السباق المحموم لشركات الادوية .. وأزمة فيروس انفلونزا الخنازير عقار التاميفلو المستخدم في علاج انفلونزا الخنازير - ا ف ب
10/9/2009 7:24:00 PM
القاهرة - أثار فيروس (ايه /اتش 1 ان 1) المسبب للانفلونزا الجديدة المعروفة باسم انفلونزا الخنازير حالة من الهلع فى كافة ارجاء العالم، واصبح موضوع الساعة، وبات موضع دراسات وابحاث لمحاولة التوصل الى لقاح يقى منه ..الا ان التساؤلات والشكوك وتضارب الانباء والاراء رافقت انتشار الفيروس الجديد، لاسيما حول ما اذا كانت هناك يد خفية تتحكم فى مسار الامور من خلف الستار.
وقد فتح اعتراف منظمة الصحة العالمية رسميا بظهور اول وباء يجتاح العالم فى القرن الحادى والعشرين والاحصاءات التى اكدت انتشار فيروس ايه/اتش 1 ان 1/ فى 177 دولة فى غضون ستة اشهر فقط وتسببه فى وفاة 2837 شخصا المجال لمن لهم المصلحة فى استغلال حالة الذعر التى انتابت العالم لجنى ارباح طائلة .. فبين التهويل والتهوين سادت حالة من التخبط وسط محاولات حثيثة لمعرفة حقيقة الفيروس الجديد ومدى خطورته.
وعلى الجانب المعملى، دخلت المختبرات فى سباق مع الزمن من اجل التوصل الى لقاح يوقف انتشار وباء انفلونزا الخنازير ، ومنذ اشهر ارتفعت وتيرة انتاج اللقاح فى المختبرات الطبية ، لدرجة ان مختبر " سانوفى افنتيس" الفرنسى والذى يعد اكبر مختبر لانتاج اللقاحات فى العالم بدأ فى انتاجه قبل الحصول على الرخصة اللازمة لذلك.
وقد تم تركيب اللقاح الجديد المضاد لفيروس /اتش 1 ان 1/ فى وقت قياسى لم يشهده تاريخ اللقاحات من قبل .. بينما فى الظروف العادية لابد من الانتظار لسنوات لضمان فعالية وسلامة اللقاح.
وحذر الدكتور ريتشارد هالفرسون رئيس مصلحة اللقاح البريطانية "بيبى جابس" من جانبه - فى تصريحات نقلتها قناة "فرانس 24" الاخبارية - من ان اللقاح تم انتاجه على نحو اسرع مما عرفه اى لقاح اخر ، وانه لم يتم تجربته بطريقة سليمة لمعرفة مدى فاعليته ، مشددا على انه كان يتعين ان تجرى على اللقاح المزيد من التجارب قبل البدء فى انتاجه.
ولفت هالفرسون الى وجود مادة الزئبق فى اللقاح الجديد وهى مادة سامة تم سحبها من كافة اللقاحات السابقة للاطفال .. الامر الذى يشير الى ان هذا اللقاح سام على المستوى العصبى.
فى حين قالت الدكتورة بيم كون المديرة الطبية فى شركة جلاكسو سميث كلاين ببريطانيا - للقناة الفرنسية ذاتها - "اننا نحاول ان نقلل من المادة المستخلصة من مادة الزئبق المستخدمة فى اللقاح ، الا اننا فى حاجة الى هذا العنصر لطبيعته الحافظة .. ان الزئبق مادة خطيرة عندما تستخدم بكميات كبيرة ، لكننا نتحدث عن كميات قليلة تستخدم فى اللقاح".
وفى الثلاثاء الماضي، قالت شركة جلاكسو انها فازت باوامر شراء اضافية من 22 حكومة للقاح انفلونزا الخنازير في الشهرين الماضيين وهو ما يرفع العدد الاجمالي للجرعات المطلوب شرائها الى 440 مليون جرعة.
وتشير احدث بيانات الشركة الى اضافة 149 مليون امر شراء جديد منذ الرابع من اغسطس الماضى .. وهو ما يؤكد حجم المبيعات الكبير والارباح الاستثنائية التى حققتها الشركة منذ تفشي وباء الانفلونزا.
وعقدت الشركة مجموعة من الاتفاقات مع حكومة الولايات المتحدة لامدادها بمنتجات للعلاج من الوباء قيمتها 250 مليون دولار اخرى وهناك مناقشات متواصلة مع حكومات اخرى لمزيد من امدادات اللقاح.
وتسعى شركتا الادوية السويسريتان الكبيرتان نوفارتيس ولاروش حثيثا الي تزويد المجتمع الدولي بعقار التاميفلو واللقاح المضاد لانفلونزا الخنازير لتحققان من وراء ذلك رواجا لمنتجاتهما كان الامل فيه مفقودا بسبب الازمة الاقتصادية.
واعلنت شركة (شوجاى) للصناعات الدوائية فى اليابان الاربعاء انها تتوقع ارتفاع صافي ارباحها حتى شهر ديسمبر المقبل لتصل الى 46 مليار ينا يابانيا بدلا من 40 مليار ينا حسبما كان متوقعا وذلك بعد انتشار فيروس انفلونزا الخنازير وزيادة الطلب على عقار "تاميفلو".
كذلك اعلنت شركة الخليج للصناعات الدوائية (جلفار) الاماراتية مؤخرا انها حصلت على الحقوق الحصرية لتصنيع لقاح مضاد لفيروس (اتش1 ان1) من شركة (هوالان) الصينية للهندسة البيولوجية.
وتشير صفقة (هوالان) مع (جلفار) الى شدة المنافسة في المنطقة العربية .. كما دخلت شركة (تبوك) للادوية السعودية في اتفاق مع شركة (ميديكاجو) الكندية للادوية لانتاج وبيع اللقاح في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
ومن ناحية اخرى ، يؤكد الكثير من العلماء أنه ربما لا تزيد ضراوة فيروس ايه /اتش 1 ان 1/ على الإنفلونزا البشرية العادية التي تتسبب في وفاة نحو 500 ألف شخص سنويا في مختلف دول العالم اغلبيتهم من المسنين والمصابين بامراض مزمنة مثل القلب والسكر ، وان هناك من يحاول بث الرعب فى نفوس المواطنين ازاء هذا الفيروس الجديد.
وعلى سبيل المثال ، قال رئيس جمعية "اس او اس ميدسان" الفرنسية مارج سماجا عن الفيروس الجديد "انها كالانفلونزا العادية الا انها قد تصيبنا فى الصيف وليس فى الشتاء " وتساءل بدهشة " لا افهم لماذا يبالغ البعض فى هذه القضية ".
واشار الدكتور عبد اللطيف المر أستاذ الطب الوقائي بكلية طب الزقازيق واستشاري الصحة العامة بمستشفى الأحمدي بالكويت - فى تصريحات خاصة للموقع الالكترونى لوزارة الصحة الكويتية - الى ان انفلونزا البشر الموسمية تقتل ما يقرب من نصف مليون وتصيب نحو نصف مليار شخص سنويا ، كما ان معدل الوفيات التي تحدث بسبب الفيروس الحالي تقارب معدل الوفيات من الإنفلونزا العادية وتعتبر منخفضة جدا مقارنة بما حدث في الموجات الوبائية السابقة أو حتى بإنفلونزا الطيور.
واكد د. محمد عوض تاج الدين وزير الصحة السابق وأستاذ الجهاز التنفسي والصدر - فى تصريحات صحفية - ان فيروس انفلونزا الخنازير كان موجودا في دول مثل المكسيك والبرازيل وأمريكا منذ عام 1918 وكان معروفا بأنه فيروس ضعيف ولا يصيب البشر، وإذا أصابهم فإن أضراره بسيطة ونسبة الوفاة منه لا تتجاوز 4%، وذلك بعكس انفلونزا الطيور أوالإنفلونزا البشرية والتي يصل عدد ضحاياها إلي ما يفوق النصف مليون سنويا.
واعرب عن اعتقاده بان الضجة المثارة حول إنفلونزا الخنازير ضجة مفتعلة ووراءها مافيا شركات الامريكية لصناعة الدواء بغرض الاستفادة من المخزون المتراكم لديها من الأمصال وتحقيق أقصي ربح ممكن.
وترددت اقاويل كثيرة بين المتشككين حول شركة "جلعاد" وهي أولى الشركات التي انتجت عقار "تامفلو" المستخدم الان لعلاج حالات الاصابة بانفلونزا الخنازير، والتى يعد وزير الدفاع الامريكى السابق دونالد رامسفيلد من أكبر المساهمين فيها، و تعمل في مجال صناعة المضادات الفيروسية بشكل خاص ، وقد تمكنت حتى عام 2006 من تطوير أحد عشر عقارا.
وسنحت الفرصة الذهبية لشركة جلعاد عندما حازت على ترخيص بانتاج عقار التامفلو في 27 من اكتوبر عام 1999 بعد أن دخلت جلعاد في شراكة مع شركة "هوفمان - لاروش" السويسرية لإنتاجه ، وقامت ببيع حقوق استغلال هذا العقارللشركه الفرنسيه لاروش مع الاحتفاظ بنسبة 10% من الارباح.
واستفادت لاروش في السنوات الماضية من طلبات الدول التي تسعى الى زيادة مخزونها من التامفلو لمواجهة انتشار فيروس انفلونزا الطيور التي اظهر العقار فاعلية في مكافحتها.. الا انه مع انتهاء هذه الطلبات تراجع حجم اعمال التامفلو بنسبة 68% ليستقر على 609 ملايين فرنك سويسري (9،403 ملايين يورو) العام الماضي - وذلك وفقا لما اورده الموقع الالكترونى الرسمى للبورصة المصرية.
ويرى المحلل لوك اولتن في مؤسسة هليفيا ان توقع وصول مبيعات التامفلو الى 900 مليون فرنك (3،597 مليون يورو) عام 2009 تبدو "حذرة جدا" لان روش "تستفيد بالتاكيد" من انفلونزا الخنازير .. ذلك برغم التحفظات المثارة حول مدى فعالية العقار في مواجهة انفلونزا الخنازير والأعراض الجانبية الضارة التي قد تنتج عن تناوله.
وكان استخدام عقار "تامفلو" محصورا فى بادىء الامر فى علاج الانفلونزا بنوعيها (ايه) و(بى) اللذين لا يلجأ كثير من الأطباء والمرضى لمعالجتها إلا بالمسكنات ووسائل خفض درجات الحرارة ، لكن في عام 2005 اجتاح العالم خوف رهيب من وباء مزعوم أطلق عليه اسم إنفلونزا الطيور وعلى الفور قفز اسم هذا العقار إلى الواجهة على أنه العقار الوحيد الذي يقضي علي هذا الوباء القاتل ، ومع تسارع وتيرة أنباء الوفيات الناجمة عن هذا المرض سارعت الدول لشراء هذا العقار وتخزينه استعدادا لمواجهة وباء بات وشيكا فى ذلك الوقت.
الا أن الكوارث المادية والبشرية التى كان من المتوقع ان يتسبب فى احداثها هذا الوباء المزعوم لم تتحقق ، وتبين فيما بعد ان احتمال الوفاة بسبب انفلونزا الطيور أقل من احتمال الوفاة دهسا بسيارة مسرعة اثناء السير فى الشارع ، واصبح مخزون عقار تامفلو مهددا بالتلف لارتباطه بمدة صلاحية محددة.
وكان اعلان المكسيك عن ظهور انفلونزا الخنازير بمثابة طوق النجاة لمخزون عقار تاميفلو ، الامر الذى ساهم بشكل كبير فى ارتفاع اسهم كل من شركة لاروش السويسرية وشركة جلعاد.
والى ان يتم وقف انتشار الفيروس المسبب لانفلونزا الخنازير والقضاء على المرض ، سوف تبقى الشكوك تلاحق نوايا شركات انتاج الامصال الواقية بدافع الربح المالى فى وقت لايزال يتعافي فيه العالم من ازمة اقتصادية طاحنة.
المصدر: وكالة انباء الشرق الاوسط