مر يوم 11 يوليو أمس دون أن يتذكره أحد.. رغم أنه ترتب عليه أن ظل شعب مصر يناضل ويكافح من أجل أن يمسح ما حدث في هذا اليوم.. اذ عند مشرق الشمس من يوم الثلاثاء ١١ يوليو 1882 أخذ الاسطول البريطاني بقيادة الأميرال سيمور يطلق قذائفه علي الاسكندرية.. وصبرت قلاع الاسكندرية وكان عددها 9 قلاع حتي الطلقة العاشرة فأخذت قلاع المدينة ترد علي مدافع الاسطول الانجليزي.واستمر الاسطول يدك الاسكندرية حتي الخامسة مساء رغم ان سيمور كان قد تعهد لوكلاء الدول الأجنبية بأنه سيضرب القلاع فقط.. ولكن مدافعه أصابت كل ما في الاسكندرية. كانت انجلترا تبيت النية علي احتلال مصر منذ جاءت جيوشها عام 1801 بحجة المساعدة في اجلاء الفرنسيين منها.. ثم كررت محاولتها بحملة فريزر عام 1807 وظلت تتحين الفرصة لاحتلال مصر واستغلت الأزمة المالية التي وقعت بسبب اسراف الخديو اسماعيل وتعللت بحادثين: الأول تلك الخناقة بين »الحمار المصري« وشخص مالطي، أي من مالطة الذي استأجر حماراً يطوف به المدينة طول النهار وأعطي صاحبه قرشاً واحداً ولما طلب الرجل أجراً أكبر طعنه المالطي بسكين وتجمع الناس وكانت معركة والكل يجمع علي أن هذا الحادث كان مدبراً فقد كان الأجانب يحملون الأسلحة ولا سلاح مع المصريين وكان ضحايا المصريين أضعاف الأجانب.. وراح الاسطول الانجليزي يستعد لضرب المدينة ** السبب الثاني انهم ادعوا أن مصر أخذت تدعم قلاع الاسكندرية وتزيد من تسليحها بمدافع تستطيع أن تصل الي سفن الاسطول الانجليزي.. الراسي أمام المدينة!! المهم أن الجنود الانجليز نزلوا إلي المدينة بعد أن دمروها.. ولكن جيش عرابي نجح في التصدي لهم وهم يتقدمون.. وأوقفوهم عند كفر الدوار.. فعادت الجنود للاسكندرية ليقلع بهم الاسطول الي بورسعيد ليدخلوا مصر من الشرق، بعد أن عجزوا عن دخولها من الغرب.. وصدق عرابي خدعة يسيبس له الذي ادعي ان الانجليز لا يستطيعون دخول القناة والوصول الي الاسماعيلية ومنها أقصر الطرق الي القاهرة!! ** وعند بلدة التل الكبير تواجه الجيشان الانجليزي بقيادة الجنرال ويلسلي والمصري بقيادة عرابي وضباطه وفي ليلة ليلاء وبالذهب والرشوة.. والخديعة والخيانة نجح الانجليز في استمالة ضابط مصري هو علي بك الذي دلهم علي نقط الضعف في معسكر الجيش المصري.. وكانت المأساة رغم بسالة الضابط محمد عبيد الذي حاول الصمود.. فانسحب عرابي وضباطه للقاهرة وأطلق المصريون علي الضابط الخائن لقب »خنفس« فأصبح اسمه علي بك خنفس!! ** المهم نجح الانجليز في دخول القاهرة واحتلوا القلعة وثكنات الجيش المصري في قصر النيل ورفعوا الاعلام الانجليزية فوقها يوم ١١ سبتمبر ليعلنوا بذلك احتلال مصر.. وعاد الخديو توفيق من الاسكندرية الي القاهرة في حماية الجيش الانجليزي ليبدأ تاريخ اسود للانجليز في مصر.. فقد حوكم عرابي وضباطه ونفي مع معظمهم وسجن أغلبهم.. وأصبحت مصر مستعمرة انجليزية. ** وأفاق الشعب المصري علي هذه الجريمة الكبري بالصيحات التي أطلقها الزعيم مصطفي كامل.. ثم محمد فريد.. لتبدأ ثورة الشعب في مارس 1919 ويستمر النضال المصري مشتعلاً رافضاً لهذا الاحتلال الذي استمر 74 عاماً.. هي من أفضل سنوات النضال المصري من أجل اجلاء الانجليز وتحقيق الاستقلال الذي كان قد بدأ من أيام محمد علي.. وترسخ من أيام حفيده الخديو اسماعيل. وتستمر المفاوضات فترة.. وينطلق النضال فترات أخري بالمظاهرات مرات وبالسلاح فترات أو مرات أخري كان أبرزها ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية.. ثم بين عامي 1950 و1952 عندما قادت حكومة الوفد أعظم فترة ضد قوات الاحتلال التي تمركزت في منطقة قناة السويس.. ولكن وقعت مؤامرة إحراق مدينة القاهرة يوم 26 يناير 1952 ليتحقق لهم اجهاض الحركة الوطنية.. وتجيء حكومة ثورة يوليو وتشجع حركة الفدائيين واخيرا يتم توقيع اتفاقية الجلاء ويتحقق هذا الجلاء ويرحل آخر جندي انجليزي عن بورسعيد يوم 18 يونيه 1956 بعد 74 عاما من هذا اليوم الأسود الذي ضرب فيه الاسطول الانجليزي مدينة الاسكندرية يوم الثلاثاء 11 يوليو 1882. ** وللأسف مر هذا اليوم دون ان نقول لكل المصريين حقيقة ما حدث فيه.. ولم نشرح لهم المؤامرات الأجنبية ضد مصر والمصريين وحتي يوم 18 يونيه نسيناه وهو اليوم الذي تم فيه إجلاء الانجليز. الشئ الوحيد الذي تحقق أمس هو الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من الكلية الفنية العسكرية لتؤكد أن جيش مصر صامد يقف ويدعم نفسه ليؤكد قدرته علي حماية أرض الوطن من أي اعتداء جديد.