قيل لي لا تبك فأنت رجل ولم أبلغ بعد العاشرة. ومحين نزلت الدمعهة تلقائية من قلب عيني صاحبتها لطمة قوية على خدي، تؤذن بميعاد رجولتي الذي قرروا أنه تأخر قليلا عن موعده حتى بات لا بد من صرامة ما تستحضر قدومه. من يومها خفت أن أبكي علانية، ولطالما تفجرت دمعتي في خلوتي. لكنها تحجرت شيئا فشيئا الى أن غابت في دهاليز مظلمة بداخلي حتى كدت أنسى حاجتي اليها كلما عنَ الوجع. وان كنت لم أنس تلك اللطمة على وجهي التي سطرت بوعيي بنود الرجولة المزعومة. ومنذ ذلك الحين لازمتني حركة لا ارادية. فأجدني أمرر كفي على خدي لأقاوم أي مشاعر بداخلي وأمنع تحركها نحو السطح. قيل أنني رجل، ولم أفقه بعد انسانيتي ولا وعيت طفولتي. ومنحوني كل أوسمة التفوق ففرحت بها كفرح طفل بلعبه أكبر منه لم يتقن أصول استعمالها. فلبست ريش الديك، وسطرت خريطة البيت على مقاس خطاي. وكن أخواتي اللواتي تعلمن اتقان البكاء ليحققن أنوثتهن؟ كما يراها والدي؟ يساعدنني على ارتقاء المنصة و( التطاوس) عليهن. وكن يفعلن كل ما بوسعهن كي تتضخم أناي على حساب أنواتهن، التي يغسلنها كل قهر بالدموع. هذا كنت وكنا وهكذا شاؤوا، عالمين منفصلين، رجال ونساء، كبار وأطفال، ولطالما خمدت الله أن كنت رجلا. حفظت كل الممنوعات عن ظهر قلب ، ممنوع أن أبكي والبكاء للنساء. ممنوع أن ألعب واللعب للأطفال. ممنوع أن أكون بريئا والبراءة ( أعز ما في الطفولة) وهي للأغبياء. ذات يوم فتحت عيوني على عالم غير عالمنا. فقد استفدت من ريش طاووسي لأفرشه خارج الحدود، حين أقلعت بي الطائرة الى احدى الجامعات. كان العالم غير عالمنا، وكانت البيئة الجديدة قاسية على ريشي الذي لم يجد متسعا لخيلائه. فعشت الصراع بكل التواءاته ومنغصاته. أحسست أن المكان ليس مكاني، والزمان ليس في صالح زماني. الى أن طرق الباب علي ذات كتاب بابلو نيرودا وعلى سطور (أشهد أنني عشت) ، قرأت كلمات ليست كالكلمات. كلمات أحيت بداخلي أرضا مواتا. كلمات دغدغت بداخلي حضور طفل أغتالوه ذات لطمة قاسية على وجه طفولتي. واذ مدَ بابلو نيرودا يده ليمسح اللطمة والدمعة قال: " الطفل الذي لا يلعب ليس طفلا، أما الرجل الذي لا يلعب فقد فقد الطفل الكائن فيه، والذي سيشتاقه كثيرا" أحسست أني عشت العمر مشتاقا اليه، لذلك الطفل الذي لم يرت يوما من اللعب، وأنه آن الأوان لأحضنه. فما فتئ أن تحرك بداخلي وشق بيضة عمري المتكسلة، وأطل برأسه ليبدأ من جديد. أخد ريش الطاووس مع الأيام يتساقط ريشة بعد ريشة، دون أن آسف عليها. فقد حلت محلها خيوط نور في دخيلتي أغنتني عن ريش الجلد الزائف. علمتني الغربة لأنني طفل كبير مهما كبر ومهما نضجت. طفل من حقه أن يشتاق فيبكي، وأن يحب فيحنو، وأن يتساءل ويكتشف بدل من أن يتلقن. ومن حقه أن يتعلم ويسأل ويحاور ويجادل. ومن حقه أن يكون ندا لغيره، دون أن يتكبل داخل قيود من التضخم المصطنعة تحرمه محبة الآخرين وتجر عليه حقدهم. كما من حقه أن يكون على خطأ فيصلح خطأه، كحقهفي أن يكون على صواب، أما الكتب فقد خلصتني من لازمتي الحركية المزمنة، فلم تعد كفي تمارس تحسسها على خدي؟ لطمتي، بل تحررت من قيد هذه العادة، منذ أن أصبحت تمارس مغازلة الأوراق بين أناملها. ومن يومها صرت أشهد مع بابلو نيرودا أنني عشت. أما قبل ذلك فأعترف أنني كنت معاشا به. بتمنى القصة تعجبكم متل ما عجبتني. منقوله من احدى المقالات المحلية.
ساندي عضوه مجلس اداره
عدد الرسائل : 609 تاريخ التسجيل : 20/06/2008
موضوع: رد: اشهد اني لم اعش00000 السبت 23 أغسطس - 6:56
شكرا حاتم علي القصه الجميله ديه فعلا قصه موثره والواحد بيستفاد من التجارب
موضوع: رد: اشهد اني لم اعش00000 الإثنين 8 سبتمبر - 23:40
قصه جميله جدا بتحكى عن الشباب الذين فقدوا طفولتهم لرغبه ابائهم فى الطفوله المبكره التى لم ياتى الاوان اليها مشكوووووووووووووووور حاتم قصه فى منتهى الجمال
سمر سيناتور
عدد الرسائل : 8530 تاريخ التسجيل : 06/08/2008
موضوع: رد: اشهد اني لم اعش00000 الأحد 17 مايو - 3:21