انظر إليه، تأمله. ذب فيه، تقمّصه. لاحظ جبهته النبيلة، وعينيه اللتين تشعان ودا، صفاء ملامحه، وذلك النبل الكائن فى قسماته. وجهه المستطيل كحزن طويل، شاربه المتوج بثقل المسؤولية، نظرة الجد فى عينيه تتجاوز عمره الغض، وشبابه المبكر. تتجاوز الحاضر والزمن، وتحلم بمستقبل أفضل لهذا الوطن. حقا، لم نعد نقابل أمثال هؤلاء الرجال!!. مصطفى كامل، عاشق مصر المتيم، الذى دوخه عشق النيل وبلادنا السمراء. مصطفى كامل الذى طاف أوروبا شاعرا يتغنى بمحبوبته، زعيما يقود أمته، جنديا فى معركة لا تنتهي، أسس الحزب الوطنى وجريدة المؤيد، ونادى بالوطنية المصرية الخالصة فى إطار العالم الإسلامى الكبير. نشأته نشأة جد وكفاح، وإحساس بالمسؤولية وتقدير للتبعة، مناضل بالفطرة، عاشق للحرية، مصطدم بكل سلطة دون أن يخاف أو يهتز جنانه. رجل وهو طفل، وبطل وهو رجل. ملهم لآمال شعب أدرك بفطرته أنه زعيم الوطنية. يكفى أن تنظر إلى صورته ليدق قلبك ويكتنفك الشجن. بلادك التى تحبها رغم ما فعلته بك. يتردد داخلك – دون أن تدرى - ذلك اللحن الرخيم: «بلادى.. بلادى.. لك حبى وفؤادى».. أشعار منثورة حفظتها ذاكرة الوطن. حفظتها لأنها مست شيئا فيها، لأنها تعلم بالفطرة أنه صادق فى دعواه. ذاكرة الوطن لا تخطئ أبدا. تلفظ المدّعين والطغاة الصغار ولا تنسى عشاقها الكبار. كان عمره قصيرا ولكن متى كان العمر بالسنين!! أربعة وثلاثون عاما وهبها بالكامل لوطنه منذ أن كان تلميذا فى المدرسة الخديوية فأسس جمعية أدبية وطنية، فى مدرسة الحقوق تعرّف على شخصيات وطنية وأدبية كإسماعيل صبرى وجبران خليل وميشيل تكلا، ثم ذهب إلى فرنسا ليكمل دراسته ويدافع عن حقوق بلاده منددا بالاستعمار. بعد عودته إلى مصر سطع نجمه فى سماء الصحافة خصوصا مع هجوم الصحافة البريطانية عليه. علامة العشق أن تفعل الشيء لأنك تحبه وليس لأنك ترجو ثوابه. حينما تأسست لجنة لتكريمه وأعلنوا الاكتتاب العام للاحتفال به وإهدائه هدية قيّمة اعترافا بدوره الوطنى فى مقاومة المحتل، وتقديرا لدوره الكبير فى فضح وحشية الإنجليز فى مذبحة دنشواى. ببساطة رفض التكريم لأن ما قام به واجب وطنى لا يصح أن يكافأ عليه!!، وأصر أن تدعو نفس هذه اللجنة الأمة المصرية إلى التبرع لتأسيس الجامعة الأهلية ليتعلم فيها الفقراء والأغنياء. مصطفى كامل فعل هذا بمحض إرادته فهل عرفتم الآن لماذا لم نعد نرى أمثال هؤلاء الرجال؟.