يقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وهو ينصحنا ويرشدنا بكلمات بينات واضحات جليات قليلات: اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن أورده الحاكم في المستدرك) وهي نصيحة اذا ما طبقناها وجعلناها دستورا لحياتنا فإننا لانحتاج إلي الرقابة الادارية والنيابة الادارية, ولانحتاج إلي شرطي المرور ولا إلي مفتش التموين ولا إلي أي محتسب كان, ولذهب ذلك الفساد العريض الذي يجتاج البلاد والعباد مخالفا للنظام معلنا بالمعصية مجاهرا بالشهوات
ولكي يتقي الانسان ربه حيثما كان فعليه بثلاثة أمور, أولا: لابد من أنه يؤمن به, فالايمان هو أول درجات التقوي, ولايتصور من احد من العالمين يتقي الله وهو لايؤمن به, ويفترق الناس إلي فريقين: فريق قد آمنوا بربهم, وفريق قد كفروا بربهم: ثانيا: لابد من ذكر الله فإن كنت قد نسيت الله فكيف تتقيه؟ والمؤمن بربه أحد اثنين: ذاكر متيقظ, أو ناس غافل, ثالثا: لايمكن ان تتقي الله رب العالمين إلا اذا استحضرت الخوف والخشية والرهبة من جلاله, اما اذا لم تستحضر ذلك وذكر لسانك دون أن يذكر قلبك, ولا أن يخشع لرب العالمين فلابد انك تقع ـ نسيانا ـ في الذنب وفي المعصية, أو تغلبك شهوتك فتأتي ذلك عامدا متعمدا, لانك لم تستحضر خشية الله ورهبته وخوفه في قلبك
وهذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالي عنه ـ يسأل ابي بن كعب ـ وكانت الصحابة تحب ان تتذاكر العلم لتطبقه في حياتها ـ ما التقوي يا أبي؟ قال: أسرت في واد فيه شوك؟
قال: نعم, قال: ماذا فعلت؟ قال: شمرت عن ثيابي وحذرت ما أري, قال: هذه هي التقوي.
وأخذ ابن المعتز ذلك وصاغه شعرا, وقال:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقي
واصنع كماش فوق ارض الشوك يحذر ما يري
لاتحقرن صغيرة ان الجبال من الحصي
وسيدنا علي بن ابي طالب رضي الله تعالي عنه ـ يقول: التقوي: الخوف من الجليل وهو أول ركن من اركان التقوي ـ ثم يأتي لنا بعناصر اخري فيقول: والعمل بالتنزيل, والاستعداد ليوم الرحيل, والرضا بالقليل.
وحيثما تستعمل للمكان والزمان, يعني اتق الله في كل زمانك, وفي اي مكان كنت فيه, متبعا برنامج عمل كاملا لو طبقته تغيرت حياتك ورأيت الإسلام كله بين جنبيك, فقد خرج الوهن من قلبك, وخرجت الدنيا من قلبك حتي لو كانت في يدك.
وأتبع السيئة الحسنة تمحها برنامج آخر لعدم فعل المعصية بعد ذلك, فكلما صدرت منك مخالفة: ذهبت ففعلت خيرا, فإنك لاتتسرع في المخالفة بعد ذلك ابدا, فمن نظر نظرة ورأي فيها معصية فليذهب ويتوضأ, ومن ارتكب في حق اخيه غيبة أو نميمة فليدعو له, ومن نسي الله فليذكره ويسبحه, فلابد لك ان تحاسب نفسك قبل ان تحاسب, وان تلتفت إلي نفسك وتري فيها جذع الشجرة وتتغاضي عن القذاة التي في عين اخيك
ثم يتم رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ذلك التدريب السهل اليسير علي ما عودنا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم بالأخذ بيدنا إلي مواطن الخير ودوائر رضا الله بيسر وسهولة يخاطب بها العالمين إلي يوم الدين جاهلهم, وعالمهم, قويهم, وضعيفهم, رجالهم ونساءهم, يتوج ذلك كله بما جاء ليتمم إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق البيهقي في سننه الكبري فيقول: وخالق الناس بخلق حسن ثم يفصل هذا الخلق في مواطن اخري كثيرة فيقول: تبسمك في وجه اخيك صدقة صحيح ابن حبان ان الرفق لايكون في شيء إلا زانه, ولاينزع من شيء إلا شانه صحيح مسلم الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء( الترمذي) إن الله كتب الاحسان علي كل شيء فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة, واذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته الترمذي وتوق كرائم اموال الناس البخاري
كثير من اخلاق النبوة يفتحها رسول الله صلي الله عليه وسلم امامك واسعة,, فعن حسان بن عطية عن ابي كبشة السلولي قال: سمعت عبدالله بن عمرو يقول قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ اربعون خصلة اعلاهن منيحة العتر ما يعمل رجل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة قال أبو داود في حديث مسدد قال حسان فعدد ما دون منيحة العنز من رد السلام وتشميت العاطس واماطة الاذي عن الطريق ونحوه فما استطعنا ان نبلغ خمس عشرة خصلة, ومنيحة العتر: ان تعطي الشاة لجارك يحلبها ويأخذ لبنها ويعيدها إليك, فلم تخسر شيئا ابدا, فاذا بها علي رأس قائمة من اربعين خصلة هي اعلاها ان فعلتها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا ادخلك الله بسببها الجنة
هذه بحبوحة منحها الله لنا, فتمتعوا ببحبوحة الله, وكونوا علي تقوي من الله, وليكن عملك بين الرجاء والخوف, وليكن امرك في الدنيا داعيا إلي الله ورسوله ومبلغا عنهما بلغوا عني ولو اية( البخاري) ولتكن مصلحا في هذه الأرض, ولتتذكر قوله ـ سبحانه وتعالي وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الالباب البقرة197, يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسملون( آل عمران:102), يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوي ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون الاعراف26
جزاكم الله خير
وجعلكم خير امه اخرجت للناس
نور