**لماذا السهر ؟
تتعدد أسباب السهر، ولعل أهونها وأيسرها علاجًا هي الأسباب الفسيولوجية الناتجة عن خلل في إفراز هرمون الميلاتونين الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا في عملية النوم، والذي يزداد إفرازه ليلاً حسب الدراسات العلمية الحديثة التي أشارت إلى ذلك، ولكن هناك بعدًا نفسيًا وبعدًا اجتماعيًا في خلفية الصورة هو أجدر بالتناول.
فالسهر قد يكون هروبًا من مواجهة مشكلات حقيقية تتحدانا في حياتنا الاجتماعية، أو الدراسية، أو الزوجية، أو العملية، ونترجم الهروب منها في السهر أمام شاشات التليفزيون أو النت أو غيره؛ حتى لا نفكر في مواجهتها كثيرًا.
وقد يكون تعبيرًا عن اضطراب نفسي كالاكتئاب والقلق، أو التوتر، يحتاج لعلاج نفسي، وقد يكون تعبيرًا عن العدوان، خاصة في فئة المراهقين؛ حيث مرحلة التمرد على قوانين البيت، وقائمة (افعل ولا تفعل)؛ حيث يعيشون يجد المراهق نفسه غير قادر عن التعبير عن غضبه مما يُطلب منه أو الاعتراض عليه بشكل واضح وصريح، فيقوم بالسهر وإضاعة الوقت في غير فائدة «كـ تنفيس» غير مباشر لاعتراضه على الأهل؛ لأن في إضاعة الوقت إيذاء لوالديه وإثباتًا لشخصيته.
كما قد يكون سببه النشأة؛ حيث لم يُرب الطفل منذ صغره على إعلاء قيمة الوقت، أو الإحساس بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه المجتمع، أو نتاج التربية المدللة مثلاً التي تخرج لنا شخصًا مستهترًا لا يعي مفهوم الحرية بحق.
وقد يكون للإعلام دوره؛ حيث صدّر لنا مفهوم السهر بالقنوات التي تستمر في البيت 24 ساعة يوميًا.
وقد يكون السهر دلالة على ضعف الوازع الديني، حين نبتعد عن وصايا الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) فيما يخص حق البدن وأهمية النوم، والتبكير للحفاظ على الصحة، وصلاة الفجر وغيره.كيفية العلاج :
بقي أن نتحدث عن كيفية العلاج أو المواجهة، وهنا أقول لكل شباب: عليك أن تعي أن نجاحك في الحياة هو مسئوليتك الشخصية، ولن تنجح إلا إذا قاومت ما تحب، وتحملت ما تكره، فقد تهوى السهر، ولكنك في المقابل تأخذ من رصيد صحتك البدنية والعصبية والنفسية، ومن رصيد دورك الحقيقي في هذه الحياة التي خُلقت له، من العمل والدأب نهارًا، والاسترخاء والنوم ليلاً.
ولا تتصور أنك بذلك تُسلب حريتك، فالحرية التي تسبب المرض والتقصير، والوقوع فيما لا يجب - هي حرية مزيفة، والحرية التي تقوم على مجرد التمرد هي حرية أيضًا مزيفة، وحريتك الحقيقية هي ألا تظل عبدًا لعادة سيئة أثبتت معظم الدراسات أنها تسبب الكثير من الاضطرابات العصبية والعقلية والنفسية، وتسبب ضعفًا في التركيز والذاكرة قصيرة المدى، والقدرة على التحصيل والأداء مهما نام الإنسان نهارًا.
والسهر ليس علاجًا لمشكلة تواجهك، بل هو هروب من واقع قد يكون سببه الفراغ أو عدم وجود شيء حقيقى تعمل من أجله، والأجدر لك هو البحث عن هذا الدور وهذا العمل، بدلاً من قتل خلايا مخك وتدميرها يوميًا بهذا السهر، والوقوع في المزيد من عدم الرضا عن النفس والحياة، أو الاستهتار بهما.