أمريكا: اعتقال أستاذ هارفارد الأسود يبرز التوتر العرقي في البلاد البروفيسور هنري لويس جيتس
7/25/2009 10:45:31 AM
هناك تاريخ طويل في هذه البلاد من توقيف الأمريكيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية عبر تطبيق القانون، ولكن بشكل متفاوت وغير متكافئ.
بهذه الكلمات علَّق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على حادثة اعتقال البروفيسور هنري لويس جيتس، أستاذ التاريخ البارز في جامعة هارفارد العريقة، على يد الرقيب في شرطة كامبردج بولاية ماساتشوسيتس الأمريكية، جيمس كراولي، ليضع بذلك تلك الحادثة في سياق تاريخي أثار انتقاد وحفيظة البعض.
فقد أثار تصريح أوباما هذا، وخصوصا وصفه لتصرف الرقيب كراولي بـ الغبي ، انتقادات الدوائر المحافظة في البلاد، مما أرغم الرئيس الأمريكي على الظهور بشكل مفاجئ في المؤتمر الصحفي اليومي للبيت الأبيض، وذلك في محاولة منه لتهدئة الوضع.
وقال أوباما للصحفيين إنه ما كان لينبغي له الانزلاق والخوض في الموضوع عندما طُرح عليه أثناء مؤتمر صحفي على الهواء يوم الأربعاء الماضي، حيث وصف خلاله اعتقال الشرطة للبروفيسور جيتس بأنه فعل غبي .
فبالنسبة للعديد في الولايات المتحدة، فإن استحضار أوباما لتاريخ البلاد من القمع العنصري سيترك صدى كبيرا.
وكانت الشرطة قد ألقت القبض على البروفيسور جيتس في أعقاب محاولته دخول منزله عبر الباب الذي تعرض للتخريب، وذلك في أعقاب عودته من السفر حيث كان قد نسي المفتاح في الداخل.
وقد أوضح البروفيسور جيتس للرقيب كراولي عندما جاء لاعتقاله بأنه هو بالفعل صاحب المنزل، لكنه طفق يتهمه بالعنصرية، الأمر الذي حدا بالشرطة بزجه بالسجن بتهمة مخالفة القانون والتصرف غير اللائق.
وقد كان رد فعل جيتس، أستاذ التاريخ في معهد دبليو إي بي دو بويس للبحوث الأفريقية والأفرو-أمريكية، أن استشاط غضبا وأخذ يصرخ في وجه من جاؤوا لاعتقاله قائلا: هذا ما يحدث للرجال السود في أمريكا.
وقد تشير الإحصائيات إلى أن البروفيسور جيتس لربما كان على حق في ما ذهب إليه، فقد حدَّدت الأمم المتحدة موضوع تصنيف الأشخاص على أساس عرقي وإشاعة صورة نمطية عنهم بناء على لونهم على انه يشمل:
ممارسات ضباط الشرطة وغيرهم من المسؤولين عن تطبيق القانون، وذلك عندما يعتمدون في تصرفاتهم تلك، بأي درجة كانت، على العرق، أو اللون، أو الأصل، أو الجنسية، أو الأثنية، ويعتبرون ذلك أساسا لإخضاع الأشخاص للتحقيق، أو لمعرفة ما إذا كان الفرد منخرطا بنشاط إجرامي أو جنائي.
وقام الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (أكلو) بإعداد ملف حول حالات تصنيف الناس على أساس عرقي وإشاعة صورة نمطية عنهم بحسب ألوانهم، وغطَّت الدراسة كافة أرجاء الولايات المتحدة.
ففي ولاية لوس أنجلوس، حيث ما زال الناس يتذكرون حادثة قيام عناصر الشرطة بضرب رجل أمريكي من أصل أفريقي، وهو رودني كينج، تشير الدراسة الحديثة، والتي أعدها البروفيسور إيان آيريس من جامعة ييل لصالح الاتحاد المذكور، إلى أن نسبة حالات توقيف الأمريكيين الأفارقة من قبل شرطة الولاية تبلغ ثلاثة أضعاف مثيلاتها عند البيض.
يقول آيريس في تقرير: لا يمكن تبرير هذه التباينات من خلال نسب الجريمة في المناطق المختلفة التي يعيش فيها أناس من لون معيَّن. كما لا تنشأ حالات التفاوت هذه بسبب تخصيص أعداد أكبر من عناصر الشرطة للمناطق التي يقطنها السود أو ذوو الأصول اللاتينية.
أمََّا في ولاية ألينوي، فقد أظهرت دراسة أشرفت عليها وموَّلتها الحكومة أن سائقي السيارات السود والهيسبانيك (من ذوي الأصول اللاتينية) يخضعون لتفتيش الشرطة أكثر من نظرائهم البيض بمرتين، وذلك رغم أن احتمال العثور على كميات مضاعفة من الأسلحة المهربة والممنوعات الأخرى لدى السائقين البيض يكون ضعف ما هو عند السود.
وللرئيس أوباما صلة شخصية وثيقة بالإحصائيات المتعلقة بولاية ألينوي. فهو الذي كان قد دعم ورعى التشريع الذي أدى إلى تعزيز سلطات الولاية في مجال جمع المعلومات المتعلقة بحالات إيقاف الأشخاص، وهو التشريع الذي عُرف لاحقا بـ قانون إحصائيات التوقيفات المرورية في ألينوي .
ويشكِّل هذا الأمر بوضوح قضية تنتاب أوباما حيالها بلا شك مشاعر قوية، إذ تعهد خلال حملته لانتخابات الرئاسة الأمريكية بـ منع ومكافحة الانتهاكات العرقية وتصنيف الناس على أساس اللون. كما أشار وزير العدل في حكومته، إيريك هولدر، إلى إنهاء العمل بمبدأ الأفضلية في الإدارة.
ويعتقد كاتب المدونات الأمريكي من أصل أفريقي، تا-هيسي جيتس، والذي يكتب لمجلة أتلانتيك والمتخصص بالكتابة عن قضايا العنصرية والعرق في الولايات المتحدة، بأن التجارب الشخصية لأوباما قد تكون لعبت دورها في بلورة معارضته لقضايا التصنيف والانتهاكات العرقية، وكان رد فعله الأولي حيال اعتقال البروفيسور جيتس خير دليل على ذلك.
يقول تا-هيسي جيتس: أستطيع القول إن هذه الأشياء هي التي تُغضب الأشخاص السود من أفراد الطبقة فوق المتوسطة، ولربما كان ذلك بدرجة أكبر ممَّا تُغضب أي شخص آخر، وذلك باعتبارهم يميلون إلى كونهم، بحكم نظرة المجتمع لهم وحكمه عليهم، أشخاصا ذوي إنجازات هامة ويتقنون عملهم.
ويضيف بقوله: لقد أمضى أوباما جزءا كبيرا من عمره كشخص بالغ كأحد أفراد تلك الطبقة، ومن هنا فإن رد فعله لم يكن صادما.
وممَّا يمكن فهمه أيضا أن المسؤولين عن تطبيق القانون في الولايات المتحدة غير مستعدين لقبول أمر انخراط ضباط وعناصر الشرطة في تصنيف الناس على أساس عرقي، والمساهمة برسم وإشاعة الصور النمطية عن الأشخاص.
ففي رد فعلها على تقرير البروفيسور آيريس، أقرَّت شرطة لوس أنجلوس بأن الإحصائيات تُظهر بالفعل احتمال تعرض الأمريكيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية للتوقيف أكثر من السود، لكنها رفضت الاعتراف بأن يكون الانحياز العرقي هو الذي يسبب مثل تلك الفروق والتباينات.
وفي كامبردج بولاية ماساتشوسيتس، يصرُّ آمر الشرطة، روبرت هاس، على أن اعتقال البروفيسور جيتس لم يكن بدوافع عنصرية، كما أن الرقيب كراولي فعل بشكل أساسي أفضل الممكن في مثل تلك الحالة التي طُرحت عليه.
إلاَّ أن الأمريكيين من أصول أفريقية يعتقدون بجلاء أن التصنيف العرقي للبشر وإشاعة صورة نمطية عنهم على أساس لونهم تُعدَُّ مشكلة عويصة في الولايات المتحدة.
أمَّا الجمعية الوطنية لتقدم الملونين (ناكب)، فهي تقوم بحملة لتمرير قانون إنهاء التنميط العرقي ، والذي من شأنه أن يجرِّم مثل هذه التصرفات في حال أصبح قانونا ناجزا.
وبتوفر الدعم الرئاسي لمثل هذا المشروع، وما قضية اعتقال البروفيسور جيتس واستحواذها على اهتمام الرأي العام سوى مثال واضح على ذلك، فقد لا يمر وقت طويل قبل أن يبادر الكونجرس ويجعل مثل هذا الأمر جزءا من الماضي.