أن يدعو لى بالرحمة والمغفرة يوماً ما بعد وفاتى بل أجزم بأنه لن يتذكر اسمى قط لأنه سيكون بالطبع فاسداً من نسل فاسدين
ليس ذلك هو المهم.. بل المهم وقبل فوات الأوان كيف أصبح فاسد ويكون لى من الفساد حظ ونصيب حتى أنأى بنفسى عن جملة «المعذبين فى الأرض» و«البؤساء»، الذين يشكلون أكثر من ثلثى سكان هذا الوطن.. يعيشون كالجثث المتحركة.. يتجرعون مرارة الذل والظلم والاستعباد والاستبداد لا يستطيعون فعل أى شىء لا لون ولا طعم ولا رائحة لحياتهم حياتهم التى أصبحت وبالاً عليهم وباتوا يتمنون الموت فى كل لحظة بل منهم من لا يعطى نفسه فرصة لتمنيه فيتخلص من حياته طمعاً فى رحمة الله
أفكر كثيراً فى كل هذه الأمور وألوم نفسى وأتساءل مادام الفساد هو الحل وهو المنجّى والمخلّص من كل هذه العذابات والإحباطات التى تسلبنى حقى فى الحياة.. فلماذا لا أميت إحساسى وضميرى، وأقضى على جانب الخير والصلاح الذى بداخلى.. وأدوس على القيم والمثل والمبادئ بحذائى.. وأحطم كل الفضائل والمعانى السامية التى لا جدوى منها فى هذا الزمان.. وأسير فى طريق الفساد السريع.. الخالى من المطبات والعقبات.. فأحقق لنفسى المال والممتلكات الهائلة التى تجعل لى شأنا عظيماً وقيمة كبيرة..
كما ستجعل الكبير قبل الصغير يهابنى وينحنى لى خوفاً من نفوذى وجبروتى سأكون ملك متوج على عرش الفساد.. ويقوم بحمايتى حماة ورعاة وخادمو الفساد.. سآمر وأنهى كيفما ووقتما أشاء.. هافترى ومش هارحم، وسأقف بالمرصاد لكل صالح حتى يكره اللحظة التى ولد فيها.. فيندم على صلاحه وينضم إلى حزب الفاسدين، الذى آمل أن أكون قائده يوماً ما، لعلى أكون على قمة المرشحين فى الانتخابات إياها القادمة.. وأنا ورا البلد دى والزمن طويل