أسدلت محكمة جنايات القاهرة، أمس، الستار على الفصل الأول من قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، بعد أن قضت، برئاسة المستشار محمدى قنصوة، رئيس الدائرة الثالثة، بإعدام رجل الأعمال عضو مجلس الشورى هشام طلعت مصطفى، وضابط جهاز أمن الدولة السابق محسن السكرى، شنقاً، فى اتهام الأول بالتحريض على قتل المطربة، والثانى بقتلها عمداً مع سبق الإصرار والترصد.
وعاقبت محسن السكرى بالسجن المشدد ١٠ سنوات عن تهمتى حيازة سلاح نارى وذخائر، وقبلت المحكمة الدعوى المدنية من أسرة سوزان تميم، ورفضت الدعاوى المتعلقة بأربعة محامين،
وأثبتت ترك أحد المحامين دعواه المدنية. استمرت الجلسة ٥ دقائق خرج خلالها رئيس المحكمة وأعضاء دائرته وواجهوا القاعة التى امتلأت منذ السادسة صباحاً، بوفود كبيرة من الإعلاميين، بينما حضرت سحر شقيقة هشام وأبناؤه وبعض أقاربه و١٠ من العاملين فى مجموعة هشام طلعت مصطفى الجلسة، وحضر والد محسن السكرى وشقيقه،
وعقب النطق بالحكم ظهرت الدهشة على وجه المتهمين، إلا أن قوات الأمن نجحت فى إخراجهما إلى سيارتين تابعتين للشرطة خلاف سيارات الترحيلات التى جاءت بهما إلى المحكمة، لنقلهما إلى محبسهما فى أقصى سرعة،
وشهدت الجلسة حضور دكتورة فى القانون الأمريكى و٣ طلاب حضروا بعد الحصول على إذن من رئيس محكمة النقض لمتابعة عدد من القضايا التى تحدث داخل مصر، بينها قضية هشام طلعت مصطفى لأنها «شهيرة».
وبعد النطق بالحكم منعت قوات التأمين جميع الموجودين داخل القاعة من الخروج وأخرجت أسرة هشام طلعت من الباب المجاور لغرفة المستشار قنصوة ولم تسمح للصحفيين والإعلاميين بالخروج إلا بعد التأكد من مغادرة المتهمين إلى سيارات الترحيلات التى كانت تنتظرهما عند الباب الخلفى، ومنها إلى سجن مزرعة طرة، وسجن ليمان طرة، ليقضى كل من المتهمين ليلته الأولى بملابسه الحمراء، حسب تأكيدات مسؤولى السجن بأنه على كل محكوم عليه بالإعدام أن يتم عزله فى غرفة انفرادية ويرتدى الملابس الحمراء، وهذه الليلة تعد أصعب الليالى على المتهم.
وتحولت قاعة السادات التى شهدت الحكم، إلى ثكنة عسكرية، أحاطها رجال المباحث الجنائية وأمن الدولة منذ الرابعة صباحا، خاصة بعد أن ترددت معلومات عبر الصحف والمجلات تقدم بسببها هشام طلعت ببلاغ إلى النائب العام ضد بعض الصحفيين الذين ذكروا فى مقالاتهم أن هناك خطة سرية دبرها «طلعت» من أجل إجبار القاضى على عدم النطق بالحكم، وهو ما وصفه «طلعت» فى بلاغه للنائب العام بأنه أمر غير مقبول ولا يمكن تصديقه، وأنهم يريدون استعداء المحكمة ضده.
وأمس كان يوماً غير عادى داخل محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، مختلفاً تماماً عن يوم ٢١ مايو الماضى، الذى أصدرت المحكمة فيه قرارها بإحالة أوراق المتهمين إلى فضيلة المفتى لاستطلاع رأيه فى إعدامهما،
فقوات الأمن تواجدت منذ الثالثة فجراً بشكل مكثف وانتشرت فى جميع المنافذ والشوارع والطرقات المؤدية للمحكمة، وإجراءات التفتيش كانت غير عادية، وتشديدات غير مسبوقة، واشتباكات متعددة بين الأمن وبعض رجال الإعلام والعاملين فى شركات هشام طلعت مصطفى، والصحفيون يريدون المرور والسماح لهم بالدخول إلى القاعة، والعاملون متعلقون بكلمات قليلة ينطقها رئيس المحكمة قد تؤدى برائد مجموعتهم إلى حبل المشنقة.
وعندما كانت الساعة تقترب من الرابعة فجراً، انتشرت سيارات الأمن المركزى فى شارع بورسعيد، يهبط منها آلاف المجندين، ربما استيقظت المنطقة على أصوات أقدامهم يصطفون فى صفوف حول أبواب المحكمة، والشوارع والطرقات المؤدية لها، ورجال القناصة احتلوا أسطح العمارات المجاورة، وكلاب بوليسية وبوابات إلكترونية كلها من وسائل التأمين.
وفى الخامسة والنصف صباحاً، جاءت إشارة من اللواء فؤاد حجازى، مدير نجدة القاهرة، بعد محادثة طويلة مع اللواء عبدالواحد السودة، مدير قوات التأمين والقيادات الأمنية المتواجدة بالمحكمة، للمسؤولين عن البوابة الرئيسية فى المحكمة، بالسماح للصحفيين بالدخول بشرط أن يتم تسجيل بياناتهم بكل دقة، ويصطف الصحفيون فى «طابور» طويل عبر قوات التأمين لتسجيل أسمائهم وبياناتهم،
ووقعت العديد من المشادات الكلامية بين الصحفيين والقوات، بسبب منعهم اصطحاب الصحفيين للهواتف المحمولة الخاصة بهم إلى القاعة، ويعقبها إخطارات لجهات متعددة عبر جهاز اللاسلكى بأعداد الصحفيين والموجودين من أسرتى المتهمين، وفى السادسة امتلأت القاعة،
وتم تخصيص الجزء الأيسر منها للصحفيين، بعدما أحاطوهم بالمقاعد الخشبية، وظل الجزء الأيمن لأسرة المتهمين بجوار القفص، وابتكرت أجهزة التأمين وسيلة جديدة لم تشهدها أى جلسات للمحاكمة من قبل، عندما صنعت جدارا بشرياً من الجنود ورجال المباحث وسط قاعة السادات، لفصل وكالات الأنباء والصحفيين عن الأسرتين وقفص الاتهام،
كان الجدار يتكون من صفين متقابلين يفصل بينهما ٥٠ سنتيمترا فقط كانت تسمح للقيادات الأمنية بالمرور، وظل الجميع مترقباً الأحداث وأبواب القاعة وغرفة المداولة، فى انتظار أن تفتح الأبواب ويدخل المتهمان إلى قفص الاتهام، ويخرج القاضى ليعلن الحكم.
ومرت ساعة كاملة، تم فتح باب القاعة خلالها عدة مرات لإدخال بعض الصحفيين ومراسلى بعض القنوات الفضائية، الذين مروا بطرقات المحكمة الداخلية المحاصرة عبر قوات التأمين، و٣ بوابات إلكترونية،
ومروا إلى جوار العديد من الكلاب البوليسية، ورجال الأمن، الذين قاموا بتفتيشهم تفتيشاً غير عادى، لينضموا إلى زملائهم فى المكان المخصص لوسائل الإعلام. الزحام وارتفاع درجة الحرارة والحصار الأمنى داخل القاعة وضيق المكان المخصص للإعلاميين، تجعلهم لا يرون منصة القضاء،
وعندما يحاول أحدهم الخروج ينصحه رجال الأمن بعدم تجاوز المساحة المخصصة، وعليه أن يشكر الله لأنه سوف يسمع النطق بالحكم فقط، نظراً للزحام الشديد والتكدس داخل القاعة.
وفى السابعة وخمس دقائق فتحت أبواب القاعة مرة ثانية، ولكن هذه المرة لإدخال المتهم محسن السكرى وسط اثنين من الحراس، ظلا ملازمين له داخل الجزء المخصص له حتى النطق بالحكم، واصطحاباه مرة أخرى إلى السجن، ضباط وعساكر يزيد عددهم على الـ٢٠ يحيطون بالمتهم خارج قفص الاتهام من كل جانب، بعدها ظهر «السكرى» ممسكاً بمصحف فى يديه،
وبدأ يقرأ فيه لمدة ٣٠ دقيقة حتى ظهر شقيقه «أشرف»، الذى ذهب إليه وظل يتحدث معه لمدة طويلة، وتوجهت عدسات المصورين ووسائل الإعلام إلى القفص يلتقطون صوراً للمتهم أثناء دخوله من باب القاعة ومنه إلى قفص الاتهام.
وبعد عشر دقائق تكرر المشهد.. لكن هذه المرة يدخل هشام طلعت مصطفى، وسط حراسة أمنية مشددة، المشهد كان مختلفاً وغريباً، دخل هشام مرتدياً بنطلوناً أبيض وقميصاً أبيض أنيقاً، وحزاماً بنى اللون، ولأول مرة وقف واضعاً يديه فى جيبه وهو يواجه عدسات المصورين، وظهر داخل القفص بشكل متماسك، وثقة، ليس كما تعود فى الجلسات الماضية على الاختفاء من عدسات المصورين،
ثم ارتكن إلى قفص الاتهام، ومرت دقائق، أمسك بعدها هشام مصحفاً فى يديه وظل يقرأ فيه لعدة دقائق، ثم توجه بنظره بحثاً عن أقاربه، الذين تأخروا عن الحضور،
وكان أول الحاضرين جهاد السوافطة، المتحدث الرسمى باسم مجموعة هشام طلعت مصطفى، ومدير شركاته وعمه، وتحدث إلى بعض العاملين فى مجموعة هشام، ثم حضر فريد الديب، محامى هشام، وتحدث معه لأكثر من نصف ساعة، ثم انصرف بعدها مسرعاً، كأنه جاء ليرد على ما أشيع عن نية هشام تغيير فريق الدفاع عنه.
وفى الثامنة والنصف حضر المستشار محمدى قنصوة، رئيس المحكمة، داخل سيارته الخاصة وسط حراسة أمنية مشددة، وسيارتين وعدد من قوات التأمين، حتى الدخول إلى قاعة المحكمة وغرفة المداولة،
قبلها قام مسؤولو الكلاب البوليسية بتمشيط مدخل المحكمة حتى الوصول إلى قاعة المستشار قنصوة، خلال هذه الفترات وقع العديد من المشادات الكلامية بين مندوبى وسائل الإعلام على أولوية الوقوف والجلوس فى الأماكن المخصصة لهم، قطعها صوت الحاجب فى التاسعة و٨ دقائق صباحاً يعلن دخول هيئة المحكمة لإصدار حكمها،
دخلت هيئة المحكمة برئاسة المستشار محمدى قنصوة وعضوية المستشارين محمد جاد عبدالباسط وعبدالعال سلامة، لتصدر الحكم فى القضية، التى وصفتها النيابة العامة، بأنها حظيت ولاتزال تحظى باهتمام غير مسبوق من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية،
وقال المستشار قنصوة فى حكمه أمس، الذى نطق به فى الساعة التاسعة و١٠ دقائق صباحاً، بعد أن نادى الحاجب على المتهمين وأثبت حضورهما: «بسم الله.. إن الحكم إلا لله، المحكمة بعد الاطلاع على الأوراق ورأى فضيلة مفتى الجمهورية والاطلاع على قانون الإجراءات الجنائية، والاطلاع على مواد قانون العقوبات، وقانون الأسلحة والذخائر، والمادة ١٦٣ من القانون المدنى، والمادة ١٨٤ من قانون المرافعات، حكمت المحكمة حضورياً،
بما يلى: أولاً، وبإجماع الآراء بمعاقبة كل من محسن منير على حمدى السكرى وهشام طلعت مصطفى إبراهيم بالإعدام عن تهمة القتل بالنسبة للمتهم الأول وعن تهمة التحريض بالنسبة للمتهم الثانى،
ثانياً، قررت المحكمة معاقبة المتهم الأول محسن السكرى بالسجن المشدد ١٠ سنوات فى تهمتى حيازة سلاح نارى دون ترخيص مسدس ماركة CZ عيار ٦.٣٥ وحيازة ذخائر بلغت ٢٩ طلقة،
ثالثاً، مصادرة مبلغ المليون دولار والمبالغ المضبوطة والسلاح والذخائر المضبوطة،
رابعاً، إلزام المتهمين بالمصاريف الجنائية،
خامساً، قبول الدعوى المدنية المقامة من عبدالستار تميم، والد المجنى عليها، وشقيقها خليل ووالدتها ثريا إبراهيم الظريف، وألزمت المحكمة المتهمين متضامنين بدفع مبلغ ٥٠٠١ جنيه على سبيل التعويض المدنى المؤقت،
سادساً، إثبات ترك وائل بهجت ذكرى، المحامى لدعواه المدنية، وإلزامه بالمصاريف،
سابعاً، عدم قبول الدعوى المدنية المقامة من المحامين نبيه الوحش، وكمال يونس، وهالة عبدالمحسن، وسمير الششتاوى، وإلزامهم بالمصاريف ومبلغ ١٠٠ جنيه أتعاب محاماة،
ثامناً، إحالة الدعوى المدنية المقامة من عادل معتوق ورياض العزاوى زوجى المجنى عليها إلى المحكمة المدنية المختصة».
وعقب النطق بالحكم، ساد الوجوم على وجه المتهمين وخرجا بسرعة من القاعة، بينما رفضت أسرة هشام طلعت مصطفى التعليق على الحكم، وانصرفت، لكن والد محسن السكرى قال إن حكم المحكمة كان متوقعاً ليكتمل ما وصفه بالسيناريو، وهناك أمل كبير فى محكمة النقض، وأنهم سيقدمون أدلة جديدة فى القضية، وصفها بأنها ستغير مسار المحاكمة.
وقال أنيس المناوى، محامى محسن السكرى: «نحن فى انتظار أن تضع المحكمة حيثيات حكمها تمهيداً للطعن عليه أمام محكمة النقض».
وعلمت «المصرى اليوم» من مصادر قريبة من أسرة هشام طلعت مصطفى أن هناك مفاوضات لضم ٨ من كبار المحامين للدفاع عن هشام فى «مرحلة النقض» وأن المفاوضات جرت مع محام شهير، معروف عنه المهارة فى القضايا الجنائية.. وطلبت منه تحديد فريق الدفاع الذى سيتولى العمل معه، إلا أن المحامى طلب الاتفاق مع فريق الدفاع..
مؤكداً أنه فى حالة قبوله لهذه القضية سوف ينضم عدد كبير من المحامين الذين يمتلكون أسماء قانونية متميزة، وأن المفاوضات جرت بالفعل بين المحامين وترددت أسماء بعض هؤلاء المحامين، على أن يتولى كل منهم جزءاً فى القضية،
بينهم المستشار بهاء أبوشقة، والدكتور مأمون سلامة، والدكتور آمال عثمان، والمستشار حسنين عيد، والدكتور شوقى السيد، وعدد آخر لم يتم الإعلان عنه بجانب فريد الديب وحافظ فرهود، محاميى هشام. واشترط المحامون فى حالة قبولهم الدفاع عن «هشام» ألا ينفرد أى منهم بالقرار، وأن يتم التنسيق بينهم فى جميع مراحل الدعوى وأن يكون العمل بشكل متجانس وليس فردياً.
لقطات
■ ٤٧ قناة فضائية سجلت وقائع جلسة النطق بالحكم فى قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم حضرت منذ الرابعة صباحاً وتسابقت للدخول، إلى قاعة السادات، بينها قنوات تحمل أسماء غريبة أثارت انتقاد الحضور واستياء رجال الأمن.
■ سيارات فارهة تابعة لوزارة الداخلية أقلت المتهمين عقب صدور الحكم بإعدامهما فى القضية، بعد دقائق من صدور الحكم، وكان يشرف عليها اللواءان فاروق لاشين، مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة، وأمين عزالدين، مدير المباحث الجنائية.
■ حاجب المحكمة دخل قاعة السادات فى السابعة صباحاً، رفع الكراسى الثلاثة المخصصة لجلوس هيئة المحكمة، وتفقد أسفلها، كما تفقد موقع أعضاء النيابة العامة، وعاد ليعلن أن كله تمام لبعض القيادات الأمنية التى طلبت منه ذلك.
■ هشام طلعت مصطفى استمر فى الحديث مع أحد القيادات الأمنية أكثر من ٢٠ دقيقة، كان يتحدث خلالها بانفعال، ارتدى خلالها نظارته وخلعها مرتين ودخن سيجاره المشهور، ثم عاد ليتحدث مع شقيقته سحر.
■ محسن السكرى امتنع عن التدخين طوال ٧ ساعات، قضى منها ساعتين داخل قفص الاتهام. كان المصحف فى يده والمسبحة فى اليد الثانية.
■ فريد الديب ظهر فى جلسة أمس فى الثامنة و٤٥ دقيقة، وتحدث إلى هشام أكثر من نصف ساعة بصوت خافت.
■ ٤ أجانب من أمريكا حضروا جلسة أمس بينهم أستاذ فى القانون و٣ طلاب وصلوا منذ أسبوع للقاهرة لمتابعة القضايا الشهيرة، قالوا إنهم زاروا محكمتى شمال وجنوب القاهرة لمتابعة أهم القضايا وتساءلوا عن عدم وجود قناتى «سى.إن.إن» و«بى.بى.سى».